رصد التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الخاص بسنة 2021 تغلغل الفساد بقوة في المغرب والصعوبات الكبيرة التي تعيق مكافحته، وانعكاس الفساد السلبي على التنمية وتمتع المواطنين بمختلف حقوقهم. وأكد التقرير السنوي للهيئة أن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد لم تتمكن لحد الآن من إخراج المغرب من خانة الدول التي تعرف منحنيات متردية للفساد، مسجلا تكريس مسلسل التراجعات على هذا المستوى. وتوقف التقرير على أن البيئة المغربية ملائمة لتنامي الفساد وتثبيت معاقله، فالمحيط العام لا يزال يعاني من أعطاب متنوعة، تهم بشكل عام الولوج إلى الحقوق المدنية والسياسية وسيادة القانون وفعالية القضاء والعدالة الجنائية وشفافية الميزانية. ووقفت الهيئة على التقاطعات بين ارتفاع معدلات الفساد، وانتهاك الحقوق والحريات وتراجع الأداء الديمقراطي، وهو ما تؤكده عدة تقارير سجلت تغلغل الفساد بالبلاد. ونبهت الهيئة إلى أن الفساد يساهم في تقويض أسس سيادة القانون بما يؤدي إلى المساس بالثقة وشيوع مظاهر المحسوبية والزبونية والامتيازات وتدمير أسس التماسك الاجتماعي والاستقرار وتكريس الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتبديد وهدر الموارد وتوسيع دائرة اقتصاد الريع، وضرب مبدأ الاستحقاق، وهي دعامات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في أي استراتيجية تتوخى النهوض بالتنمية الشاملة والرفع من مستويات النمو. كما رصد التقرير محدودية آليات الكشف عن جرائم الفساد، فالحالة الوحيدة لتحقيق التلبس القانوني في جرائم الفساد هي التي يبلغ فيها أحد الأطراف المعنيين بهذه الجرائم ضباط الشرطة القضائية، وهذه الحالة تكاد تقتصر على جريمة وحيدة من جرائم الفساد وهي الرشوة. وشدد التقرير على أن محاربة الفساد تحتاج لتعبئة السلطات، ولكن تقتضي أيضا حركة مواطنة تدعم الجهود المؤسساتية برفض الفساد والتبليغ عنه، وهذا الأمر رهين بالتغلب على تدني منسوب الثقة في المؤسسات والسياسات العمومية المتراكمة منذ عقود. وأكد ذات المصدر على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر قوة وحزما في مكافحة الفساد، مع ضرورة جعل محور الحكامة ومكافحة الفساد يتبوأ موقع الصدارة في بلورة وإعداد السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق التنمية، لضمان بلوغها. ورغم التوصيات التي ما انفكت تقدمها الهيئة الوطنية للنزاهة بخصوص محاربة الفساد، إلا أنها تظل حبرا على ورق، فقد أكد التقرير انعدام تفاعل السلطات المعنية مع هذه التوصيات إلا فيما نذر. وقدم التقرير جملة من التوصيات التي من شأنها المساهمة في مكافحة هذه الظاهرة التي تعيق التنمية وتحد من تمتع المغاربة بحقوقهم، وعلى رأسها تعليق العمل بالتقادم في جرائم الفساد، والتصريح الإجباري بالممتلكات، وإقرار تشريع يؤطر الوقاية من حالات تضارب المصالح، والتأطير التشريعي لصلاحيات الأمر بتجميد أو حجز الأموال المشتبه في أن لها علاقة بجرائم الفساد وتسهيل تنفيذ عقوبة المصادرة. كما أوصى التقرير بالنهوض بالتبليغ والكشف عن جرائم الفساد في إطار تحصين الضامنات، وتعزيز الحماية القانونية للمبلغين مع عدم المتابعة على أساس إفشاء السر المهني، وإلقاء عبء إثبات الطابع الكيدي للتبليغ على الجهة المتضررة، فضلا عن تيسير بلوغ جرائم الفساد إلى القضاء. كما توقفت الهيئة في ذات التقرير على المعيقات التي تحول دون تجريم الإثراء غير المشروع، وأكدت على ضرورة إفراد قانون خاص بهذه الجريمة، وتحويل عبء الإثبات من النيابة العامة إلى المتهم، الذي عليه أن يثبت أن ثروته مشروعة ويكشف عن مصادرها.