ان العصر الحديث عصر العولمة و الليبرالية و سيطرة التقنية، يعيش أزمات رغم التطور الذي حققه في عدة مجالات و لكن بقي مشلولا في اخرى و خاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية، التي اصبحت في زمن الرأسمالية المتوحشة اكثر تأزما و توترا نظرا لكون الانسان اختار ان يكون عبدا لنزواته المراضية، التي افقدته شعوره الى ان اصبح يتحكم فيه اللاشعور - حاضر و لكن غائب في نفس الوقت - يعني يعيش سبات وجودي، وهناك بعض الدراسات في مجال علم النفس تؤكد ان حالة الجنون في المجتمعات الحديثة وخاصة العربية منها قد تفاقمت في العصر الحديث و السبب ان النظام الرأسمالي، الذي لم يأتي صدفة فرض على الانسان اشياء تنافي طبيعته. يتضح اذن ان النظام السائد الغير المتوازن الذي تسود فيه الفردانية والأنانية و الفوارق الاجتماعية فئة لا تجد ما تقتات و فئة تمارس سيادتها بعقليتها الاستهلاكية و بذخها المرضيين للتلذذ في تعذيب الغير الى ان خلقت فروق و تفككات على مستوى العلاقات الاجتماعية التي بها يبقى الانسان انسان. من هنا نطرح التساؤلات التالية. ألا يمكن الانسلاخ من الثقافة الامريكية التي تحاول تسليع وتشييء الكائن البشري ؟ ألا يمكن ان تكون البساطة التي كان يعيش عليها منقذ البشرية سلاحا للقضاء على هاته الظواهر ؟ اليست البساطة هي غنى من نوع اخر لا يتقنها إلا الحكماء والعقلاء ؟ ثم ما هي المعايير التي نقيس عليها الانسان كانسان ؟ ان اي مجتمع يبقى مجتمعا بعلاقاته الطيبة و احترامه للأخر و تضامنه معه ليس ان يكون الانسان نسخة واحدة ولكن ان يتواصل مع الاخر رغم اختلافه له، لكي تكون علاقاتنا الاجتماعية صادقة و خالية من كل الاطماع و المصالح الذاتية وفيها تقدير للأخر. والإنسان بطبيعته اجتماعي لا يمكنه الخروج من هذه الدائرة و هذا الجانب في علاقته الاجتماعية هو الذي يمكن ان يخرجه من وحشيته الى ادميته المبنية فطريا على التضامن و المساعدة و حب الأخر، ليس التباهي امامه لان هذا من بين الاسباب التي تدفع مجموعة من الافراد داخل المجتمع الى تبني افكار مضادة كالكره و الحقد اتجاه الاخرين لهذا من الافضل للإنسان ان يكون داخل مجتمعه متضامنا مع الاخرين الذين لولهم لما وجد، قالت جوليا كريستيفا ان الاخر مهما كان غريبا انه يسكننا على نحو غريب. لهذا يجب ان نتعايش في اطار علاقات طيبة مبنية على التراحم و التساكن و التماسك الاجتماعي اللذين من خلالهم يمكن الوقوف في وجه النظام الرأسمالي الاستلابي و الممنهج بمخططات صهيو-ماس-وأمريكية التي تحاول عن طريق عولمتها - الاستعمار الجديد - اكتساح كل دول المعمور للقضاء على الجذور الثقافية و الصفات الانسانية للمجتمعات، و هو ما يبدو واضحا في يومنا هذا، لان امريكا بمنظماتها السرية و نظامها الرأسمالي المتوحش اللذان تعتمد فيهما على استراتيجيات واتجاهات شيطانية، والتي تحاول من خلالهما اعطاء الالوية لإنسانها السامي حسب معتقداتها و تسليع بقية العالم لنشر ثقافتها الانفصامية، الهدامة والتخريبية التي استطعت من خلالها ان تغزو العالم الى ان جعلت من الانسان الحديث كائن غريب، تائه، فاقد لبوصلته ومجرد من ثقافته و هويته وأصله و متأزم على مستوى علاقاته الاجتماعية التي بها يحيا كانسان. اذن لماذا لا نثور ثقافيا وعلميا ضد هذا الاستغلال الممنهج و المبارك له من طرف مسؤولينا السياسيين، لان الحياة مبنية على العلم والعقل ليس على الخرافات و الدوغمائيات و انتظارات (كودو) كما يعتقد البعض. لان العلم هو السبيل الوحيد لتحرير الأمم العربية التي ينخرها الجهل و التخلف بسبب الهيمنة الامبريالية . انطلاقا مما سبق يمكن القول ان التغيير هو السبيل الوحيد و هذا ما تؤكده الصيرورة التاريخية كذلك، لخلق علاقات يسودها التآخي و التضامن و الحب ليعيش الافراد بعيدين عن الانانية و حب التملك المرضيين اللذان اذا استطعنا القضاء عليهما، سنعيش سعداء في اطار علاقات اجتماعية مبنية على الحب والتواصل واحترام الاخر.