تحركت ال0لة الإعلامية الناطقة باسم الغرب الأطلسي و تلك التابعة لها في بعض دول العالم النامي في قرع طبول الحرب الوشيكة بين روسياوأوكرانيا . فبدأ منظرو هذه القنوات المتأثرين بسرديات المخابرات الأمريكية والإنجليزية بإطلاق العنان لخيالهم حول ما اعتبروه قرب لحظة الصفر لبداية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية التي حددوها بالتزامن مع الألعاب الأولمبية في الصين، بل هناك من ذهب إلى تحديد تاريخ الغزو في يوم 14 من الشهر الجاري، مستندين في ذلك إلى مجموع الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية التي اتخذتها دول حلف الناتو و أمريكا ابتداء من الضخ حد التخمة لما اسموه بالمساعدات العسكرية للجيش الأوكراني والمليشيات المحلية، التي تم تشكيلها على خلفية هذه الازمة، وذلك حتى تتمكن أوكرانيا، حسب زعمهم، من مقاومة الغزو الروسي الوشيك وذلك بموازاة حشد مختلف قوات الناتو في دول أوربا الشرقية المجاورة لروسيا وانتهاء بإجلاء بعثاتها الدبلوماسية ومطالبة مواطنيها بمغادرة أوكرانيا وعدم السفر إليها، وهو ما حذت حذوه الدول التابعة للحلف الغربي الأطلسي . أمام هذا التصعيد الغير المسبوق في علاقة الناتو بروسيا الاتحادية الذي تريد قنوات الصرف الصحي الغربي والتابعة له إظهاره كنزاع محصور في منطقة جغرافية محددة بين الدولة الروسية "الديكتاتورية" التي أبانت عن أطماعها التوسعية، حسب هذه القنوات دائما، وبين أوكرانيا البلد "الديموقراطي" الذي يدافع عن نفسه وعن اختياراته" الديمقراطية " . هذا في الوقت الذي يعلم فيه أي مهتم موضوعي بالعلاقات الدولية، أن هذا الصراع هو صراع استراتيجي يفيض على المنطقة، ونتائجه هي من سيحدد المعالم الرئيسية للنظام العالمي الجديد، خاصة وأن هذا الصراع يتحدد ضمن أحلاف تتراوح بين ما هو تقليدي موروث عن مرحلة الحرب الباردة كالحلف الأطلسي الغربي وحلف حديث التشكل يضم بالإضافة إلى روسيا كل من الصين ودول أخرى مقاومة للهيمنة الأمريكية. كما أن هذا التصعيد الهستيري للغة الحرب من طرف أمريكا وحلفائها، رغم نفي موسكو البلد المعني مباشرة لأي نية لها في ذلك، ولم تنساق وراء حركاته التسخينية، بل على العكس من ذلك تماما استنكرت هذه التصريحات المغرضة مكتفية بتوجيه رسالة واضحة لأمريكا مفادها أن الأمن إما ان يكون جماعيا أو لا يكون، وأن الحرب في حال اندلاعها يعد مغامرة إستفزازية أمريكية عبر بعض وكلائها في أوكرانيا، وتداعياتها ستطال الجميع. إذن أمام التشدد الأنغلوساكسوني بقيادة أمريكا والرسالة الواضحة لروسيا الاتحادية وخلفها الحليف الصيني، وأمام الغياب المطلق للمؤسسة الأممية التي تبدو عاجزة عن القيام بمهامها وبأي دور من أجل حفظ الأمن والسلم الدوليين، كما هو منصوص عليه في ميثاقها المؤسس، وأمام الغموض الذي يلف التوقيت المحدد لبداية الغزو الروسي لأوكرانيا التي تعيش حالة من الترقب والهلع الشعبي، دفعت بالرئيس الأوكراني إلى استنكار هذه الحملة الاعلامية التي أحدثت ضررا كبيرا بالاستقرار الداخلي لبلده، مطالبا الغرب بتقديم الأدلة القاطعة عن الغزو إن كانت تتوفر لديهم. يمكن القول في الشق المتعلق بأوكرانيا أن أمريكا و إدارتها الحالية دخلت مرحلة الضغط القصوى على روسيا من أجل الحصول على بعض التنازلات لحفظ ماء وجهها أمام الشعب الأمريكي والعالم وأمام حلفائها، خاصة بعد كل ما استثمرته من إمكانيات مالية وعسكرية وإعلامية في هذا الصراع الذي يعد استراتيجيا في أهدافه رغم المحاولات الأمريكية التي تسعى إلى إظهاره بمظهر النزاع المحلي بين دولة معتدية وأخرى معتدى عليها، وذلك بعد أن فشلت في تطويع الدب الروسي الذي يمتلك قدرات هائلة في منظومة الردع الدفاعي والهجومي. ومن أجل فهم ما يروج حول التوقيت الزمني لبدء الغزو الروسي، يمكن القول أن المبادر إلى إعلان الحرب هو من يحدد عادة وقت بدئها، حسب الاستراتيجيات العسكرية، ويبقى السيناريو الأقرب، استحضارا لعواقب الحرب المدمرة، وهو أمر تدركه أمريكا جيدا، أن تقوم هذه الأخيرة بتوريط بعض وكلائها في أوكرانيا إلى شن هجمات استفزازية في وجه القوات الروسية المرابضة على الحدود، أو على منطقة الدونباس أو القرم، خاصة بعد التحذير الروسي الواضح في هذا المجال، وهو ما يمكن أن يجعل من هذا السيناريو مغامرة أمريكية باهظة التكلفة وتشكل تهديدا مبايشرا للأمن والسلم الدوليين. كما يمكن القول كذلك في الشق المتعلق بالصراع الاستراتيجي الدولي الذي بدأت حلقاته الأولى مع الأزمة السورية التي دشنت بداية مرحلة جديدة في العلاقات الدولية المقاومة للهيمنة المطلقة لأمريكا على العالم، ببروز تكتل صاعد بقوة على المسرح الدولي يتكون عموده الفقري من روسياوالصين كقوتين عالميتين و إيران كقوة إقليمية مهمة، قد بدأ في صياغة 0خر حلقاته الأزمة الأوكرانية الحالية التي أرادتها أمريكا فخا لاصطياد روسيا، وذلك بإظهارها بمظهر الدولة التوسعية والمارقة، والتي تبين أنها هي التي وقعت ضحية الفخ الذي نصبته، خاصة مع ما أبدته روسيا من قدرة هائلة على المناورة الدبلوماسية مع الثبات على الموقف والاستعداد للخيار الأسوأ كما كان الشأن مع ازمة الصواريخ الكوبية، مع التشبث بمطلبها القاضي بصياغة المفهوم الجديد للأمن الجماعي الذي لا يقبل التجزئة، بما يعنيه هذا المفهوم من ضرورة للحوار والتفاوض حول خارطة نظام عالمي جديد يعيد الاعتبار للمؤسسات الأممية والقانون الدولي.