أقال العسكريون الرئيس المصري محمد مرسي، وعينوا خلفا له وهو القاضي عدلي منصور، وهو أحد قضاة المحكمة الدستورية عينه بها حسني مبارك سنة1992 وأحد المستشارين القانونيين للسعودية 1983-1990 حيث لا يوجد دستور ولا برلمان، هي عملية سياسية تراعي سلفية السعودية ودول الخليج، تدور بين ثلاثة أطراف هي السلطة العسكرية، والسلطة القضائية، وجماهير الشعب المعتصمة بالشوارع، وفي غياب تام للسلطة التشريعية، وكانت العادة في سابق التغييرات الرئاسية في مصر أن يتولى العسكريون بأنفسهم رئاسة الجمهورية مند قيامهم بانقلاب ضد الملك فاروق سنة1952،بدأو بالمشير محمد نجيب ثم جمال عبد الناصر ثم أنور السادات ثم حسني مبارك وأخيرا المشير حسين طنطاوي، وهم خمسة ضباط عسكريون من جيش الملك المخلوع. ويعتبر محمد مرسي أول رئيس مدني لجمهورية مصر بعد إلغاء النظام الملكي، أي مند حوالي 61 سنة، وله السبق التاريخي والفضل في التجربة المدنية الجديدة، مهما كانت الانتقادات الموجهة إليه، والعسكريون بمصر لهم مؤسسة دينية تاريخية يرأسها الشيخ احمد الطيب حاليا، هي الأزهر بالنسبة للإسلام السني المصري، وبابا الأقباط بالنسبة للمسيحية الأرثوذوكسية المصرية، وهو حاليا البابا 2TAWADROS تم تزكيتهما كالعادة لجميع الرؤساء العسكريين السابقين باسم الديانة الرسمية، ليعوضوا بالأزهر حزب الإخوان المسلمين، واستعادة دور الأقباط الذي كان لهم في حكم مصر مند سقوط الملك فاروق لكن ميزة الرئيس المؤقت هي كونه ثاني رئيس مدني، وينتمي إلى سلك القضاة الدستوريين مما يفيد أن هناك علاقة وطيدة بين الجيش وهذا القاضي الذي عينه محمد مرسي كرئيس للمحكمة الدستورية العليا في شهر مايو سنة 2013 وكأنها لعبة الأقدار وما سماه الفيلسوف الألماني هيجل ب"مكر التاريخ" ليتسلم منه رئاسة الدولة ويجمعها مع رئاسة المحكمة الدستورية العليا في دولة أُلغي دستورها، أي أنها محكمة دستورية بدون وجود دستور بعد أن أبطل العسكريون الدستور وحولوا رئيس المحكمة إلى مشرع يعوض السلطة التشريعية، وخولوه حق إصدار النصوص الدستورية إلى حين نهاية المرحلة المؤقتة، وهي حالة عطب لحقت السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان وامتد مفعولها إلى السلطة القضائية والتنفيذية. هذه حالة السلطات في مصر، تتحكم فيها سلطة قوية لاتصنف لدى علماء القانون ضمن السلطات الثلاثة التي يدرسها طلبة القانون الدستوري المنقول عن الأوروبيين، وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، والرابعة المقصودة هي السلطة العسكرية وهي تجربة مصرية نشأت سنة2011 عندما عارض الجيش هجوم شرطة حسني مبارك على المتظاهرين، والمعتصمين وصار تفاعل ايجابي بين الجيش والثوار المدنيين كما صار الجيش مؤيدا للثورة الشبابية، وظهر أن الجيش تخلى عن مكاسبه التاريخية التي ورثها عن إسقاط النظام الملكي وتعويضه بتوارث ضباط الانقلاب لرئاسة الدولة، وصارت ساحة الحرية المشهورة بالقاهرة هي ملتقى السلطة العسكرية وثورة المدنيين،هذه تعتصم وتحتج، وتلك تحميها، وهذه سياسة الفراعنة الجدد، ربما لا تنطبق عليها معايير الفكر الدستوري لعصر النهضة الأوروبية، بل نهضة مصر سنة2011، ولا ينطبق عليها مفهوم "الانقلاب العسكري" الذي نظمه العسكر المصري ضد الملكية، لأن الانقلاب العسكري هو طبخة عسكرية سرية تدبر بين مجموعة من الضباط، لا تسبقه حركة شعبية كبرى تسمى في مصر مثلا "حركة تمرد " وهي حركة سياسية سلمية ثورية جماهيرية تطالب باستقالة الرئيس مرسي وأيدها الجيش وعمل على تنفيذ مطلبها، ولعب فيها القضاة الدستوريون أيضا دورا ايجابيا عندما قبلوا أن يؤدي الرئيس الموقت اليمين الدستورية أمامهم، وكان حزب الإخوان المسلمين جزءا من الدين قاموا باقالة الضابط حسني مبارك، وكان شكليا رئيسا منتخبا ويحميه الدستور، ولم تنفعه انتخابات ولا دستور بقطع النظر عن سوء الانتخابات التي ربحها، ونوعية الدستور والعيوب التي تشوبه.. وهي تجربة قبلوها ضد غيرهم وجاء دورهم فيها، ولا يمكنهم مواجهة الجيش والقضاء في آن واحد مع مواجهة معتصمي ساحة الحرية. ومصطلح "سياسة الفراعنة الجدد" يميزه التجاوب المباشر بين القضاء والقوات المسلحة وتجمعات الجماهير الشعبية التي تصل إلى أعداد تعد بالملايين لايحتاج معها الشعب إلى التسلح والكفاح المسلح، كما يقع في سوريا بل يكفي إقناع الشعب بفعالية الاعتصام بالساحات العمومية بكثرة، وتقديم مطالب التغيير المقصود وإقناع الجيش باستعمال سلاح الدفاع الوطني المملوك لعموم الشعب وبواسطة القوات المسلحة نفسها للاستغناء عن مخاطر تسلح عموم الجماهير ودخولها في حروب بدائية قد تتحول إلى فوضى وهمجية..وقد نتجت حالة التغيير الحالي سنة2013 في مصر عن نوعين من العطب السياسي يرتكز على جانبين هما العطب البرلماني والعطب الحزبي، ولايتسع المجال هنا لدراسة الأعطاب الحزبية في مصر، ولا الأعطاب البرلمانية، ولكن المهم هو أن ندرك أن نفس الأعطاب تصيب البرلمان المغربي وأحزابه، فلم يتمكن المغرب المخزني من استيعاب مطالب الشباب في النظامين البرلماني والحزبي، وتعتبر "سياسة الفراعنة الجدد" كما شرحناها ممكنة عند ما تستمر السياسة المخزنية على وتيرتها الحالية التي تتميز بعدم رضا القضاة وتقلص دور الشعب في تسيير الشأن العام وانهيار دور الأحزاب والنقابات ،واحتمالات تجمع الجماهير في الساحات العمومية بالملايين....