يبدو من خلال الانطلاقة المتعثرة والمضطربة، أن حكومة أخنوش الثلاثية الأضلع تسير على غير هدى ولا تبشر بما كان مرجو منها. وربما لن يكتب لها إكمال المسار نحو بلوغ الأهداف التي سطرتها لنفسها، وترجمة ما تعهدت به من التزامات إلى حقائق ملموسة، بفعل ما يشوب أداءها من تخبط وارتباك، في وقت استبشر بها الكثير من المواطنات والمواطنين خيرا، يحذوهم الأمل الكبير في أن يتحقق في عهدها ما عجزت عنه الحكومتان السابقتان بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي أذاقهم المرارة من خلال قراراته الارتجالية الجائرة، التدبير السيء والإجهاز على أهم مكتسباتهم الاجتماعية. وأنها ستكون أيضا عند حسن ظن عاهل البلاد محمد السادس الذي وضع ثقته في أعضائها من أجل كسب رهان تنزيل النموذج التنموي الجديد وتعميم الحماية الاجتماعية… بيد أنه سرعان ما بدأ الشك يتسرب إلى النفوس العليلة حول مدى قدرتها على تحسين ظروف عيش المواطنين وجديتها في الاستجابة لانتظاراتهم. إذ أنها وفي خضم الغليان الشعبي المتنامي بسبب الارتفاع الصاروخي الرهيب في أسعار المحروقات والمواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، وتزايد أعداد العاطلين وتراجع مداخيل آلاف الأسر المغربية في ظل تفشي جائحة "كوفيد -19»، وقبل حتى أن تخبو نيران الغضب المتأججة في الصدور وتتوقف موجة الاحتجاجات المتصاعدة، التي أثارها القرار الحكومي المتسرع وغير المدروس بدقة وبعد نظر، القاضي بإجبارية "جواز التلقيح" في ولوج الإدارات العمومية وشبه العمومية والمؤسسات الخاصة وغيرها… ها هو شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة يشعل مواقع التواصل الاجتماعي وفتيل الاحتجاجات المنددة بقرار آخر أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه قرار أرعن وخارج السياق العام، ويتمثل في وضع شروط تعجيزية ومجحفة أمام آلاف الراغبين في الترشح لاجتياز مباريات توظيف الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية التي حدد لها موعد 11 دجنبر 2021، ولعل من بين الشروط الأكثر إثارة للجدل هو عدم تجاوز المرشح"ة" 30 سنة من عمره"ا"، والعودة إلى الانتقاء الأولي للملفات بناء على ضرورة الحصول على ميزات في البكالوريا وسنوات الإجازة الثلاث. وكانت هذه الشروط كافية في إثارة حفيظة فئات واسعة من حملة الشهادات الباحثين عن فرص شغل تضمن لهم العيش الكريم والاستقرار الوظيفي، واعتبر عدد من الملاحظين أن تحديد 30 سنة كحد أقصى ليس سوى نوعا من التضييق على مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في تعارض مع القانون وخاصة الفصل 31 من الدستور، الذي ينص على ضرورة دعم السلطات العمومية للمواطن في البحث عن منصب شغل، فضلا عن أن النظام الأساسي لأطر الأكاديميات وضع 40 سنة كحد أقصى للتوظيف. ألا يعلم وزير الداخلية الأسبق ورئيس لجنة إعداد النموذج التنموي، أنه في ظل انسداد الآفاق وقلة فرص الشغل أمام تلك الجيوش من خريجي الجامعات المعطلين، أمست مباريات ولوج أسلاك التعليم إحدى الفرصة النادرة التي يراهنون عليها كثيرا في انتشالهم من البطالة؟ لذلك لم يكن مفاجئا ما عبرت عنه عديد الفعاليات السياسية والنقابية والحقوقية من استياء ورفض للقرار الجائر، وخروج المئات من المعطلين صباح يوم السبت 20 نونبر 2021 للتنديد بتلك الشروط المجحفة أمام الأكاديميات الجهوية بعدد من المدن الكبرى، رافعين شعارات رافضة لها حتى في محيط مقر وزارة التربية الوطنية، داعين من خلالها إلى ضرورة التعجيل بالتراجع عن شرط السن وإلغائه، لاسيما أن القرار اتخذ دون تشاور مع النقابات المعنية والفاعلين التربويين، ولا يخدم سوى مصالح لوبي التعليم الخاص. وإن لا لم تم منع أطر وأساتذة التعليم الخصوصي من المشاركة في هذه المباريات، علما أنه لا يمنح العاملين فيه أي تحفيزات، تجعلهم في مأمن من تقلبات الحياة ونوائب الزمان؟ فما يحز في النفس كثيرا هو أن الرجل الذي توسم الناس فيه خيرا في التأسيس للدولة الاجتماعية، باعتباره مهندسا للنموذج التنموي الجديد الذي عرف بحنكته وخبرته، وما يتميز به من حس بالمسؤولية وروح المواطنة، هو ذات الشخص الذي أثار هذه الزوبعة من ردود الفعل المتذمرة في صفوف آلاف الشباب خريجي الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح وأسرهم. إذ يتساءل الكثيرون منهم وغيرهم من المهتمين بالشأن التربوي حول ما إذا كانت بعض المعايير من قبيل السن والنقط المحصل عليها في المسار الدراسي، هي المحدد الأساسي في تحديد قدرات ومؤهلات الأشخاص الراغبين في ولوج سلك التعليم؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، فلم كل هذا العناء المادي والتنظيمي في إجراء مباريات التوظيف؟ ثم أين نحن من دور المراكز الجهوية للتربية والتكوين والمدارس العليا للأساتذة في إعداد الأطر وتكوينها؟ إن اعتماد وزارة التربية الوطنية في بلاغها الصادر يوم الجمعة 19 نونبر 2021 سن الثلاثين من العمر كحد أقصى ضمن الشروط النظامية في قبول ملفات الترشح لاجتياز مباريات التوظيف بقطاع التعليم، يعد إقصاء ممنهجا لفئات عريضة من أبناء الشعب، وحرمانا غير مبرر لهم من الانخراط في مهنة التدريس. وهو فوق هذا وذاك مخالف لقيم المساواة وحقوق الإنسان ومبدأ تكافؤ الفرص، ولن يعمل سوى على مزيد من الإحباط والاحتقان، اللذين من شأنهما الدفع نحو تفجير الأوضاع. فهل والحالة هذه سيسارع رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى التراجع عن القرار وإنهاء الجدل الدائر حوله، والعمل على ضبط الأمور قبل فوات الأوان؟