المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاضرة المُحيط آسفي.. من أكبر طاجين في العالم إلى المزهرية العملاقة
نشر في لكم يوم 25 - 10 - 2022

مدينة آسفي المغربية الضّاربة في القِدم، إلى جانب كونها مدينة السمك بدون منازع، فهي أيضا مدينة الخزف بامتياز، أُنشِئَت بربوة عالية على وادي الشّعبة، مَنبع الطين والخزف الذي اشتهرت به. كان الراحل الملك الحسن الثاني حريصا على الأكل من أطباقه، ومتاحف العالم وتجار التحف يتسابقون عليه. دخل المتاحف وصالات العَرض في كُبريات عواصم العالم، وزينت به قصور ملوك وأمراء العرب. هذه المدينة المُطلة على المحيط الأطلسي، عرفت في منذ أيام حَدثا فريدا واستثنائيا، بعد أن تم الكشف، يومه الإثنين 17 أكتوبر 2022 على مزهرية عملاقة للفخار، ذات الطلاء الزجاجي، هي الأكبر من نوعها في المغرب وافريقيا، على ارتفاع خمسة أمتار وعرض مترين، استعملت فيها حوالي 4000 قطعة زليج من صنف "التبوع"، وهو نوع من الزخرفة الخزفية التي تشتهر به عاصمة عبدة، منذ قرون طويلة، وحوالي طن و700 كيلو من الخزف الصافي. وهي عبارة عن آنية مزهرية ضخمة، أشبه بإبريق كبير مع الاختلاف الوحيد في عدم وجود مقبض، يعلوها غطاء عبارة عن جامور كتب عليه " آسفي، حضارة، ثقافة وفخار ". وقد بُنيت المزهرية من الأسمنت المسلح، وألبِسَت بالخزف. وتحتوي على زخاريف مسفيوية وأندلسية وأمازيغية، شُيدت بأهم مدار يربط آسفي بمدينتي مراكش والدار البيضاء، قرب محكمة الاستئناف بملتقى شارعين رئيسيين: الحسن الثاني، ومولاي يوسف، غير بعيد عن المتحف الوطني للخزف.
المزهرية العملاقة، هي من فكرة المبدع الآسفي عبد العزيز المودن، حيث كتب على صفحته بالفايسبوك " أحب أن أضيف حقيقة أخرى ومهمة، وهي أن مهندس هذه التحفة الفنية هو العبد الضعيف عبد العزيز المودن، فهو صاحب هذا الحلم الذي استمر ثلاث سنوات، وهو صاحب فكرتها وكل تفاصيلها، وهو مقترح طرق ووسيلة تحقيقها بهذا الحجم الكبير وبهذا الارتفاع الذي يتجاوز الست أمتار، وقد ناقش تفاصيل كل ذلك مع أطر من المكتب الشريف للفوسفاط ومع صديقي المعلم المنفذ أحمد لغريسي". وقد أنجزت هذه المزهرية في مدة زمنية اقتربت من السنة، بتمويل كلي من المجمع الشريف للفوسفاط "OCP"، بتكلفة مالية بلغت 800 ألف درهم، حيث أبهجت عاصمة عبدة، مدينة الفخار، واستقطبت زوارها من الذين تناقلوا صورها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية الإلكترونية المختلفة. والزَهْرِيَّة (الجمع: زَهْرِيَّات) ويقال لها أيضًا المَزْهَرِيَّة (الجمع: مَزْهَرِيَّات). ومعنى زهرية أو مزهرية: اسم مؤنث منسوب إلى الزهر، والزهرية أو المزهرية هي إناء أو وعاء مفتوح يستخدم عادة لتوضع فيه الزهور أو الورود بغرض الزينة. وتصنع الزهريات أو المزهريات في الغالب إما من الزجاج أو المعدن أو الخزف، وتزين بالنقوشات والرسوم وتتخذ في الغالب أشكالا وأحجاما مختلفة.
