مسؤولون أمنيون أمريكيون ومن الاتحاد الأوروبي يحذرون من العلاقات بين شركة NSO "إن إس أو" بمسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية ويقول محللون من الميدان إن شركة تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية تصنع منتجا عالميا، لكن البعض يتوجس من وجود علاقة لها مع الحكومة الإسرائيلية. اكتسبت شركة NSO Group الإسرائيلية سمعة بين خبراء الأمن القومي في جميع أنحاء العالم كأفضل شركة مصنعة لتكنولوجيا المراقبة قادرة على جمع المعلومات سرا من هاتف الشخص بعد اختراقه. لكن مسؤولي الأمن الأمريكيين والأوروبيين ينظرون إلى الشركة بكثير من الريبة والشك على الرغم من قدرة تقنيتها على المساعدة في مكافحة الإرهابيين والمجرمين العنيفين. في مقابلاتهم ، قال العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين إنهم يفترضون أن الشركة، التي أسسها ضباط استخبارات إسرائيليون سابقون، تقدم على الأقل بعض المعلومات للحكومة الإسرائيلية حول من يستخدم برنامجها التجسسي وما هي المعلومات التي يجمعونها. يقول مسؤول كبير سابق في الأمن القومي الأميركي عمل بشكل وثيق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف العمليات الاستخباراتية بصراحة: "من الجنون الاعتقاد بأن شركة NSO لن تتبادل معلومات الأمن القومي الحساسة مع حكومة إسرائيل. وأضاف "هذا لا يعني أنها واجهة لوكالات الأمن الإسرائيلية لكن الحكومات في العالم تفترض أن NSO تشتغل مع سلطات إسرائيل". ويقول مسؤول أمريكى حالى مطلع على الأمر "إنه بالرغم من أن هذه الشركة هي شركة خاصة ، فان المسئولين الامريكيين يشتبهون منذ فترة طويلة فى أن الحكومة الاسرائيلية تتوصل ببعض المعلومات التى تجمعها. ويقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن وكالات الاستخبارات الأميركية لا تستخدم برامج هذه الشركة. ومع ذلك، فإن المعلومات التي يمكن أن تلتقطها شركة NSO هي نفسها التي تجمعها وكالات الاستخبارات في العالم من الهواتف المستهدفة بالاختراق ويمكن أن يخترق برنامجها الهواتف المحمولة ويسرق منها رسائل البريد الإلكتروني وسجلات المكالمات وتدوينات وسائل التواصل الاجتماعي وكلمات مرور المستعمل ولائحة أرقام الهاتف والصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية وتاريخ التصفح. كل هذا يمكن أن يحدث دون أن يلمس المستخدم هاتفه أو يدرك أنه تلقى رسالة غامضة من شخص غير مألوف و تقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية بمراجعة ترخيصات البيع للزبائن والموافقة عليها مسبقا قبل إتمام الصفقة مع الحكومات الأجنبية. إن مؤسسي شركة NSO هم أعضاء سابقون في وحدة النخبة الإسرائيلية 8200، التي تتكلف بالمراقبة الإلكترونية ويشبه دورها دور وكالة الأمن القومي الأمريكية. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية إن "إسرائيل لا يمكنها الحصول على المعلومات التي يجمعها وبناء الشركة". وتنفي الشركة أيضا وجود أي ارتباط بالحكومة الإسرائيلية. إن القوانين التي تنظم مراقبة الصحفيين ونشطاء الحقوق المدنية هي أكثر صرامة بكثير في الولاياتالمتحدة والعديد من البلدان الأوروبية منها في دول الشرق الأوسط حيث رخصت NSO لبرامجها وأثارت جدلا كبيرا. وقد اعترفت الشركة علنا بأن زبناءها استخدموا في بعض الحالات أدوات NSO لمراقبة الأفراد الذين يقعون خارج نطاق ما اعتبرته الشركة استخداما مناسبا، أي المراقبة القانونية للمجرمين، بمن فيهم الإرهابيون. وقد تمكنت منظمة Forbidden