✓ تقديم : من أجل إنجاح القمة العربية المقبلة تنشط الدبلوماسية الجزائرية في ظروف إقليمية ودولية تتسم بارتهان القرار العربي داخل الجامعة للحلف الأمريكي الإسرائيلي الذي كان من نتائجه المباشرة إستباحة دول عربية لسيادة دول أعضاء بالجامعة العربية، وتجميد عضوية سوريا، إضافة إلى توسيع قاعدة التطبيع والشراكة الإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني التي شملت عدة دول عربية تحول بموجبها المحتل الغاصب هكذا إلى كيان حليف، وذلك على حساب القضية الفلسطينية التي لم تعد من أولويات هذه الدول بعد أن استبدلت مشروع الأرض مقابل السلام بمشروع صفقة القرن. ✓ في مستجدات الوضع الإقليمي والدولي : صحيح أن هذه الدول تعرف تغيرا بطيئا في مواقفها إزاء سورياوإيران التي اعتبرتها عدوا أساسيا لها بدل إسرائيل، نتيجة للتحولات التي تشهدها السياسة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط، والتي لم تعد ضمن أولوياتها حسب منطوق ميثاقها القومي، وقد تجلى ذلك في عودة أمريكا للمفاوضات مع إيران واستعدادها لتخفيف تواجدها العسكري المكلف في المنطقة في أفق الإنسحاب الكلي من بعض المناطق، وهو ما حذا بدول الخليج إلى مراجعة سياستها إزاء هذه الدول والعمل على خلق قنوات تواصل معها، حيث تمت ترجمة ذلك في إعادة فتح سفارات بعضها في دمشق وإعلان دول أخرى نيتها في ذلك، وكذا فتح قنوات الحوار مع إيران توجها العاهل السعودي سلمان في كلمته أمام الجمعية العامة بوصف إيران بالدولة الجارة ودعاها إلى طاولة الحوار لحل القضايا الخلافية بين البلدين، وهو ما رحبت به هذه الدول المحسوبة ضمن محور المقاومة، ولم تشترط في ذلك قطع علاقات الدول المطبعة، ولا محاسبة إسرائيل على ما اقترفته وما تزال من تدمير وغطرسة في حقها وفي حق شعوبها . ✓ في فهم الألغام المحيطة بالقمة العربية المقبلة : بدءا وجب التذكير ان ما تقوم به الدبلوماسية الجزائرية من إتصالات لإنجاح مؤتمر القمة العربي مثير حقيقة للغرابة، لأن مسعاها في ذلك يشمل دولا عربية تجمعها علاقات إستراتيجية مع إسرائيل، ودولا شاركت على مدار عقد من الزمن أو أكثر في تدمير دول أعضاء في الجامعة، بعد أن كانت وراء افتعال حرب إرهابية دموية في الجزائر طيلة مرحلة التسعينيات، هذا في الوقت الذي تقطع فيه علاقاتها مع المغرب. أقول هذا ليس لثني الجزائر عن مسعاها للم شمل الجامعة وإعادة الروح لدورها الإقليمي الذي لا يمكن أن يكون إلا لصالح المنطقة المغاربية والعربية، ولكن فقط للوقوف عند مكامن الخطأ في الدبلوماسية الجزائرية التي، بقدر ما تنشط من أجل مشاركة الجميع في القمة المقبلة وإجرائها لمشاورات مع كل الدول الأعضاء بما فيها الدول العربية الحليفة لإسرائيل، نجد ان هذه الديبلوماسية لا تدخر جهدا في قطع جميع أواصر القرب والتواصل مع جارتها المغرب وترفض أي وساطة من أجل إصلاح ذات البين معللة ذلك بتطبيع هذا الأخير لعلاقاته مع إسرائيل بغاية تهديد أمنها الداخلي وثنيها عن مواقفها الثابتة المدافعة عن فلسطين حسب إدعائها، وهي بذلك كمن يكيل بمكيالين في علاقاتها مع الدول الأعضاء بالجامعة ويفضح خلفياتها الرامية الى عزل المغرب عن محيطه الإقليمي بعقد قمة جامعة من دونه. ✓ مقومات النجاح والفشل في المساعي الجزائرية : إن مقومات النجاح والفشل مرتبطة أولا بقدرة الجزائر على استيعاب الجميع، وثانيا بالعناوين الكبرى التي تود طرحها كأولوية في جدول أعمال القمة المقبلة. لكن من خلال ما تطرحه من قضايا سواء ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية أو بعودة سوريا، يبدو أنها لم تستوعب التحولات التي حصلت من حولها، وذلك لأسباب داخلية مرتبطة بحالة عدم الإستقرار السياسي التي شهدتها نتيجة الأحداث الارهابية الدامية التي عاشتها خلال التسعينات من القرن الماضي، وما أعقبها من مصالحة وطنية من أجل عودة الوئام المدني والسياسي، وما تخلل هذه المرحلة من اغتيال للرئيس بوضياف، وإقالة الرئيس الراحل بوتفليقة على خلفية الحراك الشعبي، وهي عوامل كانت كافية لفهم إنكفاء الدولة الجزائرية تجاه محيطها الإقليمي وحضورها الباهت في القمم العربية السابقة التي لم تبدي فيها أي مقاومة سواء ضد التطبيع عبر التصدي للقرارات المكرسة له، أو ضد قرار تصفية سوريا الدولة بعد قرار تجميد عضويتها في الجامعة. إن تفهمنا لانكفاء الجزائر نتيجة أوضاعها الداخلية التي لم تكن تسمح بأن تقدم ما تعتقده ينسجم مع مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ولمحور المقاومة، لا يعفي الجزائر، في مسعاها لإنجاح القمة المقبلة، من استحضار التحولات التي طرأت على الساحة الإقليمية والدولية سواء ما تعلق منها بالمخاطر التي تهدد منطقة شمال غرب إفريقيا نتيجة الصراع الدولي على الممرات التجارية أو ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية التي طالما تم توظيفها من طرف الأنظمة السياسية العربية للتنفيس عن أزماتها الداخلية، بالإضافة للأزمة السورية واليمنية التي تورطت فيها دول أعضاء في الجامعة. إن القمة المقبلة ستعقد إذن في ظروف إستثنائية علاقة بها يشهده العالم من تحولات كبرى، استدعت تغيرا في الإستراتيجيات وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط التي بدأت تعرف انحسارا نسبيا للنفوذ الأمريكي والغربي لصالح كل من روسيا والصين، وهو ما يجعل دول المنطقة في وضعية ترقب، خاصة تلك التي سبق لها أن انخرطت في الأجندة الأمريكية الإسرائيلية، وذلك بعد أن بدأت تدرك فشل إستراتيجياتها المدمرة للمنطقة وإحساسها باليتم بعد ان تخلت عنها أمريكا نظير ما فعلته هذه الأخيرة عندما تخلت عن حلفائها في أفغانستان بعد انسحابها المذل منها. وفي هذا السياق لا بد أن نشير إلى أن ما نشهده حاليا من تغير إيجابي في مواقف بعض هذه الدول من الأزمة السورية والعراق وعلاقتها بإيران، لن يكون كافيا لرأب الصدع في العلاقات العربية – العربية والعربية – الايرانية ما لم تعطي أمريكا الضوء الأخضر لذلك. ويمكن القول إن القمة المقبلة تأتي في مرحلة رمادية نتيجة التحولات التي تشهدها العلاقات الدولية وانعكاساتها على مناطق الصراع ذات الأهمية الجيوستراتيجية، وبالتالي فإنها لن تكون بمستوى إنتظارات الجزائر لا على مستوى التمثيلية ولا على مستوى القرارات. وفي اعتقادي لا أظن ان العقل السياسي في الجزائر قد أغفل هذه الحقائق، وما استمراره في طرح القضايا الخلافية بدل السعي إلى عقد مؤتمر مصالحة على قاعدة برنامج عمل حد أدنى مشترك ينخرط فيه حتى جاره المغرب، لخير دليل على تخبط الموقف الجزائري وغياب رؤية إستراتيجية واضحة لدى المسؤولين الجزائريين للم شمل الدول المغاربية والعربية لمواجهة التحديات المستقبلية التي تهدد المنطقة. ✓ في فهم حقيقة الصراع مع المغرب : إن قطع الجزائر لكامل علاقاتها مع المغرب بذريعة تهديده لأمنها القومي، بعد تطبيع علاقاته بشكل رسمي مع إسرائيل، لا يستقيم ومبدأ القياس الذي يقتضي التعامل بالمثل مع الدول الأعضاء التي تواطأت مع الكيان الصهيوني في تدمير دول تعتبرها الجزائر محسوبة على محورها المقاوم، وبالتالي فإن هذا الموقف لا يمكنه أن يحجب عنا الأسباب الحقيقية لهذا التوتر الذي تعود جذوره التاريخية إلى حرب الرمال سنة 1963 وما بعدها، حين تنكرت الجزائر لاتفاقية 1972 القاضية بتنازل المغرب عن منطقة تندوف وبشار في مقابل الإستغلال المشترك لمناجم الحديد عبر منفذ على المحيط الأطلسي و دعم الجزائر للمغرب في استرجاع صحرائه من الإستعمار الإسباني، وهو الموقف الذي أكده الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية في الرباط سنة 1974، ليتم نقضه بعد ذلك سنة 1976 بإيواء الجزائر وتمويلها للحركة الإنفصالية في الصحراء، والتي ما كانت لتوجد أصلا وتستمر لولا دعمها، وهو ما نقل الجزائر من البلد الشريك والداعم للمغرب الى بلد منخرط بشكل مباشر في تفتيت وحدته الترابية. إن التصعيد الأخير الذي وصل ذروته في الفترة الأخيرة، يعود إلى اليوم الذي طرح فيه المغرب ورقة إنفصال منطقة القبائل الجزائرية في لقاء مجموعة دول عدم الإنحياز، كرد فعل على كلمة الممثل الجزائري في شأن الصحراء، وهو ما شكل في حينه إستفزازا مباشرا للجزائر متناسية في نفس الوقت ما أقدمت عليه طوال عقود من أعمال عدائية تجاه المغرب . ✓ خلاصة : على ضوء ما سبق يمكن القول إن رهان الجزائر على القمة المقبلة في لم شمل جامعة الدول العربية هو رهان فاشل نظرا لارتهان قرارات الجامعة أساسا بالإدارة الأمريكية. كما أن إستراتيجية التصعيد مع جارها المغرب في أفق عزله عن محيطه المغاربي والعربي والإفريقي لن يجدي نفعا، في حين أن الرهان الحقيقي يكمن في العمل على توطيد العلاقات المغربية الجزائرية ونسج شراكة إقتصادية وسياسية قوية تجنب المنطقة الشمالية الغربية لإفريقيا كل أشكال التدخلات الأجنبية وتضعهما في موقع المفاوض القوي على مصالحهما المشتركة التي ستعود بالنفع على مصلحة الشعبين الشقيقين.