ان المشهد المصري، من الناحية الواقعية الميدانية، بلغ درجة من التقاطب و التجاذب بين مؤدي الرئيس المعزول محمد مرسي و الفريق السيسي. و ان كانت المعركة غير متكافئة طبعا لعدة أسباب، في أدناها وجود مواجهة بين شخص واحد وفريق، وفي أقصاها، فهذا الأخير هو عبد المأمور كما يقول المصريين. هذا الصرراع رغم تعدد أبعاده وتمظهراته الا أن مجال الإعلام استطاع وأن يجمع بينها ويوحدها، في قالب واحد ووحيد، في نظرالمصريين ويحاول جاهدا تسويقه خارجيا. لن ندخل في جدلية هذا الرابح أو ذاك الخاسر، لأن "الرابح و الخاسر" ان وجد فهو الشعب المصري المغلوب على أمره. و أن الأمر يتعلق بشعب، وأمة أكبر لها تواجد وحضور يضرب بجذوره في أعماق التاريخ كما تخبرنا الآثار التي خلفتها الحضارات التي استوطنت أرض مصر. فالإعلام على عهد مرسي عرف جرعة جرأة زيادة عن اللزوم وفي جميع البرامج، فلا يخلو برنامج حواري من بث أفكار و معلومات تسعى الى وضع أساس لما سيتم بناؤه، أو هدمه ان صح التعبير، مستقبلا، وبلغ الأمر في بعض الأحيان محاولة احراج لضيوف ينتمون لتيار معين من طرف مذيعات بلباس جرئ . أما الأفلام والمسلسلات فحدث ولا حرج، عري وقوادة وخمر ورقص كل ذلك لإحراج الملتحين الموجودين بالسلطة. فان هم عارضوها أو علقوا عليها فهم بالتالي ضد الفن وضد الإبداع وان هم التزموا الصمت،فالصمت علامة الرضا، وعلى عهدهم يكون التناقض بين ما يؤمنون به وما يمارس باسمهم وتحت"سلطتهم". بل بلغ الأمر دخول الجميع على خط النقد والانتقاد للسياسة المتبعة في خطة مدروسة وباحكام، ليتوج العرض المسرحي بما عرف بمسيرة 30 من يونيو2013. سقط مرسي، خلع مرسي....طوابير السيارات أمام محطات البنزين اختفت، وطوابير العيش اختفت كذلك، البورصة المصرية كسبت نقطتين.....وهنا نجد أسئلة تطرح نفسها بالحاح: ما السر في ذلك؟ وهل تلك الطوابير اختفت فعلا أم أن دورها في الشهد هو الذي انتهى؟ وما هذه البورصة التي ربحت نقطتين دفعة واحدة، في حين بورصات عالمية ودولية تكافح من أجل أجزاء وراء الفاصلة؟ أم أن الأمر ينم على وجود خبراء و أدمغة تخطط لذلك وباحكام؟ سقط مرسي، خلع مرسي......وسقطت معه التعددية الفكرية والحزبية، فلم يعد هناك اختلاف بين خطاب الليبيراليين أو أنصار التوجه الشعبي وبين.....وبين.....وخلع معظم المثقفين سراويلهم فيما يشبه "الطهارة الثورية" في مسرحية"الزعيم" رافعين أيدهم الى السماء، ليس دعاء بل استسلاما، معلنين التخلي عن الأوراق التي أمامهم ومتبرئين من مضمونها معلنين قبولهم الانخراط في الحرب ضد هذا التيار........ ان الذي حصل في مصر، وبايجابية، وحد كل شئ في مصر. فالخطاب السياسي أصبح واحدا في أدق تفاصيله والجمل المستعملة في التعبير عنه، فالذي بمقدوره التعبير كأنصاف النخب وأنصاف الرجال فالمنابر الإعلامية تحت الطلب خاصة كانت أم حكومية، والذي لا يملك هذه القدرة فهناك من يتكفل بكتابة ما يتلى. أما المنابر الإعلامية،على اختلافها وتعددها وهي ترهق المتتبع و المشاهد من كثرة العدد، فقد أضحى خطابها واحدا موحدا. حيث استطاع،ذلك، اعفاء مقدمي البرامج من كثرة اللغط مع ضيوفهم، ويسر عليهم مسألة ضبط النقاش وايقاعاته بين الضيوف أو بين هؤلاء ومقدمي البرامج. أما التعددية، كالشيطان، لعنة لعنها القائمين على الشأن، فما تريد أن تسمعه أو تعرفه فقم بضبط جهازك على قناة معينة وسوف يقدم لك ، المتحكمين طبعا، كل ما تريد دون عناء امساك "الروموت كنترول" والتنقل من هذه المحطة الى تلك. ان الغاية الأسمى، من ذلك، تهدف الى جعل المصريين موحدين في الرؤية دونما حاجة الى استبدال النظارات أو دونما حاجة الى نظارات أصلا، طالما أن هناك نظارات ترى نيابة عن"الشعب"المصري الذي فوض لحاملها بالرؤية وبالتتبع وبوصف الأحداث، وباتخاذ ما يلزم. وهذا هو أكبر مشروع تقشف فكري تم التوافق عليه، فهل هو ل"نهضة مصر"؟ أم للزج بها في المجهول؟