يبدو أن مجموعة من الإعلاميين وبعض المحسوبين على الأحزاب لا زالوا يعيشون في صحراء قاحلة تبعد عن واقع الحال كما بين الحياة والموت.حينما قرأت قرار إنسحاب الاستقلال عن الحكومة تساءلت وما الذي دفعهم إلى هذا القرار وحملهم عليه؟ وهم ولا الحكومة نفسها التي ينتسبون إليها في شبه إنسحاب مند أمد طويل. وقلت في نفسي سيغوص الإعلام بتلاوينه لمناقشة هده القضية من كل جوانبها الفسيفسائية، إلا الحديث عن مصدر الحقيقة الساطعة ، هو أن الحكومة وأخوها البرلمان إنما هم مجرد خدام للمخزن ولا يملكون نفعا وإنما ضرا للشعب ولأنفسهم. يتحدث المتحدثون في الإعلام عن هذه القضية الساخنة في نظرهم ويخلقون مجموعة من السناريوهات منها ما هو إيجابي ومنها ما سلبي وراء القرار. ويِؤكدون في شبه إجماع على أن هذا الفعل سيُغير من المشهد السياسي، وقد يؤثر على أداء الحكومة وعلى المسار الديمقراطي للبلاد، وكأن البلاد في مسار ديمقراطي حقا. قد يقول معترض: وهم كثير، ما بالك متشائم إلى هذا الحد وتتحامل على هده الحكومة بقولك أنها لا تملك شيئا من أمرها. لم أعد أصدق ما يقوله هؤلاء المحللون، لأنهم ببساطة يتحدثون عن القشور ويغفلون عن قصد أو غير قصد عن لب المشكل كلما طفت على سطح الأخبار أمر سياسي أو مشكل اجتماعي انضاف إلى المشاكل التي نتخبط فيها كشعب مقهور إذا جاز لي القول فأنا متشائم من الحكومة سواء في ظل إنسحاب بعض الأطراف المشاركة أو بقائهم فيها. نعم قد يؤثر هذا على رزق بعضهم البعض واستفادة بعضهم البعض. أما الشعب فإنه في صحرائه كما قال الملك الراحل الحسن الثاني ، إلا أن يتم الصلح مع المجتمع وإشراكه الفعلي في الحكم لا في خدمة الحكام. فأمر هذه القضية لها وجهان يمكن وضعهما كتفسير عما يجري في الكواليس ، بدون نسيان أنها لا علاقة لها لا بمصير المغاربة ولا بتنمية البلاد. التفسير الأول هو أن حزب الاستقلال تعَود منذ زمن بعيد على الرضاعة من ثدي المخزن مباشرة، فلم يهدأ له بال حين أصبح يرضع من وراء حزب العدالة والتنمية، فاظهر عدم رضاه في مجموعة من المناسبات ، وكأنه يقول نحن أحق الناس منكم ، وأنتم لم توتوا سعة من علم السياسة و "التشلهيب" على الشعب. أرادوا بهذا القرار أن يبينوا للشعب على أنهم ليسوا راضين تماما بأداء الحكومة رغم كثرة نصائحهم لها، فالآن حان وقت إظهار الرجولة والخروج نهائيا منها لتصحيح المسار والإستعداد للإنتخابات القادمة ليتربعوا على رأس الحكومة. وهذا كله لا يتم ولن يتم إلا بهواتف رنّت من فوق الحزب لإعادة تشكيل خارطة الطريق في المشهد المسرحي للسياسة في بلدنا، ونبدأ التفكير في كيفية تفعيل بعض الخطط الجريئة والأكثر ضراوة من التي ترعاها العدالة والتنمية تحت يافطة الرجوع خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام، لكن للأسف أن العدالة والتنمية رجعت خطوة إلى الوراء فما زالت في وضعها، بينما قطار التنمية لا زال متوقفا منذ سنوات طِوال. أما التفسير الثاني، هو مجرد فقاعة سياسوية من الفقاعات التي تتم بين الفينة والأخرى لإلهاء الشعب عن مشكلته الرئيسية ألا وهي تخلف المغرب عن الركب الحضاري عن جميع الأصعدة سياسيا إقتصاديا أخلاقيا رياضيا وإجتماعيا. فكان لا بد إذن من صناعة بعض الأحداث التي سيثار حولها النقاش طويلا فتسيل حولها الأقلام وتُنظم من أجلها البرامج فيَعُم الهرج واللغو. وكلما زاد النقاش حول القشور قل مثله حول اللب، وهكذا تمشي الأمور في لتبقى دار لقمان على حالها صيفا وشتاءً حتى تأتي بعض الأحداث غير المتوقعة فتنفخ الرماد والزبد، ويتجلى المشكل الحقيقي في البلاد، وينهض العاملون وفضلاء البلد لإنقاذ السفينة من الغرق.