لا يختلف اثنان حول أهمية التعليم و أولويته في أي نهضة حضارية ، إذ يعتبر نقطة البداية لأي مشروع مجتمعي يروم النهوض و الرقي بأمة ما ، و هذا ما أثبتته التجارب البشرية على مر العصور ، حيث أن الأمم التي اهتمت بالتربية و التعليم و أعطته الأولوية و الأهمية اللازمة هي التي تقود العالم و توجه بوصلته في مختلف المجالات الحياتية ( السياسية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية ...) . لكن في بلدنا الحبيب – المغرب- و عوض أن نرى تصحيحا لبوصلة النهضة الحضارية التي ظلت تائهة بعد أزيد من نصف قرن من " الاستقلال" ، و عوض أن نرى المجهودات تتجه صوب هذا المدخل الأساسي ، التعليم ، الذي به و من خلاله نستطيع أن نضع قدمنا الأولى نحو التقدم الحضاري و الرقي العلمي و الازدهار الاقتصادي و تحقيق العزة و الكرامة للإنسان أولا و للأمة – الوطن- ثانيا ، إذ بنا نرى غياب أي إرادة صادقة حقيقية لدى الماسكين بزمام الأمور في بلدنا الحبيب ، بل و على العكس من ذلك فالتعليم في المغرب يعيش موجة من التخبط و العبث و عدم التوازن . فبتعاقب الحكومات المختلفة ، تعاقبت المخططات و البرامج الفاشلة في المجال التعليمي ، فشل أذكاه الطابع الاستبدادي و التسلطي لهذه المخططات التي لم يشرك فيها أهل الميدان و التخصص من مكونات الحقل التعليمي ( الأساتذة ، الطلبة ، النقابات ... ) بل استنسخت من تجارب دول أخرى تختلف عنا هوية و قيما و وضعا اجتماعيا ثم ترجمت و نزًّلت لتخضع شعبا بأكمله للتجربة . آخر هذه المخططات الفاشلة : "الميثاق الوطني للتربية و التكوين " ثم "المخطط الاستعجالي" اللذان أهدرا الملايير من أموال الشعب و أجيال من أبناء الوطن و سنوات طوال من عمر هذه الأمة . هذا الفشل الذريع الذي منيت به هذه المخططات المتعاقبة ولد مجموعة من المشاكل و الاختلالات في المنظومة البيداغوجية و الوضعية الاجتماعية و الحقوقية للطالب المغربي مما دفع بالدولة إلى انتهاج المقاربة الأمنية في مواجهة المطالب المشروعة للطلبة و التلاميذ على حد سواء ، كان من أهم تجلياتها الدورية الثلاثية المشئومة، و التي ارتدت ثوبا جديدا إثر توقيع مذكرة ،بداية هذه السنة، بين وزارة التعليم العالي و وزارة الداخلية و التي كان من آثارها عسكرة الجامعات ( فاس ، وجدة ، مراكش ، مكناس ..) و ترهيب الطلاب بالإضافة للتدخلات القمعية الهمجية التي خلفت مجموعة من الشهداء ( آخرهم الشهيد محمد الفيزازي رحمة الله)و الجرحى و المعتقلين( آخرهم معتقلو فاس سايس ) في صفوف الطلبة عامة و المناضلين خاصة ، و بذلك تكون الجهات المسئولة قد اختارت من جديد الطريق الخطأ في معالجة ملف التعليم و ملف الجامعة بشكل خاص، مما سيكون له لا محالة آثار سلبية على الوضع التعليمي المتردي أصلا . من خلال كل هذه الأحداث و الوقائع يتبين بشكل ملموس غياب أية نية حقيقية للإصلاح و أي إرادة صادقة للارتقاء بالتعليم ، وهذا الأمر قد يبدو "عاديا" لأن الدولة الاستبدادية المتسلطة تستمد استمراريتها و دوامها من تفشي الجهل و الأمية في صفوف الشعب من أجل الحفاظ على التوازنات الكبرى في البلد و الحفاظ على مصالح الجهات النافذة و المتحكمة في الموارد و الثروات الوطنية " فالحاكم الذي يصل للسلطة معتمدا على جهل شعبه لن يهتم مطلقا بقضية التعليم و المعرفة لشعبه ... لأن تنوير و تعليم الشعب هو نهاية هذا الحاكم " . لكن المدهش و الغريب في الأمر هو التعتيم الإعلامي الخطير للمؤسسات الإعلامية على ملفات التعليم و وضعيته المأزومة و الصمت الرهيب لأغلب مكونات المجتمع من أحزاب سياسية و هيئات مجتمعية و جمعيات حقوقية على هذا العبث و الارتجال في تدبير هذا القطاع المهم و الحيوي ، و هي التي من المفترض أن تدبج مشاريعها المجتمعية بأولية التربية و التعليم ، و تخصص الجزء الأكبر من نضالها في الدفاع عن العلم و تحصين حرمة الجامعة باعتبارها الرافد الأساسي للأطر و الكفاءات المعول عليها في تقدم البلد و ازدهارها. و خلاصة القول إن إفلاس المنظومة التعليمية بالمغرب راجع بالأساس إلى إفلاس النظام السياسي في البلاد و عدم تحمل النخب السياسية لمسؤوليتها ، و بالتالي يبقى الحل الوحيد، متى توفرت الإرادة الصادقة، هو رفع القبضة الأمنية على الجامعة و إشراك مختلف الفاعلين في الحقل التعليمي في مناظرة وطنية شفافة من أجل الخروج من عنق الزجاجة، و بعد ذلك فلن نعدم الطاقات و الكفاءات و السواعد القادرة على وضع البرامج و المخططات الكفيلة بالنهوض بالقطاع التعليمي و الترقي به إلى أعلى المستويات لجعله قاعدة و قاطرة لبناء دولة العلم و العدل و الكرامة و الحرية . * طالب باحث