فبراير هذا الشهر الفريد فرادة هذا الوطن الذي عشقنا تربته وهواءه وجباله ووديانه ومساكنه وأحياءه... هذا الشهر الذي تقلد وسام الشرف أن ساقنا القدر إليه لكي تتبدى منه ملامح هذا العشق الأبدي، وتنطلق منه زغرودة الحرية معلنة عن ولادتها من قلب الرماد والحطام الذي خلفته تلك النكرات التي لا مكان لديها للأشياء الجميلة المفرحة لكل الناس والمسعدة لكل الناس والمحررة لكل الناس... "فبراير" شهر الاصطفاف والعفوية والواقع المخالف لحسابات التوقع، وهو شهر التحام الإستراتيجية مع التكتيك، والحلم مع الحقيقة، والأمل مع الألم، والعالم الافتراضي مع العالم الحقيقي... "فبراير" هو هذا الذي انبعث من ركام "الفبرايريات" الماضية ليشع نورا أتى من هناك حيث عالم الإنسان، ليملأ الدنيا هنا، حيث عالم الخوف والظلم واليأس وكل الكوابيس التي تكرهها الفطرة الإنسانية... تلك قصة هذا الشهر الفريد، حكاية انطلقت من يوم، من كلمات، من تعبيرات، من نداءات، من بيانات، وتسربت عبر أحياء "الفاسبوك والتويتير واليوتوب"...ملصقات عبر الجدران الافتراضية، ومنشورات توزع بالملايين في هذا العالم الافتراضي، على مرأى ومسمع من هؤلاء الذين حبسوا أنفاسنا، وأرهبوا ديارنا، واعتقلوا إراداتنا، واغتالوا أملنا وكادوا أن يدفنوا أحلامنا... في كل حي من هذا العالم الافتراضي تدخله، عبر كل شارع تمر به، إلا وتجد جدارا هنا أو هناك وقد سطرت فيه كلمات ليست كالكلمات "الشعب يريد إسقاط الاستبداد"، الشعب يريد إسقاط الفساد"، "الشعب يرفض دستور العبيد"، " الاستبداد يطلع برا...الفساد يطلع برا"... "فبراير" هو شهر تحول تلك الكلمات إلى أمواج بشرية لم تطلب "ترخيصا قانونيا" ولم تلجأ إلى "القايد أو الباشا" ل"تشعره" أنها ستكون بأجسامها منتصبة القامات تمشي مرفوعة الهامات تمشي... "فبراير" هو هذا الشهر الذي تمنى كل هؤلاء المثبطون والمفسدون والمستبدون والجلادون والناهبون الذين سرقوا رغيفنا وعيشنا ومالنا وخيراتنا، وهتكوا حرماتنا واعتقلوا أبنائنا، واستبلدوا حسنا، وضللوا أمانينا، تمنى كل هؤلاء أن يحذف من قائمة أشهر السنة، فهو الشبح المخيف الذي سيظل كابوسا يتوقعون منه كل المفاجآت، لأنه صدم توقعاتهم، وزعزع ثقاتهم واطمئناناتهم، وسيظل كذلك، ولو انتقموا واعتقلوا وعادوا وتجبروا و استبلدوا ووظفوا البلداء والمضللين، ليركبوا الموجة بالوعود الكاذبة ريثما تمر العاصفة... "فبراير" سيظل ذلك الشهر الذي سيذكرهم أن مهما حبسوا الأنفاس ودرسوا التوقعات والمؤشرات فلن ينعموا بالأمن ماداموا يستبدون ويصادرون الحقوق ويظلمون ويسرقون وينهبون ويعتقلون ويلفقون ويفسدون... كل التحيات ل"فبراير"، ولي كل الشرف أن أكون من مواليده وأن يتواطأ تاريخ الولادة مع تاريخ التمرد، وأن أعتز به لأنه كان ولا يزال لحظة الأمل المستمر مع لحظة الولادة المتجددة...