شكل حدث مصادقة الحكومة على مشروع قانون 13/02 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية من يوم الخميس 6 يونيو 2013أي قبيل موعد الامتحانات الإشهادية والجامعية بقليل. حديث العام والخاص لما رافقه من نقاش داخل الأسر وفي صفوف التلاميذ ورجال ونساء التعليم ، ذلك أن استصدار قانون متعلق بمحاربة الغش في حد ذاته يعد رجة في بركة ظل ماؤها آسنا منذ 1958 . بعدما أجمع القاصي والداني على أن الجسد التعليمي في بلادنا جسد مريض منخور منهوك يعاني أمراضا مزمنة منذ الاستقلال ..بل أدخله البعض غرفة الإنعاش والعناية المركزة ، أما المتشائمون فقد صلوا عليه صلوات الجنازة ، ومع ذلك فلا زال في المغرب من يتعلق بخيط الأمل مهما كان دقيقا وواهيا.... إن المتأمل في الترسانة القانونية التي راكمها المغرب فيما يتعلق بمحاربة الغش والخداع في الامتحانات يلاحظ وجود عدد من النصوص يبقى أهمها الظهير الشريف رقم 1.58.060 بشأن زجر الخداع في الامتحانات والمباريات العمومية ، إضافة إلى بعض المذكرات الوزارية كالمذكرة رقم 116 بتاريخ 16 غشت 1989. والمذكرة الوزارية رقم 3/99 بتاريخ 8 مارس 1988 وما يتوصل به السادة الأساتذة من مذكرات توجيهة خاصة بالأساتذة المكلفين بمراقبة التلاميذ أثناء إجراء الامتحانات. إضافة إلى بعض بنود بالقانون الجنائي لردع الغش ... وهي قوانين يعتبر ظهير 58 إطارها المرجعي ... لذلك رافقت مصادقة الحكومة على القانون الجديد حملة إعلامية جعلت التلاميذ والآباء يعتقدون أن ظروف إجراء امتحانات الباكالوريا هذه السنة ستكون استثنائية ، بل لقد خلقت تلك الضجة الإعلامية هولا وخوفا عند الأسر بنفس القدر الذي خلقت استنفارا في صفوف رجال الأمن بعدما لم يروج إعلاميا إلا لجوانب العقوبات والاحتياطات ،وعلى الرغم من كون هذا القانون الجديد يضم ثلاثة أبواب وإثنى عشر فصلا تحوي تعريف الغش حالاته أنواعه والوسائل المستعملة فيه إضافة إلى العقوبات والإجراءات التأديبية وبعض المقتضيات المتعلقة بإمكانية الطعن في قرارات اللجن التأديبية ...فنحن لن نناقش في هذا المقال تلك الأبواب والبنود ، ولن نقف عند المقارنة بين مقتضيات هذا القانون وظهير 58 ..ولا عند العقوبات والإجراءات ... كما لن نناقش تعريف الغش أنواعه وأساليبه وطرق الحد منها لأن هذه النقط ناقشناها في مقالات سابقة وقد نعود إلى بعضها في مقالات أخرى.. ولكن سنركز على سؤال واحد هو هل يصلح هذا القانون ما أفسده الدهر من خلال تعريف هذا القانون للغش ؟؟ عرف القانون الجديد الغش بأنه ((كل عملية لتزييف نتائج التقويم من خلال ممارسة المترشحة أو المترشح وكل أشكال التحايل والخداع في الامتحانات ...