– حصر تقرير حديث جدا، صادر عن "منظمة كارنيغي للسلام الدولي" الأمريكية، الصراع في مصر ما بعد ثورة ال25 يناير، بين القادة المدنيين الجدد المنتخبين ديمقراطيا (الإخوان) وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، حول قيادة مستقبل مصر في حقبة ما بعد حسني مبارك، مؤكدا على فكرة أساسية يدور حولها الإصدار مفادها أن "جمهورية مصر الثانية" لن تولد إلا عندما تزول "جمهورية ضباط العسكر" من الوجود. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر منذ أوائل عام 2011 –حسب الكتاب- يسعى إلى ترسيخ وصايته على البلاد في الدستور الجديد، والسلطات المدنية من جهتها تحاول انتزاع السلطة من مؤسسة عسكرية شكلت دعامة الحكم السلطوي لعقود، وتسعى الآن إلى البقاء فوق القانون، وهذا الواقع إنما يضع مصير العملية الانتقالية في مصر على المحك. وأضاف التقرير في إحدى فصوله، وهو عبارة عن دراسة صادرة عن "منظمة كارنيغي" حول تحكم الجيش المصري في مفاصل الدولة، كون الأخير منذ 1991، وهو يحاول توغله التام في جميع المجالات تقريبا من مجالات نظام حسني مبارك القائم على المحسوبيات. "جمهورية الضباط" أداة الرئيس وفقا لنفس التقرير فقد جرى استمالة كبار ضباط الجيش المصري عبر وعدهم بتعينهم بعد تقاعدهم في مناصب حساسة في الدولة والوزارات والهيئات والشركات المملوكة للدولة، ومنحهم رواتب وفرص إضافية تمكنهم من تقوية نفوذهم داخل الدولة مقابل ولائهم للرئيس. وجاء فينفس المصدر أن "جمهورية الضباط" شكلت أداة أساسية للسلطة الرئاسية في مصر. وما تزال تحافظ على نفوذها السياسي المتغلغل حتى بعد سقوط حسني مبارك، مخترقة جهاز الدولة والمخابرات والاقتصاد والمال على حد سواء على جميع المستويات دون استثناء . ضرورة التوافق وعلى هذا الأساس، يوصي التقرير الصادر عن المنظمة الأمريكية، بضرورة أن يتوصل الرئيس المعزول محمد مرسي وبقية الأحزاب السياسية الأخرى على "توافق راسخ" من أجل الحد من "الوصاية العسكرية الصريحة" ومن أجل الوقوف في وجه الصلاحيات الاستثنائية التي يرغب المجلس الأعلى للقوات المسلحة في ترسيخها في الدستور المصري المرتقب ضمن خارطة الطريق التي رسمها للشعب المصري . وأوصى التقرير في السياق ذاته، بضرورة إقرار "الرقابة المدنية الفعالة" على تفاصيل ميزانية الدفاع وأي تفاصيل أخرى للتمويل العسكري. وبالموازاة مع ذلك، وجب على القادة المدنيين المنتخبين ديمقراطيا توخي كل الحذر، الذين كلما أحرزوا تقدما ملموسا في السلطة السياسية، كلما كافحت "جمهورية الضباط" أكثر فأكثر من أجل إحكام قبضتها على ما لها من سلطات مستغلة شبكتها الواسعة المتغلغلة في جميع أنحاء جهاز الدولة بغية عرقلة سياسة الحكومة المدنية وإصلاحاتها، وإعاقة تأمين الخدمات العمومية التي تمس أكبر شريحة شعبية من شأنها جلب التأييد والتعاطف، فما لم يتم تفكيك "جمهورية الضباط" فسوف تستخدم نفوذها السياسي الواسع وسيطرتها على الجيوب البيروقراطية الرئيسة لإسقاط أي حكومة مستقبلية لا تكون على مزاجها وطموحها، على حد تعبير الإصدار. وقد وصف التقرير المؤسسة العسكرية في مصر ب"الجمهورية" بسبب ما وصفه "النفاذ اللامتناهي" لهذه المؤسسة، حيث أضحت جمهورية عميقة تتحكم في مفاصل الحكم للدولة المصرية، من خلال توفرها على ترسانة من ضباط الجيش التنفيذيين والإداريين في كافة الوزارات والهيئات الحكومية، خاصة وزارة الداخلية، وجهاز المخابرات العامة التابعة للجنرال والمشير عبد الفتاح السيسي، وقبله الطنطاوي. المدنيون مجرد "عيال" في ثقافة الجيش ويرجع التقرير سيكولوجيا النزعة السلطوية والتحكمية لدى "جمهورية الجيش" إلى النزعة الأبوية التاريخية للجيش المصري الذي يعتبر فيها "المدنيين" مجرد "مواطنين أقل شأنا" أو "عيالا" . هذا، وتعد "منظمة كارنيغي للسلام الدولي" صاحبة التقرير، منظمة دولية غير حكومية، مقرها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تأسست في 1910، ومن المنظمات الرائدة في مجال الأبحاث والدراسات، بوصفها مركز الأبحاث الدولي الأول، ولها فروع نشيطة في واشنطن، موسكو، بيجينغ، بروكسيل وبيروت. وأصدرت هذا الكتاب "فوق الدولة : جمهورية الضباط في مصر" (40 صفحة) في إطار "برنامج كارنيغي للشرق الأوسط" ترصد فيه مدى تحكم الجيش المصري في اللعبة السياسية بمصر.