"إنَّ السَّببَ الأساسي في اضطراب العالم راهنا،هو أنّ الأحمق واثق أكثرَ ممّا ينبغي،والعاقل يكتنفُه الشكّ" برتراند راسل. للأسف دائما نفوِّت فرصنا مع التاريخ،بحيث نترك سدى صيرورة الأبدي البنّاء لصالح هرج الفولكلوري العابر،نحتفي ببهرجة الزائف على حساب الجوهري،نتماهى مع الفئوي الضيق ضدا على رحابة العام؛الذي يشكل في نهاية المطاف شئنا أم أبينا،الخيط الناظم لسلامة المنظومة المجتمعية،والارتقاء ببقائها محصنة حيال اختراق جلِّ الفيروسات الفتاكة، مهما كان مصدرها،وكيفما جاء تجلي شراستها. قبل خوض معركة الطوارئ،نتيجة مباغتة ل"اللامتوقع"مما يستلزم في المقام الأول انتقالا نوعيا على مستوى آليات استراتجيات المواجهة،تلزم بداية امتلاك الحياة المجتمعية وجوديا لمرتكزات وروافد مؤسِّسَة غير قابلة بتاتا للمساومة أو التنازل،لأن كل مزايدة بخصوصها سيؤدي لامحالة عاجلا أم آجلا،إلى رجَّة عنيفة تخلخل قاعديا المؤسسة المدنية.بمعنى آخر،إن الثالوث المقدس المتمثل في عناصر :الإنسان/ الحرية/ العدالة.تظل في كل الأحوال،وارتباطا بمختلف السياقات،الإطار الدائم المهيكِلِ لباقي التفاصيل التي ستنطلق حتما من الثالوث وتنتهي بالمطلق عنده. شخصيا،استخلصت عبرتين منذ بداية سياق كورونا؛غاية صخب ولغط إلزامية التطعيم حسب تأويلات المدبِّر السياسي : الأولى،ضرورة تشكيل قطيعة بعيدة المدى مع التدبير السوسيو- اقتصادي القديم أو اللاطبيعي؛ولم يكن البتَّة طبيعيا مثلما يشاع،وقد استمرت أوبئة عدة تنخر كيانات الإنسان والحرية والعدالة،توطدت رويدا رويدا بالتزامن مع تمدد مخالب الليبرالية المتوحشة وهيمنتها على مختلف جوانب حياتنا،فكانت النتائج كارثية للغاية بدءا من تعضيد هيمنة الأوليغارشيات إلى البلوتوقراطية (حكم الأثرياء) فالتفاوت الطبقي المهول والمفجع بين الذين يملكون كل شيء وآخرين لايملكون سوى الوجع،وصولا إلى كوارث المناخ الحالية ثم المتوقعة؛فالأسوأ بات قريبا حسب تأكيدات المختصين الصادقين بهذا الخصوص،مرروا بمختلف ترسبات الاضطرابات السيكوباتية المتنامية يوما بعد يوم نتيجة الانغماس اللاعقلاني في سراب دوامة الاستهلاك العبثية،ثم الانقياد الأعمى وراء إغراءات لامتناهية للمنظومة الرقمية؛دون الحديث عن كوارث الحروب التقليدية وغيرها المفتعلة غالبا لتأبيد مصالح الأقلية على حساب التعايش بين الشعوب،وأخيرا وصول منسوب الآلام البشرية إلى مستويات قياسية... جراء كل ذلك،دوَّى صوت الوباء تأبينا للمنظومة السابقة إعلانا عن إفلاسها، واستباقا لما يجدر به التحقق، قصد الانتقال صوب عالم أكثر عدالة وطمأنينة؛كأنه يقول على لسان برتراند راسل: "لم نعد نرضى بأن أقلية يجب أن تستمتع بكل الطيبات بينما تعيش الكثرة حياة البؤس و الشقاء".من هنا دعوته الضمنية والصريحة إلى إعادة التفكير جديا ودون تردد في بناء المجتمعات وفق مرتكزات الإنسان،حرية الإنسان،ثم عدالة قضية الإنسان أولا وأخير. لكن للأسف،ماحدث ويحدث،أخطأ الوجهة الصحيحة المفضية إلى ضفة النجاة، حينما تجاذبت قميص كورونا مصالح القبائل،فتوارت القضية الأساسية كي يسود ثانية اللبس والتضليل والتعتيم؛من ثمة التمسك بذات المقدمات المترهِّلة. أما عن الإحالة الثانية،وأعتبرها مجرد استطراد يغني جانبيا تفاصيل الأولى ضمن مشروع مجتمع إنسانية الإنسان مثلما استشرفه حلول الوباء،وألح عليه إلحاحا،فتتعلق بأولوية تطعيم عقول الأفراد وقد تحقق بداية انتشالهم من تحت أنقاض الحياة اللاطبيعة،التي أفرزت مقدمات هذا الوباء.أقول،تقوية مناعة عقولهم بفلسفات العلم الحقيقة المشبعة بإبستمولوجيا البرهان والخطأ والانفتاح والنسبية والدحض والتقويم وتقويض مختلف أشكال الأحادية والدوغماطيقية،مما يدعو بالمطلق أيضا إلى بناء مجتمع ديمقراطي قوامه الحكمة والحرية،لأنه يظل حسب كل أدبيات الثقافات البشرية،التربة الخصبة والمدخل الضروري لتكريس ثوابت العلم. غير هذا المنحى،سنظل نراكم الأخطاء البدائية عينها بنفس الاستخفاف المتعجرف، فننتهي بالتأكيد عند أقدام مشاكل متداخلة والعويصة؛ثم بفظاعة أكبر،ولا أحد بوسعه آنذاك التحكم في شراسة العواقب.