إن عادة أنظمة الحكم في الدول المتخلفة سياسيا في وقتنا، هي أن يكون الرئيس أوالملك أو الأمير أو السلطان، عنصر التوازن بين التيارات السياسية والمكونات المتنوعة داخل المجتمع السياسي، ولذلك يصبح هو مركزالسلطة والحكم، وصاحب السيادة وكل أنواع الفضائل والفخامة، ويكون دائما من الذكور دون النساء، ويرجع إليه تسيير الدولة والمجتمع، وينتشر الخوف منه بين الناس، ويتغول اقتصاديا ومعنويا، ولا يقلل منه المرض أو الشيخوخة، ويحتفظ على سلطته، ويحرص على نقلها إلى أسرته وأتباعه وحزبه، ويهدد المجتمع بعدم الاستقرار السياسي إذا حاولت المعارضة تغييره، ويربط المقدسات الدينية والمذهب والعقيدة بشخصه، ويمكن اعتبار مصر نموذجا مهما وملموسا لما نقول، بقطع النظر عن ما يتشابه بين مصر والمغرب وما لايتشابه، وكلما خرج المجتمع من وضعية التخلف السياسي، تغيرت وضعية مركز السلطة، ويتحول رأس السلطة إلى شخصية حاكمة تتغير، ولا يقع الخلل في المجتمع بتغيير الرئيس والملك والسلطان والأمير، ولا بتغيير جنسه من ذكر إلى أنثى، ولادينه من مسيحي ومسلم أو غيرهما، ولامذهبه من شيعي أوسني، أوشيوعي أوليبيرالي أوغيرهم، وكان المفكر "عبد الرحمان ابن خلدون" يختم مقالاته عن تاريخ الأسر الحاكمة في المغرب بقوله "وهكذا سادت وبادت والبقاء لله"، وكان اضطهاد "ابن خلدون" من طرف السلاطين المرينيين يرتكز على محاربة نظريته السياسية، التي تقول بأن سيادة الحاكم تأتي بعدها حتميا إبادته، أي أنه يربط سياسيا بين السيادة والإبادة. بعد هذه المقدمة الضرورية، نوضح لماذا اخترنا مصر نموذجا لما نقول؟ الأمر بسيط يتركز على كون مصر بلاد الأهرام والفراعنة، وكونها تضم "92 مليون" نسمة حاليا، وأيضا كون النخب الحزبية المخزنية المغربية قامت من نومها لتتخذ المواقف حول ما إذا كان ما يجري بمصر سينتقل إلى المغرب أم لا؟ ونعتمد هنا على منهج المقارنة، ونطبقه بين "محمد حسني مبارك"، والمشير "حسين طنطاوي"، "ومحمد مرسي"، و"منصور عدلي" ونعني فترة حكم الرؤساء الأربعة على التوالي، ووضعية كل منهم كرأس للسلطة، ولاشك أنهم تعرضوا لعملية التغيير التي يجتمعون فيها، وهي كما قلنا علامة تقلص ونقصان التخلف السياسي بمصر لدى الشعب ابتداء من سنة2011، فقد تغير حسني مبارك، رغم أنه طلب رسميا من شعب مصر أن يجعله حاكما مؤقتا لايترشح لفترة رئاسية مقبلة، فجعله القضاء والقدر سجينا مؤبدا بدلا من رئيس لمصر مدى الحياة، وكان الكثيرون من جمهور التخلف السياسي، يعتقدون أن شعب مصر سينهار بعد سقوطه، فجاء خلف له "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، وعرفت مصر لأول مرة في تاريخها السياسي الحديث مرحلة" حاكم مؤقت" بالمعنى الحقيقي للكلمة، هو "المشير حسين طنطاوي"، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكلمة "مؤقت " ينبغي التوقف عندها بالتأكيد، لأنها هي التي تعوض التغول ودوام الديكتاتورية، وهي التي أصبحت تتردد في رئاسة مصر وتونس وليبيا