وقد أشرف على مزهرية آسفي العملاقة حرفيون مهرة من كبار الصناع المسفيويين، ومن قدماء المعلمين، من أمثال المعلم أحمد لغريسي والمعلم عبد القادر بن إبراهيم الفخاري، وتلاميذ مدرسة التكوين المهني بآسفي، في إطار الاحتفال بمرور ألف عام على تواجد صناعة الخزف بآسفي، والاستعداد للقيام بالمهرجان الدولي للفخار، تحت إشراف عمالة إقليم آسفي، وبمساهمة وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني، ومجلس جهة مراكش آسفي، والغرفة الجهوية للصناعة التقليدية، والمجلس الإقليمي، وجماعة آسفي، وشركاء آخرون. وقد تم إنجاز المشروع على مرحلتين، الأولى خاصة بإعداد المكان وتهيئته، والثانية بصناعة وتركيب المزهرية، كما شارك بعض مهندسي المكتب الشريف للفوسفاط في ورشات واجتماعات مع فريق العمل من المعلمين والشباب المتعلمين بمركز التكوين المهني للفخار والسيراميك.
مزهريات فخارية عملاقة… تاشهومجو وميديشي
وجريا على نفس المنوال، سبق أن صنع التركي أحمد تاشهومجو، في ولاية إزمير غربي تركيا مزهرية عملاقة من الفخار بطول 3 أمتار ونصف المتر وبوزن بلغ 250 كيلوغرامًا، باستخدام التراب الأحمر الذي تشتهر فيه منطقته، حيث تمكن من تشكيل تحفة بطول 3 أمتار ونصف المتر وقطر متر واحد. وتألق معرض «فن الحياة الفرنسي» بمنطقة التنقل في «إكسبو 2020»، بمزهرية «ميديشي» العملاقة، المصممة على يد الفنان هانس فان بينتم، وتضم 13 ألفاً من أحجار الكريستال النقية، ومزدانة بأضواء «ليد» داخلية، في تحفة فنية جاءت بطول 2.5 متر، وبعرض 1.4 متر، ووزن إجمالي يصل إلى 300 كيلوغرام، وبسعر يبلغ نصف مليون يورو (2.06 مليون درهم).
الطاجين الآسفي الخزفي.. أكبر طاجين في العالم
وليست المزهرية العملاقة بآسفي أول حدث عالمي بارز مرتبط بالخزف تشهده المدينة، بل سبق ذلك منذ 23 سنة حدث أكبر، تمثل في الطاجين الخزفي الآسفي العملاق الذي دخل موسوعة " كتاب جينيس Guinnes " للأرقام القياسية، وجرى الاعتراف به " كأكبر طاجين في العالم "، وبات واحدا من أشهر المعالم السياحية والفنية بالمدينة، حيث بلغ طول الطاجين 4،5 أمتار ، وقطره 6.3 أمتار، مما يجعله رائع المظهر فاقت شهرته الحدود، حيث اجتمعت أكثر من 200 امرأة مغربية لإعداد وليمة ضخمة أطلق عليها "طاجيني"، كوليمة من أكلة السردين الشعبية المحببة بقلب مدينة آسفي، وقد احتاج تحضير الوجبة الضخمة إلى 12 طنا من السردين و 500 كلغ من الدهون الحيوانية. وقد اشتهرت مدينة اسفي في العالم وداع صيتها باسم مدينة أكبر طاجين في العالم. " وقد شيد هذا الطاجين الآسفي العملاق في إطار فعاليات " مهرجان آسفي" لصيف 1999، وذلك بمبادرة مشكورة من " جمعية الفاعلين الاقتصاديين بآسفي"، حيث عزمت على فعل شيء يشد انتباه الداخل والخارج إلى هذه الحاضرة " المنسية "، وذلك بتحضير " أكبر طاجين لأكلة كويرات سمك السردين"، مستلهمة الشجاعة والحماس في تحقيق ذلك من أهل سوس الذين أنجزوا قبل عقد من الزمن " أكبر قصعة لأكلة الكسكس"، والتي عرضت بحاضرتهم