حميد مهدوي وعبد الرحمن دادوي - اعتبرت حركة "التوحيد والإصلاح" قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، القاضي بإغلاق دور القرآن بمراكش، "خرقا دستوريا" في وقت صرح فيه وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، ليومية "أخبار اليوم" في عددها ليوم الأربعاء 3 يوليوز، بأنه "فوجئ بقرار الإغلاق" قبل أن يقول" لا يسعني إلا أن أعبر رفضي القاطع لصدوره، لما فيه من تضييق على الناس بغير وجه حق، ومس بحرياتهم بغير سبب معقول"، بينما اعتبر وزير الأوقاف أحمد التوفيق القرار سليما وبأنه يدخل في صلاحيات الوزارة، في حين نأى مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة إلى جانب ادريس الأزمي، الوزير المكلف بالميزانية، بنفسيهما عن الخوض في الموضوع بعد أن لجأ إليهما عدد من البرلمانيين عن حزب "العدالة والتنمية"، بدعوى أن هذه القضية ليست من صلاحيات الحكومة وأنها تدخل في باب إمارة المؤمنين. وتفتح هذه التصريحات الباب على مصراعيه لسؤالين مشروعين: هل فعلا خرق التوفيق بقراره الدستور؟ ثم ما صحة ما ذهب إليه الخلفي والأزمي من أن الحكومة غير مسؤولة عن القرار وأن الأمر يدخل في باب "إمارة المؤمنين؟ وإذا جاز التسليم بموقف حركة "التوحيد والإصلاح" من أن قرار الإغلاق "خرق دستوري" وجاز التسليم برد الخلفي والأزمي من أن هذا القرار يدخل في نفوذ إمارة المؤمنين، فهل يتيح الدستور والقانون تصحيح هذا "الخرق الدستوري"؟ وهل يمكن معاجلة هذا الخرق إذا كان "المتهم" بمرتكبه وفقا للخلفي والأزمي، خارج دائرة الحساب، مادام عدد من الفقهاء القانونيين يعتبرون إمارة المؤمنين "سلطة دينية" وليست سلطة إدارية، تعلو على باقي السلط الأخرى مادام القضاة وفقا للقاعدة الفقهية التي تقول "القضاء من وظائف الإمامة"، هم مجرد نواب عن الأمير يحكمون باسمه، علاوة على أن هذا الأمير له سلطة أخرى تسمى "سلطة العفو" التي بواسطتها قد يبطل أي قرار قضائي؟. دولة داخل دولة ظلت وزارة الأوقاف على مر التاريخ السياسي المغربي تحت نفوذ القصر، وظل هذا الأمر محسوما سلفا بين الملوك العلويين وباقي شركائهم أو خصومهم السياسيين داخل اللعبة السياسية. ويرى عدد من المحللين أن الملك قد يضحي بأي وزارة إذا اضطر إلى ذلك باستثناء وزارة الأوقاف لارتباطها بحقل له حساسية مفرطة وهو الحقل الديني أو ما يصطلح عليه بالأمن الروحي للمغاربة، ووفقا لنفس المصادر فإن إمارة المؤمنين تبقى الورقة الرابحة والأخيرة للملك لإشهارها في وجه كل من يسعى لإخضاعه للمساءلة والمحاسبة. ويحفل التاريخ السياسي المغربي بمحطات أشهر فيها الملك هذه الورقة خاصة في القضية الشهيرة المعروفة بقضية"مزرعة عبد العزيز"، حين دخل الملك الراحل الحسن الثاني في نزاع قضائي مع مواطن يدعى عبد العزيز، فحار القضاة في الحسم في الموضوع لأنهم وجودا انفسهم فقط نوابا للطرف المدعى عليه وهو الملك، فنصح محللون عبد العزيز بالالتجاء إلى الملك وطلب العفو باعتباره الطريق الوحيد السالك نحو استرداد حقوقه. فإمارة المؤمنين وفقا لمجموعة من المحللين ليست سلطة إدارية يمكن أن تخضع للمسائلة والمحاسبة بل هي سلطة فوق السلطة أو كما يقول بعض الفقهاء القانونيين أمير المؤمنين "أب السلط". تصريحات متضاربة فتصريح الخلفي بأن قضية الإغلاق تدخل ضمن صلاحيات إمارة المؤمنين يمكن فهمه لكون مجال الحقل الديني هو بمقتضى الدستور من اختصاصات المؤسسة الملكية وفقا للفصل 41 من الدستور الذي يقول:"الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية". وبناءا على هذا الفصل فالملك هو صاحب القرار في الحسم في كل الشؤون المتعلقة الشؤون الدينية وبالتالي فلا يمكن مسألة المؤسسة الملكية عن أي تغيير تحدثه أو تقترحه في كل ما يتعلق بتسيير مجال الممارسة الدينية في المغرب من تعيين للأئمة وعزلهم وخطب الجمعة وفتح أو إغلاق دور القرآن وكل ما يتعلق بهذا الجانب. مدونة الحريات العامة وقانون التعليم العتيق؟ بينما يجد موقف من يعتبرون قرار الإغلاق غير دستوري ضالتهم في الفصل 12 من الدستور المخصص للحديث عن تأسيس الجمعيات ونطاق اشتغالها وطريقة حلها حيث يؤكد الفصل على أن:" تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون". ودار القرآن التابعة للشيخ المغرواي تدخل في إطار جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل وفق ظهير الحريات العامة لسنة 1958 ولا يوجد ما ينفي اشتغالهم طبقا للمقتضيات القانونية بل أكثر من ذلك كلنا نتذكر موقف الشيخ عبد الرحمان المغرواي الذي دعا في بيان نشر على موقعه في 21 يونيو 2011 والذي دعا فيه صراحة إلى التصويت بنعم على الدستور الجديد كما ثمن ما تضمنه نص الدستور من تعزيز صريح لمكانة الدين الإسلامي في الهوية المغربية بكل مكوناتها وجعل المرجعية الإسلامية حاكمة على كل المقتضيات الدستورية والقانونية. كما أن المغراوي اختار منذ الأول الاشتغال طبقا لمدونة الحريات العامة التي تختلف عن قانون التعليم العتيق لكون هذا الأخير يستهدف شريحة معينة من المجتمع المغربي لم تكمل دراستها بالمدرسة العمومية وحاملة لكتاب الله لتتابع الدراسة في أقسام التعليم العتيق الذي يجمع بين المنهج المعتمد في المدارس العمومية، بينما دور القرآن والجمعيات المشتغلة في نفس الإطار والمنتشرة في كل المدن والقرى المغربية، تستهدف النساء والرجال من كل الأعمار وتعد برنامج يراعي الإلتزمات العملية والمنزلية للمستفيدين لذلك يصعب يصرح مدير مدرسة عتيقة بمدينة الرباط على هذه الجمعيات أن تطبق قانون التعليم العتيق. وبالرجوع إلى الدستور فوزارة الأوقاف لا يمكنها أن تقوم بإصدار قرار الإغلاق إلا بمقتضى مقرر قضائي كما ينص على ذلك الفصل 12:" لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي." وقد أثارت تصريحات مصطفى الرميد وزير العدل والحريات والمسؤول عن تطبيق واحترام القانون استغراب العديد من المتتبعين حيث عبر عن معارضته لهذا القرار باعتباره "مسا بحريات الناس بغير وجه حق" الذي اتخذه وزير من الحكومة التي يسييرها العدالة والتنمية التي حمل عبد العالي حامي الدين رئيسها عبد الإله بنكيران مسؤوليته أمام الله وأمام الوطن وأمام الملك تجاه هذا القرار السياسي. رئيس الحكومة أم القصر؟ كما يطرح اتخاذ القرار من طرف وزير ضمن حكومة إسلامية يقودها حزب العدالة والتنمية نقاشا سياسيا ودستوريا فمن ناحية كيف يتخذ وزير الأوقاف أحمد توفيق قرار الإغلاق دون الرجوع ولا حتى إخبار رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران ولا باقي الوزارء الأخرين علما بأن ربط الخلفي لقرار الإغلاق يجد ما ينفيه في الدستور المغربي. حيث ينص الفصل 89 من الدستور على أن وزير الأوقاف كباقي الوزارء يعملون تحت سلطة رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران: "تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين.والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية." وهو ما يؤكده الفصل 93 من الدستور الذي يصرح: " الوزراء مسئولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي." وفي الفقرة الثانية من نفس الفصل "يقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك."وبالتالي فرئيس الحكومة بناءا على هذه المعطيات هو من يتحمل مسؤولية قرار وزير الأوقاف ويجب عليه محاسبته. أما حمولة القرار من الناحية السياسية فتتجلى فما أكده عبد العالي حامي الدين من كون القرار يدخل في سياسية "الضرب تحت الحزام" وهي " محاولات مكشوفة لإفشال (حزب العدالة والتنمية) في مسيرته الإصلاحية" وتسأل " هل تريد جهات المحافظة والجمود أن تدفع الناس إلى الاعتقاد بأن هذا القرار اتخذ في عهد هذه الحكومة الملتحية إمعانا في الإذلال". بنفس النبرة تكلم الهيلالي النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح القريبة من العدالة والتنمية عن مخطط إسئصالي من وراء اتخاذ القرار من خارج الحكومة كما وصف قرار الإغلاق "الممارسة البائدة خارج التأطير الدستوري ومنافية لحقوق الإنسان والحريات العامة"، وأضاف "جدير بالتوفيق أو من يصدر الأوامر باسمه إذا لديه أدلة أن يلجا إلى القضاء ويثبت مزاعمه وإلا فإن هذه الممارسة تعود إلى زمن التحكم وزمن ما قبل الإصلاح". قرار إغلاق دار القرآن التابعة لعبد الرحمان المغراوي في مراكش أثار عدة نقط حساسة ونقاشا دستوريا مهما حول إعادة هيكلة الحقل الديني ودعم الحركات الصوفية على حساب تهميش مكونات التيار الإسلامي الأخرى خصوصا السلفية منها وموقع الأضرحة والزوايا في السياسة الدينية في المغرب وماهي حدود مسؤولية كل من المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة؟