ومالي، ورسخت في اللغة السياسية، ووسائل الإعلام حتى لدى المغاربة، بتضحيات ودماء الشعب المصري والتونسي والليبي والمالي، وخاصة الشباب، بعد دخول مصر إلى عهد رئيس رابع مؤقت، هو "منصور عدلي" في أوائل يوليو 2013، الذي لاشك أنه مؤقت، وسيتغير بعد فترة قريبة، وقد زال خوف الناس من تغيير رأس السلطة، وبكون الرؤساء مؤقتين، تصبح الأزمات السياسية الناتجة عن زوال رأس الحكم وبقائه بالنسبة للشعوب كأحوال الطقس، وفصول العام التي تمر ولا تدوم، وقد ذكرنا في بداية هذه المقالة ماسميناه "عنصر التوازن"، فمن هو عنصر التوازن الذي عوض الرئيس الغول في مصر؟ ويمكن أن يكون بمنهج المقارنة هوعنصر التوازن في الدول التي هي في طريق التغيير والخروج من التخلف السياسي، بالمفهوم الذي ورد في هده المقالة...وحتى في تونس وليبيا ومالي... الجواب بالنسبة لتجربة مصر حاليا، وبالنسبة لمن ستنتقل إليه مستقبلا، يدور بين أربعة عناصر هي: 1-الرئيس المؤقت. 2- القوات المسلحة. 3- القضاة. 4- مجموعات المعتصمين بالشوارع والساحات العمومية. إن القوات المسلحة المصرية تتكون حسب معلومات الأنترنيت، من حوالي نصف مليون نسمة، يضاف إليها مليون واحد من الجنود الاحتياطيين، (بالمقارنة مع المغرب 235000 عسكري، مع150000 من الاحتياطيين)، وهذا العدد يتعلق بكتلة بشرية من الموظفين الذين يتواجدون مع المتظاهرين والمعتصمين في الساحات العمومية ، ويحرسونهم ولهم مصالح تلتقي مع مصالح بقية فقراء الشعب المصري، وهم أكثر تنظيما وقوة من أي حزب وتنظيم سياسي، إذا أضيفت إليهم عائلاتهم التي تعيش من أجورهم، ويشاركون في الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية، ولاشك أن عددهم سيفوق عدد منخر طي حزب الإخوان المسلمين، الدين يقدر عددهم بحوالي سبعمائة ألف منخرط، وغيرهم من الأحزاب، وعدد القضاة حوالي "15 ألفا"، وقد برز القضاء كقوة وسلطة فعلية قوية بعد ثورة مصر25يناير سنة2011، وقيامه بعدة إجراءات مثل اعتقال محمد حسني مبارك ومن معه، وبعض المتهمين بجرائم الأموال والسياسة في مرحلة ماقبل ثورة25 يناير2011، ومصادرة الأموال الناتجة عن ما يسمى في مصر بجريمة" التربح "، وهي على سبيل المقارنة أيضا لاتوجد في المغرب بهذا الإسم، وتتعلق بالربح الناتج عن استغلال النفود ونهب المال العام، وأهم تدخل كبير للقضاة في العمليات السياسية تتعلق بإشرافه الكامل على الانتخابات والاستفتاءات، وأخيرا تعيين الرئيس المؤقت منصور عدلي من صف القضاة، وكذلك الأحكام التي أصدرتها المحاكم وخاصة في إلغاء انتخابات مجلس الأمة، والقضاء والعسكر في مصر اشتركا في عمليات التغيير كل على حدة، حيث قام القضاء بإلغاء مجلس الأمة(السلطة التشريعية)، و قام الجيش بعزل رئيس الدولة محمد مرسي(السلطة التنفيذية)، وقد كان الصراع الذي سبب الأزمة بين القضاء ومحمد مرسي، هو محاولته إعطاء الشرعية لمجلس الشعب ضدا على الحكم القضائي الذي صدر بإلغائه، والقضاة هم الذين تركوه