البهية أكادير، يوم السبت 3 مارس 1993 " (1) . ويقول عنه الأستاذ ابراهيم اكريدية، مؤرخ آسفي (" طاجين آسفي" أو " أكبر طاجين في العالم"، تجسيد بحجم عملاق للطاجين الآسفي الأصيل، وهو معلمة فنية تزين ساحة محمد الخامس بالمدينة الجديدة من آسفي، يقصدها الزوار من داخل المدينة وخارجها، ولا تخطئها كاميرات الصحفيين، كلما هموا بإنجاز استطلاع مصور، في شأن من شؤون المدينة، حيث أضحت تمثل واحدة من أشهر معالم آسفي، إن لم تكن أشهرهم عند الكثير من الناس). (2)
وقد أحسن صنعا كل من فكر من الآسفيين في إنجاز هذه المعلمة وحققها ونصبها بأشهر ساحات آسفي، فإنجاز " أكبر طاجين بآسفي"، لم يكن _ في تقديري_ عملا نشازا مبتدعا ومرفوضا، بل هو يستمد إلهامه وفكرته ووجوده وشرعيته إلى ما شاء الله، من تاريخ المدينة وحضارتها وثقافتها، كعاصمة عريقة لا يجادل فيها لصناعة الفخار والخزفيات وسبقيتها إلى ذلك مع مجموع دكالة منذ غابر العصور (3). وقد تنبه إلى هذه الحقيقة غير المنازع فيها، في القرن الماضي وقبل عدة عقود خلت، بعض النبهاء من أهل آسفي، فنصبوا عند المدخل الشرقي للمدينة وبمناسبة أحد الأعياد الوطنية، تحفا خزفية بحجم كبير، كنا ونحن صغار نبهر بحجمها، وقد استمر وجودها لعدة سنوات قبل أن تختفي بقدرة قادر، كما جرت العادة مع المعالم التاريخية والرموز، التي صارت أثرا بعد عين (4). وقد جاء طاجين آسفي أو " أكبر طاجين في العالم " كتعويض مستحق ومحمود عن فقدان هذه التحف الخزفية الجميلة، التي هدمت وأزيلت دون أن تعوض بأخرى، واليوم يتربع " طاجين آسفي " بشموخ وزهو في أجمل ساحات آسفي وملتقى أهم شوارع " المدينة الجديدة " من آسفي، وهي " ساحة محمد الخامس "، و بفعل وجوده البهي والمهيمن، بات هذا الفضاء الجميل والمفتوح، يعرف عند العديد من الأهالي والزوار، "بساحة الطاجين Laplace du Tajine " (5).
صاحب الفكرة.. عبد العزيز المودن الآسفي
ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، لذلك لا بد من التذكير وللتاريخ من أن صاحب فكرة تقديم " أكبر طاجين سمك سردين في العالم وكذلك المزهرية العملاقة بآسفي، هو السيد عبد العزيز المودن الآسفي. من مواليد مدينة آسفي سنة 1949 بحي أشبار، ينحدر من أسرة ميسورة. تابع دراسته الابتدائية بمدرسة بياضة، ثم الثانوية بمدرسة ابن خلدون والإدريسي، وأقسام الباكالوريا بثانوية الحسن الثاني بمراكش. وبعد الحصول على شهادة الباكالوريا التحق بفرنسا لاستكمال دراسته، غير أنه اضطر للعودة إلى المغرب للبحث عن عمل، لأن تكاليف الدراسة بفرنسا كانت باهظة. لكن انخراطه في العمل لم يشغله عن المطالعة وقراءة الكتب سواء باللغة العربية أو الفرنسية أو الإسبانية حتى أصبح كاتبا وشاعرا بالفرنسية والعربية، وفنانا في نحث مجموعة من الحيوانات بالحجم الكبير. عمل قبل تقاعده إطارا متعدد التخصصات بمعمل الشركة الشريفة للنسيج. وفي وقت لاحق، استطاع أن يؤسس شركة تابعة للميناء في إطار تصدير علب السردين إلى مجموعة من الدول.
