قد يتساءل قراء كثر عن المقصود من رقم "3" الوارد في العنوان أعلاه، ودون أن نترك خيالهم يسافر بهم بعيدا، نشير إلى أنه ليس سوى ذلك الرقم الترتيبي للحكومات المتعاقبة بعد دستور 2011. إذ بعد شهر على تصدر حزبه نتائج تشريعيات الثامن من شتنبر 2021، وحوالي أسبوعين على كشف عزيز أخنوش رئيس الحكومة المعين في 10 شتنبر 2021 عن هوية تحالفه الحكومي الثلاثي، المشكل من إضافة إلى حزبه التجمع الوطني للأحرار ب"102″ مقعدا، حزب الأصالة والمعاصرة ب"86″ مقعدا وحزب الاستقلال ب"81″ مقعدا، أي بأغلبية 269 نائبا من أصل 395 عضوا بمجلس النواب. أنهى ملك البلاد محمد السادس مساء يوم الخميس 7 أكتوبر 2021 بمدينة فاس حالة التوجس والترقب التي عاشها المغاربة، ووضع حدا لكل التكهنات والتخمينات بترؤسه مراسم تعيين أعضاء الحكومة الجديدة. فهل حان الوقت ليتفاءل المغاربة خيرا بهذه الحكومة ويكون بمقدورها أن تبعث الأمل في المستقبل، بعد أن أذاقتهم المرارة حكومتا حزب العدالة والتنمية السابقتان، جراء سوء التدبير والقرارات الجائرة وسياسات التجويع، الإجهاز على أهم المكتسبات وإغراق البلاد في المديونية؟ إذ من خلال ما أثارته من ردود فعل أولية، نرى أن ميلادها خلف ارتياحا واسعا وانطباعات جيدة ليس فقط في أوساط المغاربة وحدهم، بل حتى لدى حكومات بعض البلدان الغربية وفي مقدمتها إسبانيا وفرنسا وغيرهما، لما تحمله في طياتها من مؤشرات إيجابية وتتوفر عليه من مقومات النجاح. فهي تتميز بتقلص عدد أعضائها إلى 25 وزيرا بمن فيهم رئيس الحكومة. عشرون وزيرا وأربعة وزراء منتدبون، مما سيساهم لا محالة في تحقيق الفعالية والنجاعة والالتقائية بين مختلف القطاعات الحكومية. وفضلا عن احتفاظها بوزراء السيادة في الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية والأمانة العامة للحكومة، الذين أبانوا عن قدرات هائلة في التسيير والتدبير، وإسناد منصبين وزاريين لقائدي حزبي "الجرار" عبد اللطيف وهبي (وزارة العدل) و"الميزان" نزار بركة (وزارة التجهيز والماء)، تم احترام مبدأ المناصفة بتعيين سبع نساء في قطاعات وزارية وازنة. وكذا انتقاء ثلاثة أعضاء من لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد، إلى جانب رئيسها شكيب بنموسى وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة باسم حزب "الحمامة"، ومن حزب "الجرار": يونس سكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، وعبد اللطيف ميراوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة. فهي كما وصفها البعض حكومة بعنوان الجدارة في التدبير والانفتاح على الكفاءات الشابة والواعدة، التي اثبتت جدارتها في مختلف المناصب التي تقلدتها. وأنه رغم ما تم تسجيله من ملاحظات وأثير من تساؤلات، خاصة حول مدى قدرة بعض أعضاء الحكومة ورئيسها على التوفيق بين المسؤولية الحكومية وعمودية المدن. حيث أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش هو كذلك عمدة مدينة أكادير، وأن نبيلة الرميلي عمدة مدينة الدارالبيضاء هي أيضا وزيرة الصحة، وأن عبد اللطيف وهبي عمدة مدينة تارودانت هو نفسه وزير العدل، ثم إن فاطمة الزهراء المنصوري عمدة مدينة مراكش هي ذاتها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة… فمباشرة بعد رؤيتها النور صرح قائدها عزيز أخنوش بأنها ستكون "حكومة عمل ونتائج" بفضل ما تزخر به من وجوه جديدة وطاقات واعدة، وستعمل على معالجة القضايا المطروحة وتلبية تطلعات المغاربة، عبر تتنزيل الأوراش الملكية الكبرى وعلى رأسها النموذج التنموي الجديد وبرنامج الحماية الاجتماعية. فيما اغتنم باقي الوزراء فرصة تسلم السلط، للإعراب عن اعتزازهم بالثقة الملكية السامية التي حظوا بها، والإفصاح عن وعيهم التام بجسامة المسؤولية المنوطة بهم، عاقدين العزم على أن يكونوا في مستوى آمال الجماهير الشعبية ومجندين للعمل بحس وطني صادق وإرادة قوية، لمواجهة التحديات وكسب رهان التنمية… إذ علاوة على ما تحظى به الحكومة من دعم شعبي، فإن ما ورد من توجيهات سامية في الخطاب الملكي يوم الجمعة 8 أكتوبر 2021 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة، كاف لاستنهاض الهمم وشحذ العزائم في السير قدما نحو تحقيق الأهداف المرجوة، شريطة حسن ترتيب الأولويات والمشاريع وتعبئة الوسائل اللازمة لتمويلها، السهر على تأهيل المنظومة الصحية في القطاعين العام والخاص، إحداث منظومة وطنية لضمان المخزون الاستراتيجي للموارد الأساسية، والحرص الدائم على توفير الحاجيات الوطنية. مشددا على ضرورة اعتماد تخطيط دقيق ومحكم يراعي كل التحولات المستقبلية الممكنة، وحماية الثقة التي تتمتع بها بلادنا ودينامية الاقتصاد الوطني، لاسيما بعد ارتفاع معدل الاستثمار الأجنبي إلى جانب مؤشرات أخرى مشجعة، ومبشرا بما يرتقب تحقيقه من نمو اقتصادي لا يقل عن 5,5 في المائة خلال عام 2021، رغم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها العالم عامة والمنطقة بشكل خاص. إن المغرب اليوم في ظل تعدد التحديات وتنوعها وما خلفته جائحة "كوفيد -19" من تداعيات خانقة، وما بات يتعرض له من تهديدات خارجية، مطالب بتقوية جبهته الداخلية وتضافر جهود الجميع في اتجاه مواصلة مسيرته التنموية. وبحاجة كذلك إلى أن تعمل الحكومة الجديدة جاهدة على تهييء الأجواء الكفيلة بالنهوض بسير مؤسساته وتجويد أعمالها، وجعله يتحول إلى قبلة للاستثمارات ويرقى إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة. إذ لا عذر لها في أن تخفق في أداء مهامها وتخلف ميعاد التغيير الإيجابي، بينما جميع شروط رفع التحديات وتحقيق النجاح متوفرة لديها.