وذلك قصد الحصول على نتائج لاتعكس مستواه الدراسي والثقافي الحقيقي الذي يؤهله للنجاح في هذه الامتحانات)) يتضح إذن أن القانون جاء لمحاربة كل عملية لتزييف نتائج التقويم .. ونبد كل أشكال التحايل التي تنتج عنها نتائج لا تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ .. وإذا كان هذا هو ما يسعى القانون إلى محاربته ، فيجب على هذا القانون محاربة التعليم الحالي برمته ، ومحاكمة كل الفاعلين فيه من الأساتدة والإداريين والتلاميذ ... كما ولا ينبغي قصره على امتحانات الباكالوريا والجامعية فقط ... ذلك أن النجاح في المستويات الدراسية كلها لم تعد تتحكم فيه نتائج التقويم ومستوى التلميذ، وإنما تتحكم فيه الخريطة المدرسية والعوامل الذاتية ، التي تجعل التلاميذ ينتقلون من صف إلى آخر وإن كانوا حاصلين على معدلات جد ضعيفة .. وتتعدد أشكال التحايل والخداع التي تجعل التلميذ يحصل على نتائج لا تعكس مستواه وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم وتجعل هذا القانون مجبرا على التصدي له وإلا ظل قانونا صوريا : الجميع يقر أن نقط المراقبة المستمرة لا تعكس مستوى التلاميذ ، ففي الوقت الذي يجمع كل الفاعلين التربويين على ضعف مستوى غالبية التلاميذ ، يفاجأ الكل بحصول معظمهم على معدلات ونقط جد عالية والدليل على ذلك هو كون الأغلبية الساحقة من التلاميذ المرشحون للباكالوريا حاصلين على معدلات مستحسنة أو حسنة في المراقبة المستمرة حتى أولئك الذين قلما ولجوا الفصل الدراسي.. أليس هذا تحايلا وتزييفا لمستوى التلاميد ؟ كما أن الساعات الإضافية والتعليم الخصوصي مظهر من مظاهر تزييف المستوى الحقيقي للتلاميذ ، فأكاد أجزم أن جميع تلاميذ التعليم الخصوصي بالمغرب والتلاميذ الذين يحظرون حصص الدعم المؤدى عنها عند ألأساتذة الذين يدرسونهم في القسم لهم نقط جد مرتفعة ... أليس ذلك نوع آخر من التحايل الذي يجعل المعدلات لا تعكس المستوى الحقيقي للتلميذ ؟؟؟؟ وبما أن الجهات المسؤولة عن التقويم على الصعيد الوطني تصدر مع نهاية كل موسم ترتيبا للمؤسسات حسب النتائج فإن أطقم معظم المؤسسات التربوية تطمح لأن تكون مصنفة ضمن المؤسسات الأولى وهذا يدفع بعضها ( خاصة على مستوى الشهادة الابتدائية ) إلى نوع من التساهل في المراقبة بل كثيرا ما نسمع حكايات عن إملاء الأجوبة على التلاميذ في امتحان هذه الشهادة ... وعلى مستوى السنة الثالثة ثانوي إعدادي يتم النجاح دون مراعاة مستوى التلاميذ و معدلاتهم ما دام المعيار الوحيد المحدد للنجاح هو الخريطة المدرسية والنسبة المحدد سلفا :فالنسبة هي هي في كل إعدادية حتى وإن حصل كل تلاميذ أعدادية ما على المعدل ، ولم يحصل أي واحد على المعدل في إعدادية أخرى تنجح نفس النسبة فيهما وهذا ما يفسر نجاح تلميذ في مؤسسة بمعدل دون المعدل وسقوط آخر في إعدادية أخرى بمعدل فوق المعدل ..... أشكال تزييف نتائج التقويم ، وطرق التحايل ، ومظاهر عدم عكس النتائج لمستوى التلاميذ كثيرة ومتنوعة في تعليما ، مما جعله تعليما ينمي الغش ويزكيه ولن يكون القانون الجديد قادرا على اجتثاث جذوره ، فمن غير المنطقي أن يعيش التلميذ في مجتمع تغلغل الغش في مختلف مجالاته من البيع والشراء ، والعلاقات اليومية ، والانتخابات ويقضي معظم حياته الدراسية يتفاعل مع الغش في الساعات الإضافية ونفخ النقط والمعدلات وعندما يصل الباكالوريا نقول له سنحاسبك بقانون جديد يمنع الغش ... لن يجد كل ذي لب إلا أن يستعير من أمير الشعراء ويقول : لن يصلح قانون جديد ما أفسده الدهر !!!