Stories "القصص المحرمة"، وهي منظمة صحفية غير ربحية مقرها باريس، ومنظمة العفو الدولية، وهي منظمة لحقوق الإنسان، من الوصول إلى قائمة تضم أكثر من 50 ألف رقم هاتف تتركز في بلدان معروفة بمتابعة مواطنيها ومعروفة أيضا أنها كانت ضمن زبناء مجموعة NSO ولا تحدد القائمة ما هو مصدر الأرقام أو معايير اختيارها، ومن غير المعروف عدد الهواتف التي تم استهدافها أو مراقبتها بالفعل . وقد شاركت المنظمتان غير الربحيتين تلك المعلومات مع صحيفة واشنطن بوست و15 وسيلة إعلام أخرى في جميع أنحاء العالم وعملوا جميعا بشكل تعاوني لإنجاز المزيد من التحليلات والتقارير على مدى عدة أشهر. وأشرفت "القصص المحرمة" على التحقيق، الذي أطلق عليه اسم "مشروع بيغاسوس"، وقدمت منظمة العفو الدولية تحليلا قانونيا ولكن لم يكن لديها تدخل في الجانب التحريري وقد انتقدت منظمة العفو الدولية علنا أعمال برامج NSO التجسسية ورفعت دعوى قضائية ( دون جدوى ) ضد الشركة أمام محكمة إسرائيلية تسعى من خلالها إلى إلغاء رخصة تصديرها. إن الأرقام على القائمة غير منسوبة لأصحابها ، لكن الصحفيين تمكنوا من تحديد أكثر من 1000 شخص في أكثر من 50 دولة من خلال الأبحاث والمقابلات في أربع قارات: منهم العديد من أفراد العائلات الملكية العربية، وما لا يقل عن 65 من رجال الأعمال، و85 ناشطا في مجال حقوق الإنسان، و189 صحفيا، وأكثر من 600 سياسي ومسؤول حكومي – بمن فيهم وزراء ودبلوماسيون وضباط الجيش والأمن، فضلا عن العديد من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء. ولم يستطيعوا تحديد الغرض من القائمة بشكل قاطع. وقال أحد المحامين يمثل NSO لصحيفة بوست في رسالة أن NSO لديها "سبب وجيه" للاعتقاد بأن القائمة تتكون من أرقام متاحة في خدمات "البحث" التي يمكن الوصول إليها من طرف الجمهور وهذه الخدمات لا علاقة لها بزبناء NSO، وقد وجد تحقيق أجراه اتحاد من المؤسسات الإعلامية أن برامج التجسس العسكرية المصنوعة من طرف شركة إسرائيلية قد استخدِمَت لاختراق الهواتف الذكية. وقال مسؤول استخباراتي أوروبي رفيع المستوى إنه منذ عام 2019، تأكدت بلاده أنه تم التجسس على حوالي 1400 شخص في 20 دولة عبر استعمال برنامج شركة NSO. وقال المسؤول "في بعض البلدان استخدم البرنامج أيضا لاستهداف الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والسياسيين ورجال الأعمال". واعترف المسؤول بأن أدوات هذه الشركة يمكن أن "تكون حاسمة في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب"، لكنه قال إن حالات "استخدام الحكومات الأجنبية للبرنامج، ولا سيما أداة بيغاسوس التابعة لشركة NSO، لمراقبة الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان قد شوهت سمعة الشركة في بلاده". وأضاف المسؤول "من الصعب علينا تبرير الحاجة إلى مثل هذه الأدوات إذا كانت الأخبار حول إساءة استخدام برامج مثل بيغاسوس، لاستهداف المجتمع المدني والصحفيين، آخذة في الازدياد". ويدرك المسؤولون الإسرائيليون أيضا أنه ليس من الأفضل لسمعة ديمقراطيتهم أن تستخدَم مثل هذا البرنامج من طرف الأجهزة القمعية في بعض البلدان. وتنظم السلطات الحكومية ترخيص برامج الشركة انطلاقا من ثلاثة بلدان تصدر منها: بلغاريا وقبرص وإسرائيل، حيث يوجد مقر الشركة الوطني. في إسرائيل، يمكن لوزارة الدفاع، التي تدير وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية، تقييد ترخيص أدوات المراقبة الخاصة بالشركة وإجراء مراجعتها الخاصة لسجلات حقوق الإنسان في البلدان