إنها لفاجعة أن يحدثوك أن الكُلَّ في هذا الوطن سواسيةٌ كأسنان المشط؛ ثمَّ تكتشف أنَّ الوطن بالأساس أصلع، لا حق فيه للمستضعفين، ولا عدل فيه للمظلومين، ولا إنصاف فيه للمستشهدين، ولا دعم فيه للمحرومين، ولا فرح فيه للمحزونين، ولا راحة فيه للموجوعين، ولا أمن فيه للمكروبين ، ولا أمل فيه للمقهورين، ولا عمل فيه للمعطلين ، ولا كرامة فيه للمواطنين... !!! إنَّ المتتبع للشأن السياسي في المغرب؛ سيرى أنَّ الخطاب الرسمي جعل من الحكام أناساً غير عاديين، فوق القانون وحجر الزاوية لسيرورة أمور البلاد والعباد، في ظل دستور جديد قيل فيه أنَّ الملك يسود ولا يحكم، إلاَّ أن تداول السلطة بهذا الشكل الذي يجعلُ طبقةً معينة تستحوذ عليها وتتوارثها بينها في طقوس – الركوع والانحناء والولاء والتبجيل – لم تكن حتىَّ في عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ما صنع أشباحاً داخل دائرة القرار السياسي قامت بإعدام عملية الانتقال الديمقراطي بين كل مكونات المجتمع من أحزاب وهيئات وجماعات لها وزنها في المشهد السياسي المغربي، وحتى إن كان هناك انتقالا أو تداولا سياسيا للسلطة فهو يتم بين دائرة الأشباح بشكل قبلي. فبعد أكثر من سنة ونصف على تنصيب الحكومة المغربية؛ التي طالما صفق أغلب وزرائها للحاكم أثناء حملاتهم الانتخابية من أجل الحصول على مراكز وامتيازات ظنوا أنهم سيحدثون عن طريقها تغييراً في المشهد السياسي - جراء وصولهم لهذا الكرسي الذي به قبضة حديدية تديره كما تريد دون حسيب أو رقيب – يختلفُ عن التغيير الذي أحدثته الثورات العربية بالدول المجاورة، لكن الواقع يشهدُ على أنها أفلحت في تبني "الاستثناء المغربي" بتحضير ورعاية حكامها, فجلاديها الذين مروا على الأخضر واليابس ولم يتركوا شيئاً من حقوق أبناء هذا الوطن إلاَّ وسلبوهم إياه، وجردوهم منهُ كما يُسلبُ السفود من الصوف المبتلة.. !! والواقعُ اليوم؛ يشهدُ على أنَّ ضُعف الأحزاب في المشهد السياسي المغربي غير مرتبط فقط بقياداتها القديمة ومشاريعها الفارغة، وإنما لهُ ارتباط وثيق بالدور السلبي الذي تمارسه في تقوية الاستبداد على مصالح أفراد المجتمع، وذلك بتمثيل الدولة حزباً – حكومة الظل – يهيمن على الحياة السياسية ويسيرها بتواطؤ مع باقي الأحزاب، وفي نفس الوقت لها السيادةُ على تفكيك بعض التيارات والأحزاب وإضعافها وإبعادها عن المعترك السياسي لتلعب الدولة دور الوسيط والحَكَم والحكيم في العلاقة بين الأحزاب نفسها. وبهذا تكون الحكومة المغربية قد فشلت في تنزيل مشروعها السياسي الذي أعلنتهُ بعد توليها الرئاسة الحكومية، والمتمثل في إحداث ديمقراطية تضمنُ العيش الكريم لكل المواطنين، مبررة ذلك فيما مرة بوجود "عفاريت وتماسيح" يقفون حجرة عثرة أمام إصلاحاتها المنشودة، إلى جانب معارضة حزب الاستقلال الذي قرر مؤخراً التخلي عن منصبه الحكومي، وهو ما يبرهنُ على أنّ وضع الأحزاب السياسية أكثر مأساوية من الواقع السياسي، لكون أغلبها لا زال يردد شعارات الماضي وأفكار أكل عليها الدهر وشرب، تؤرخ لمرحلة الاستعباد والانحطاط الذي يخدمُ أجندة الاستبداد، فهي لم تستسغ بعدُ أفكار التغيير لأنها ببساطة لا تريد التغيير.. !!