كما أسهم في تأسيس وإدارة العديد من الجمعيات الفاعلة بآسفي، ومن ذلك رئاسة جمعية التنمية السياحية بآسفي وناحيتها، وكاتبا عاما للمجلس الإقليمي للسياحة، والكاتب العام بالمكتب المسير ل " جمعية الفاعلين الاقتصاديين بآسفي"، ونائب رئيس جمعية آسفيي العالم، وعضو منظمة الدفاع عن الوحدة الترابية، وعضو منظمة مغرب إفريقيا، ورئيسا لجمعية العناية بالمقابر والأضرحة المسلمة والغير المسلمة، ومسؤولا وممثلا قانونيا للطائفة اليهودية، وعضوا بجمعية البحث في التراث الديني والثقافي والفني، وصاحب متحف آسفي المصنف رقم 2 نجوم عالميا، وصاحب منتزه يحتوي على كل المعالم التاريخية المصغرة بآسفي، ورئيس مشروع أكبر طاجين الذي حصل على شهادة GUINNESS DES Records شهادة الأرقام القياسية في العالم، وصاحب مجسم مركب راع RA II ، وصاحب مزهريات قرب دار السلطان، وصاحب خرائط المدينة بالخزف، وصاحب اللوحة الخزفية آسفي حاضرة المحيط التي توجد بحديقة القدس، وصاحب الصيانة الدائمة للطاجين منذ 23 سنة مع السلاسل الحديدية التي تحيط به. وفي سنة 2018، تطوع لدفن بحار بولوني "مجهول" بالمقبرة المسيحية بآسفي بعد 25 سنة من انتظار الحصول على الترخيص، وتطلب منه ذلك وقتا كبيرا ومضنيا وتنقلا مستمرا بين آسفي والرباط وبولونيا، حيث تمت مراسيم الدفن بحضور ممثلين عن السلطات المحلية بالمدينة وعناصر من المصلحة الولائية للشرطة القضائية.
شَخصية فذة مهووسة بتراث آسفي
هذه الشخصية الآسفية الفذة، قال عنه الدكتور منير البصكري (يندر أن تجد شخصية تحدوها الرغبة القوية والصادقة في الانخراط في غير قليل من الأعمال الإنسانية، ليتسنى لها أن تبدع وتنجز أعمالا ذات قيمة ووزن. شخصية مهووسة بتراث مدينتها ومأخوذة به، يبرز عناصره الإبداعية المتميزة، في شغف خاص وحب عميق وحماس متدفق.. ونظرا لسلوكه القويم وعلاقاته الإنسانية مع الناس، استطاع أن يحظى برضى وقبول كل الجهات التي كانت تخطب وده .. ذلك أنه راكم تجربة في مجالات متعددة بما توافر له من قدرات وإمكانات أهلته ليحظى بثقة الناس ومحبتهم، فاختاروه لتمثيلهم تارة ولتشريفه بعضويته تارة أخرى. وهكذا تمكن السي المودن لشغل غير قليل من المهمات الصعبة، فكان نشيطا في مشاركاته ومساهماته، مقتدرا في أدائه، حكيما في تدبيره.. كل هذه الأنشطة تفيد بأن للرجل طاقة قوية تترجم ديناميته، كما تفيد حبه وعشقه لمدينته إضافة إلى عمق تجربته واتساع أفق إبداعيته. فلا عجب أن يتميز السي عبد العزيز في ساحة الإبداع بسمات ظاهرة حينا وخفية أحيانا كثيرة تجاوز بها ذاته ليعانق الإنسانية في أعمق عواطفها وأرق أحاسيسها.. وما كان يألوا جهدا في كل ما يراه يعلي من شأن (آسفي) ويرفع من قيمتها، ويحفظ مكانتها بين سائر المدن المغربية. يغار عليها إلى حد يمكن معه القول بأنه مهووس بها، معتز بالانتماء إليها .. فما بال شبابنا اليوم وهم منار هذا الوطن لا يقتدون بأمثال هؤلاء الرجال، ولا يكونون لهم القدوة الحسنة حتى يحرزوا التمام والكمال وينالوا سامي الرضى ويتبوأوا أعلى مقام ). ( 6 )
الخزف وآسفي اسمان لمكان واحد