التي تريد NSO التعامل معها كزبناء، وذلك وفقا لسجلات الحكومة الإسرائيلية وكذلك المقابلات مع أشخاص على دراية بالموضوع. وفي هذا الصدد، فإن تكنولوجيا المراقبة التي تقدمها NSO لمراقبة الجريمة تنظمها القوانين الإسرائيلية كالأسلحة وقال المديرون الكبار في الشركة إنهم لا يبيعون منتجاتهم إلا للبلدان التي تستخدمها لأغراض المراقبة المشروعة، مثل مراقبة الإرهابيين المشتبه بهم وتجار المخدرات وغيرهم من المجرمين. وتقول الشركة إنها تدرس حالات الزبناء المحتملين وفقا لسياستها في مجال حقوق الإنسان، التي كتبتها لتتوافق مع توجيهات الأممالمتحدة للشركات بشأن كيفية حماية حقوق الإنسان. وجاء في سياسة الشركة: "نحن نسمح باستعمال منتوجاتنا فقط للأجهزة الحكومية المشروعة وذلك للاستعمال الحصري من أجل منع الجرائم الخطيرة والتحقيق فيها، بما في ذلك الإرهاب". وردا على أسئلة من صحيفة "واشنطن بوست" حول اعتقاد المسئولين بأن الشركة تتبادل المعلومات مع حكومة إسرائيل ، قالت الشركة فى بيان مكتوب "نحن ننفى بشدة المزاعم بأن الحكومة الاسرائيلية تراقب استخدام البرنامج من طرف زبنائنا ، وهذا نوع من نظرية المؤامرة التي يروج لها منتقدونا". مثل هذه الردود هي جزء من السرد اللاذع حول مجموعة NSO التي تم تأسيسها أصلا من طرف بعض مجموعات المصالح الخاصة المرتبطة بشكل وثيق ، من بينهم "مسؤولون مجهولون" يقولون إنهم "يفترضون حدوث شيء ما". وفي مقابلة أجريت معه عقب نشر بعض النتائج التي توصل إليها مشروع بيغاسوس، اعترض شاليف هوليو Shalev Hulio ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة NSO، على المعلومة التي تفيد أن سجلات خمسين ألف هاتف كانت معروفة لدى الشركة أو برامجها. وقال هوليو إنه " منزعج للغاية " إزاء ما قرأه فى المقالات الصحفية التى نشرها مشروع بيجاسوس، وأضاف: "كل ادعاء حول إساءة استخدام البرنامج يقلقني. إنه ينتهك الثقة التي يمنحنا إياها الزبناء ونحن نحقق في كل شيء". وأضاف هوليو أن الشركة قد أنهت العقود التجارية مع اثنين من زبنائها خلال الاثني عشر شهرا الماضية بسبب المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية إن بلاده تنظم صادرات المنتجات مثل برنامج شركة NSO وفقا للقانون الإسرائيلي . وأوضح هوليو "تأخذ القرارات المتعلقة بالسياسات في الاعتبار اعتبارات الأمن القومي والاعتبارات الاستراتيجية، التي تشمل التقيد بالترتيبات الدولية. وكسياسة عامة، توافق دولة إسرائيل على تصدير المنتجات الإلكترونية حصرا إلى الأجهزة الحكومية وفقط من أجل الاستخدام المشروع وفقط لغرض منع الجريمة ومكافحة الإرهاب والتحقيق في أمرها". على الرغم من كل هذا الضجيج ، فإن أجهزة iPhone لا تستجيب لبرامج التجسس الذي طورته NSO وأضاف المتحدث: "في الحالات التي يتم فيها استخدام العناصر المصدرة في انتهاك لتراخيص التصدير أو شهادات الاستخدام النهائي ، فإننا نتخذ التدابير المناسبة"، مشيرا إلى أنه لا يمكن لإسرائيل الحصول على المعلومات التي يجمعها زبناء الشركة". وفي أول تقرير لشركة NSO عن الشفافية والمسؤولية، نشر في أواخر يونيو، كتبت الشركة أنها رفضت إبرام صفقات مع بعض البلدان التي "لا تتمتع بحماية كافية على المستوى الوطني لمنع إساءة استخدام البرنامج بثقة، أو حيث تسمح سيادة القانون بوجود احتمال كبير على نحو لا مبرر له بإساءة الاستخدام". ومن دون تحديد البلدان التي رفضتها الشركة ، قالت إنها رفضت في الفترة من مايو 2020 حتى أبريل 2021 نحو 15 بالمائة من الفرص الجديدة