رئيسا لدولة يقول فيها بأنه ديمقراطي وليس له برلمان. أما بالنسبة لقضاة المغرب فإن حركتهم بدأت تبرز شيئا فشيئا، وتتجلى في تأسيسهم لتنظيم خاص بهم يسمى "نادي قضاة المغرب"، وهو أكبر مكسب ربحه القضاة من نضال شباب حركة 20فبراير2011، وهو أول ناد مهني يمارس فيه القضاة التعبير عن إرادتهم واستقلال مهنتهم، وكمثال على المطلب الرائع والجدي الذي رفعوه، أن يعين الرئيس الأول لمحكمة النقض رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوكيل العام للملك لدى المحكمة نفسها من طرف القضاة أنفسهم، ومعنى كل هذا هو تطبيق مبادئ الديمقراطية في صفوف القضاة، ليستطيعوا تطبيقها على الشعب، وليتخلصوا من تهديدات تعيينات السلطة المخزنية. أما العنصر الرابع الذي هو المعتصمون بالساحات العمومية، فإن هؤلاء يرمزون إلى سلطة الشعب وقوته، ولاشك أن تجمعهم واعتصامهم سواء من أجل نصرة طرف أو معارضته، كانوا مع "منصور عدلي" أو مع" محمد مرسي" أوغيرهما، فإنهم مجتمعون لمناقشة السياسة، ومكسب التجمع الجماهيري المفتوح بالشارع العمومي، في حد ذاته يعتبر تقدما ودرجة أقصى من حرية الشعب وتسييسه، ويتحدى الذين يزعمون أن المغرب ديمقراطي أن لايقتلوا ولا يهاجموا المعتصمين بالشوارع العمومية، ليروا ماذا سيقرر الشعب؟ وبالمقارنة مع نظام الحريات العامة في سويسرا مثلا، يمكن للمواطنين تلقائيا فيما بينهم أن يقرروا مايريدون في اجتماعهم كمواطنين، وهو مايسمى في علم السياسة بالديمقراطية المباشرة، وعلى السلطة التنفيذية أن تعمل به، وهو ما حاول الجيش المصري أن يتمسك به، وحاول طرفا النزاع من الجماهير الشعبية (الاسلاميين واللائكيين) تجسيده عن طريق توقيع العرائض. وأخيرا فإن النخب المخزنية ومفكريها، وصحافتها، وأحزابها التي بادرت إلى اتخاذ المواقف والتنبؤات السياسية حول ما إذا كان مايجري في مصر سيؤثر على المغرب، أو ينتقل إليه أم لا؟ فقد ظهرت تناقضات تدل على وقوع التأثير مسبقا، منذ 30 يونيه 2013 بين الاسلاميين واللائكيين المغاربة، ومن ليس منهم، وبين مكونات الجهاز المخزني وتوابعه ما بين القصر الملكي الذي بعث ببرقية التهنئة للرئيس المؤقت منصور عدلي، وبين رئيس الحكومة وحزبه الذين يتمسكون بموقف الإخوان المسلمين بمصر، ورفض الرئيس المؤقت، ومشكلة انتقال ما يجري بمصر وسوريا والشرق الأوسط عامة إلى المغرب، لايمكن تناولها موضوعيا بدون اعتبار ما كان قد انتقل قبل وقتنا هذا من مصر وسوريا إلى المغرب، فالذين قبلوا نقل أحزاب الإخوان المسلمين من مصر إلى المغرب، بل منهم من بايع شيوخهم، وحفظ كتبهم، ونقلوا أحزاب الناصرية الانقلابية، وحركة القوميين العرب والبعثيين وأشياء أخرى ..عليهم أن لايتناقضوا مع أنفسهم وأن يعرفوا أن النقل هو عملية واحدة مترابطة، وليس لهم سوى تحمل نتائج ما نقلوه من قبل، ويرجع الفضل للمصريين بوضع مسألة النقل على طاولة الجدل بين الناقلين في المغرب، وأعني خاصة نقل حزب الإخوان المسلمين من منبعه المصري.