وسواء تعلق الأمر بالطاجين الخزفي الآسفي الأكبر في العالم أو المزهرية الخزفية العملاقة بآسفي التي تزدان بهما أهم ساحة ومدارة بآسفي، فإنه من المرجح بأن صناعة الفخار التي تشتهر بها آسفي ولجت المدينة منذ أقدم العصور، ولا نكاد نعثر على كتابات تاريخية توثق لهذه الصناعة بآسفي، فوحده المؤرخ محمد بن أحمد الكانوني العبدي الذي تحدث عن هذه الصناعة في بضعة سطور حيث قال " وهذه الصناعة أي الفخار من أكبر مميزات آسفي فلقد حازت فيه أجمل ذكر وأجل إكبار بوجود تربتها الطينية فسارت بذكر أوانيها الركبان وزينت بها المتاحف والبيوت، وكان لها في معارض الصناعة الأهلية أجمل التفات وأكبر اعتبار.. وهي من الصناعات القديمة بآسفي، صرح بعض المؤرخين الافرنجيين بأنها وجدت بآسفي منذ الفينيقيين قبل الميلاد المسيحي بقرون.. ". ويقول الأستاذ المصطفى العياطي المسناوي أن الدليل على عراقة وقدم صناعة الفخار بآسفي راجع إلى (تشابه تقنية الفخاريات التي صنعت في عهد الفينيقيين بطريقة بدائية وتلك التي استعملها الآسفيون القدامى والتي توجد منها بعض القطع بالمتحف المذكور ( متحف آسفي للفخار). ويضاف إلى ذلك أن استقرار الفخارين الأوائل بآسفي لم يكن ليحدث لولا وجود رواسب من الطين الأحمر على ضفتي وادي الشعبة الذي ينطلق من ينابيع تاكابروت مخترقا المدينة قاصدا المحيط الأطلسي كمصب له، علما أن مدينة آسفي قد استمدت اسمها أصلا من ذلك الوادي ) (7). ومن جهته كتب "سعيد شمسي" الباحث الأثري، محافظ المتحف الوطني للخزف بآسفي، على صفحته ب"الفايسبوك"، "حرصت آسفي على تخليد الذكرى الألفية للخزف بصنع أكبر مزهرية في المغرب مزينة، بزخارف من التراث الخزفي المسفيوي والمغربي". وقال إن " صناعة الخزف بآسفي ليست وليدة القرن 20، حينما أنشئت بها أول مدرسة عصرية للخزف بالمغرب وإفريقيا، أو وليدة القرن 19 حينما استقر بها ثلة من "المعلمين" الفاسيين، بل تمتد جذورها إلى القرن 11 الميلادي، حينما اتخذتها الدولة المرابطية ميناء لعاصمتها مراكش، حسب ما أبانت عنه الحفريات الأثرية لسنة 1994. وأشار إلى أن "تاريخ صناعة الخزف بالمدينة يرجع لألف عام على الأقل، إن لم نقل للمائوية السادسة قبل الميلاد، إبان الفترة الفينيقية".
وقد ازدهرت صناعة الخزف بآسفي بعد هجرة الأندلسيين، الذين استقروا بفاس وتطوان، وتخصصوا في هذه الحرفة، حاملين معهم تقنيات الفارسيين والسامرائيين والمصريين، والتحق بعضهم بآسفي حيث أبرزوا أصالة هذا الفن، ونذكر منهم عبد السلام لوكنصي، الذي حل بتل الخزف سنة 1875، ومعه بعض الصناع الذين عملوا بدورهم على تكوين صناع آخرين، حتى باتت آسفي تتصدر قائمة المدن المغربية في صناعة الخزف، التي يطلق عليها المسفيويين اسم "العملي"، نسبة لأحد رواد هذه الصناعة المعلم بوجمعة العملي الذي أحدث سنة 1918 نقطة تحول كبرى في صناعة الخزف بالمدينة، بعد استقدامه من مدرسة الفنون الجزائرية، حيث أعطى اسمه لفن الخزف بآسفي ومزج الطابع المسفيوي بخطوط هندسية متطورة، تتطلب تقنية ودقة، مستوحاة من الطابع المحلي، وهيمنة اللون البني المستوحى من الزرابي البربرية والريفية، مع إضافة اللون الأبيض والأسود، ثم إضافة الطابع الفني المتعلق بالنقش الفارسي الإسلامي.