المحتملة لبيع برنامج المراقبة بيغاسوس بسبب "مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان". وحتى الآن، رفضت الشركة أكثر من 300 مليون دولار من فرص البيع نتيجة لعمليات المراجعة الداخلية، بحسب الشركة، وهي مراجعة منفصلة عن مراجعة السلطات الحكومية الإسرائيلية. ولكن بمجرد حصول بلد ما على ترخيص لمنتجات NSO أو الحصول عليها للاستعمال، يقع العبء إلى حد كبير على تلك الحكومة لضمان استخدام البرنامج وفقا لقوانين البلاد التي تحكم مجال المراقبة، والتي تختلف بشكل كبير من بلاد إلى أخرى . ويقول منسق الأمن الرقمي السابق في مجلس الأمن القومي مايكل دانيال، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ عام 2018 "إن البعض يرى في علاقة مجموعة NSO مع الحكومة الإسرائيلية سببا لعدم الثقة في حين يرى آخرون أنها دليل على الكفاءة والجودة". وقال مايكل دانيال، الذي شغل منصب منسق الأمن السيبراني للرئيس باراك أوباما في مجلس الأمن القومي، وهو الآن الرئيس والمدير التنفيذي لتحالف التهديدات السيبرانية، وهي مجموعة غير ربحية أسستها شركات الأمن لتحسين تبادل المعلومات حول التهديدات التي تواجه شبكات الكمبيوتر: "المسألة هي أن هناك دائما هذا الخط الدقيق بين الاستخدامات المسؤولة للأدوات التي ينتجونها والاستخدام غير المسؤول لتلك الأدوات". وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنه بما أن حكومة إسرائيل تراجع وتمنح إذن رخصة تصدير منتجات NSO، فإن الحكومة الإسرائيلية تعرف من هم زبناء الشركة والعلاقة بين شركة NSO فضلا عن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الأخرى، والأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد هي علاقة أكثر إحكاما ويمكن القول إنها أكثر قوة من العلاقات الموازية بين القطاع الخاص والحكومة في الولاياتالمتحدة. وقال عضو سابق في أجهزة الأمن الإسرائيلية إن الشبان الاسرائيليين الذين يؤدون خدمتهم العسكرية الإجبارية في فروع الاستخبارات يرون تدريبهم بالطريقة التي ينظر بها الأميركيون الى الجامعة. وقال المسؤول السابق إن الحكومة تحرص على تطوير مهاراتهم التكنولوجية مع الرجاء أن يذهبوا للعمل في القطاع الخاص أو تأسيس شركات – ولكن هناك أيضا تفاهم على أنهم سيحافظون على علاقات وثيقة مع الجيش وأجهزة الأمن. وقال المحللون ان علاقة NSO بحكومة إسرائيل لا تجعلها أقل جدارة بالثقة . ويضيف دانيال "أعتقد أن هذا يعتمد حقا على العلاقة الشخصية ، وأعتقد أن البعض ينظر إلى هذه العلاقة بعين الريبة والشك". ويرى آخرون في ذلك "علامة على الكفاءة وأنهم يعرفون ما يتحدثون عنه". وأشار دانييل إلى أن شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تعتبر على نطاق واسع من طرف الخبراء في العالم من أفضل شركات الأمن الرقمي في العالم . وفي نهاية المطاف، قال إن الأمر متروك للحكومات لتقرر ما إذا كان ينبغي على الشركات الخاصة توفير أنواع الأدوات المتاحة تاريخيا فقط لجواسيس الأجهزة الحكومية، وقال "هناك حاجة إلى مزيد من التعاون الدولى حول ما نعتبره نماذج تجارية مشروعة فى هذا المجال وأين نريد أن نضع الخط الفارق؟" * ساهم جون هدسون John Hudson وكريغ تيمبرج Craig Timberg في هذا المقال، و "مشروع بيغاسوس" هو تحقيق تعاوني يشارك فيه أكثر من 80 صحفيا من 17 منظمة إخبارية تنسقها "القصص المحرمة" بدعم تقني من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية. * المصدر: "واشنطن بوست" * نقلها إلى العربية : موقع "لكم"