آسفي والخزف.. شهرة عالمية
ومن بين العوامل التي جعلت آسفي تتربع على عرش صناعة الخزف على المستوى الوطني، انتشار هذه الصنعة بحجم أكبر من باقي الحرف التقليدية، وساهم في شهرتها أيضا تمركزها في "تل الخزف"، الذي يصنف موقعا تاريخيا، ومحجا يساهم في السياحة المحلية والأجنبية. وهو الموطن الأول لصناعة الفخار بهذه المدينة. وبالنظر إلى المكانة التي يحتلها هذا القطاع بمدينة آسفي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فقد تم سنة 1920 تصنيف تل الفخارين، ضمن المآثر التاريخية لآسفي، حيث يعد منذ بداية القرن 20 المحج البارز والرئيسي لسياح وزوار هذه المنطقة، علاوة على تواجد سوق الفخارين بالقرب منه، وهو بمثابة معرض دائم للمنتجات الخزفية. وتتميز صناعة الخزف المسفيوي بإتقان "المعلمين" لهذه الحرفة، التي ورثوها أبا عن جد، وكذا بجودة الطين بالمنطقة، الذي يحتوي على أوكسيد الحديد بنسبة كبيرة لا تتوفر في مناطق أخرى من المغرب، هذه العوامل جعلت خزف آسفي يشكل منبعا من منابع التنمية المحلية، وتعدت شهرته الحدود المغربية، كما سبق للمدينة أن شاركت بهذا الموروث الثقافي في ملتقيات دولية حصلت فيها على ميداليات وألقاب دولية مختلفة، منها الميدالية الذهبية في المعرض الدولي بمرسيليا سنة 1922، ودبلوم شرفي في المعرض الدولي بباريس سنة 1931 ،ودبلوم ووسام استحقاق من المعرض الدولي بنيويورك، وجائزة الحسن الثاني بطنجة سنة 1949.
وبموقعها المُطل على الساحل الأطلسي، والشاهد على قرون طويلة من الحضارة والتاريخ الغني والمتنوع، كان لمدينة آسفي الحظ في ربط علاقة "قوية ووثيقة ومشتركة " مع فن الخزف، جعلها توصف منذ سنة 1919 إلى يومنا هذا، بعاصمة الخزف المغربية بامتياز. وبقدر ما منحها الفخار شهرة عالمية غدت معها هذه المدينة ذائعة الصيت عبر العالم، فكلما ذكرت آسفي، كلما دخل الفخار والخزف على خط الحديث، إلى درجة باتت معها المدينة تلقب ب «عاصمة الفخار» الذي يلتصق باسم آسفي، فكل الصور الآتية من هناك لزوار وسياح مغاربة أو أجانب تلتقط مشاهد لمنتجات غاية في الإبهار، بين الصحون والأكواب والمزهريات وخلافه مما جادت به أنامل الصانع التقليدي المسفيوي تجعلك بالفعل تؤمن أنها عاصمة هذا النوع من الصناعة التقليدية التي امتد اشعاعها على المستوى الوطني والدولي، كتراث ثقافي يعكس مدى قدرة الصانع التقليدي وحسه الابداعي على خلق تحف فنية رائعة وجميلة، مكنت من استهواء زوار المدينة المغاربة والأجانب، ذلك أن الكثيرين مازالوا يستعملون الفخار ويعتمدون عليه لفوائده الصحية غير المُلوثة، وأيضا اتخاذه كديكورات يزينون بها بيوتهم، حتى أصبح ينافس أشهر المنتجات العالمية في مجال التزيين والديكور.
هوامش:
1_ إبراهيم كريدية، طاجين آسفي، رمز فني وثقافي وتاريخي، ص22 و24
2_ نفسه، ص 13
3_ محمد حجاج الطويل، الطجين، معلمة المغرب، المجلد السابع عشر، مطابع سلا، ص 5724
4_ إبراهيم كريدية، طاجين آسفي، رمز فني وثقافي وتاريخي، ص 20
5_ نفسه، ص 22
6_ منير البصكري الفيلالي، صدى رجالات آسفي في التاريخ – الحلقة 122. أنظر الرابط
7_ المصطفى العياطي المسناوي، الماء وصناعة الخزف بمدينة آسفي، موقع آسفي الآن. أنظر الرابط كاتب وباحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.