انطلق ورش إصلاح القضاء في إطار(وبفضل) برامج التقويم الهيكلي وتحديث المؤسسات على مقربة من السكتة القلبية وذلك على ضوء تقرير البنك الدولي الشهير في أواسط التسعينيات إثر خطاب الراحل الحسن الثاني،ولكن وفق مقاربة خاصة بالدولة قابلتها مقاربة خاصة بالمجتمع المدني الإصلاح بين مقاربتين مقاربة الدولة وأغلب الحكومات المتعاقبة كانت مقاربة تقنية قانونية مؤسساتية بينما كانت – ماتزال-مقاربة المجتمع المدني سوسيوسياسية حقوقية (مطلب قديم ومستمر) إلى أن جاء الخطاب الملكي في العشرين من غشت ألفين وتسعة محتويا تصحيحا منهجيا عندما دعا لما وصفه بالإصلاح العميق والشامل ، وقد جاء وغف التسلسل الزمني بعد حدث السادس من أبريل ألفين وتسعة عندما اجتمعت عشر جمعيات حقوقية وصادقت على مشروع مذكرة مطلبي(ميموراندوم)ة بشأن إصلاح القضاء ،ثم انطلقت عدة لقاءات للتعريف والتشخيص والترويج للتوجهات المتوافق عليها بشأن الإصلاح كما تم تقديم مضمون المذكرة لوزير العدل إلى أن تمت المصادقة على النص النهائي في الحادي عشر من فبراير ألفين وعشرة وذلك في سياق متغيرات دولية ووطنية محفزة على الإصلاح وضاغطة أحيانا من أجل الشروع الفعلي فيه تلكؤ الدولة عن الإصلاح الحقيقي أدى لمضاعفة ضغوط المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي بالموازاة مع مساهماتها المالية ولا سيما البنك الدولي ووكالة التنمية الأمريكية في تمويل برامج التحديث وإعادة التأهيل المادي والإداري والمؤسساتي،ثم جاءت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لترفد بدورها مطالب الإصلاح بدفعة معنوية ومعيارية قوية وإن في سياق مغاير هدفه طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مرجعية الإصلاح كما جاء في مذكرة المجتمع المدني الدستور السابق الذي تضمن الالتزام بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وباقي المبادئ التوجيهية والمعايير الدولية ذات العلاقة فضلا عن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الآنفة الذكر أهم المطالب المتعلقة بالإصلاح الدستوري سمو المعاهدات الدولية ورفع التحفظات عن الاتفاقيات الدولية مراجعة المقتضيات المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء توسيع اختصاصاته وتعزيزها مكونات جديدة بالمجلس كهيآت المحامين والجامعيين بمعايير خاصة استقلال السلطة القضائية وقضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة تخويل البرلمان صلاحية إصدار العفو العام دسترة الحقوق والحريات الأساسية لمنع المشرع من إفراغ التشريعات من محتواها تمكين المتقاضين من الدفع بعدم دستورية القوانين أهم المطالب المتعلقة بالإصلاحات التشريعية إصلاح المجلس الأعلى للقضاء بإسناد مهام تنظيمية وإدارية وفكرية تعزيز التشكيلة من خلال توسيع التمثيلية مع معاييرمحددة تعزيز وسائل العمل ولا سيما الميزانية والموظفون ،وتفتيش مستقل تحال جميع تقاريره على المجلس تطوير المسار المهني للقضاة واستقلالهم مع النص في القانون التنظيمي على استقلال جهاز النيابة العامة عن وزير العدل مع موازنة سلطتها بخضوعها للمراقبة القضائية واستقلال أقوى لقضاة التحقيق وضمانات أقوى لحقوق الدفاع تعزيز العلاقة الضبطية لإشراف النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية وضع معايير موضوعية كأساس لترقية وتعيين القضاة في مناصب المسؤولية حق القضاة في ممارسة الحريات العامة وحرية التعبير وتكوين الجمعيات إصلاح المحكمة العسكرية في اتجاه الاستقلال وتوحيد المسطرة ومدنية القضاة وتقليص عدد الجرائم المحالة عليها أهم المطالب المتعلقة بشروط وضمانات المحاكمة العادلة الاستقلال المؤسساتي من خلال ضمانات تخص المجلس الأعلى للقضاء والقضاة إعادة النظر في العلاقة بين إدارة العدل والقضاء من خلال الفصل بين ما هو إداري وقضائي واللاتمركز وتعزيز البنية المادية والإدارية والبشرية الاستقلال المهني:من خلال تقوية المهارات في سلك القضاء، والتواصل الالكتروني على الخصوص، وتوفير شروط العمل للقضاة من خلال تحسين التجهيزات وتطوير طرق التسيير حق القضاة في التنظيم الجمعوي وحرية التعبير تطوير سير المحاكم وإعادة النظر في أوضاع السجون والسجناء 2011ثانيا : مستجدات دستور بداية هناك ارتياح عام للمكاسب المعيارية ذات القيمة الدستورية لأنها مكاسب معتبرة ، نوعيا ورمزيا ،شكلا ومضمونا،ولأنها مكاسب قضائية واضحة لا يمكن أن ينكرها إلا جاهل أو جاحد وآية ذلك: نص الدستور في تصديره الذي هو جزء لا يتجزأ منه على بناء دولة ديموقراطية يسودها الحق والقانون، وسمو الاتفاقيات الدولية مع العمل على ملاءمة التشريعات الوطنية معها، ونص في بابه الأول بخصوص الأحكام العامة في الفصول واحد وستة و سبعة على التوالي على فصل السلط والديموقراطية، وسمو القانون ومبدإ سيادة الأمة، وأن الاختيار الديموقراطي من ثوابت الأمة التي لا تطالها المراجعة ، وفي موضوع الحقوق والحريات التي لا معنى للقضاء والعدالة من دون صونها ، تم التصيص على مجموعة متكاملة من الحقوق والحريات تم تخصيصها بباب خاص هو الباب الثاني السلطة القضائية في الدستور في الفصول من مائة وسبعة إلى مائة وثمانية وعشرين: أي اثنان وعشرون فصلا ، والتي تشكل نقلة كمية هائلة ذات أهمية رمزية جاء ما يلي: تكريس القضاء كسلطة وضمان استقلاله من طرف رئيس الدولة ( الفصل مائة وسبعة) علما أن الدستور الفرنسي في فصله الرابع والستين ينص على أن الرئيس الفرنسي هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، لكن الدستور المغربي في فصله مائة وسبعة وأربعين ينص على أن استقلال المجلس الأعلى للحسابات يضمنه الدستور، واستقلال القاضي وتجريم التدخل في شأنه ( الفصل مائة وتسعة) وصدور قانون تنظيمي لتنظيم حياته الإدارية( الفصل مائة واثني عشر) النيابة العامة: ضمنيا تابعة لسلطة ما مع تقييد ذلك بالتعليمات الكتابية ( الفصل مائة وتسعة) و في مؤشر آخر على التبعية جاء في الدستور أن تقييم قضاة النيابة العامة تراعى فيه تقارير الجهة التي يتبعون لها ( الفصل مائة وستة عشر) حرية التعبير والتنظيم الجمعوي ( الفصل مائة وأحد عشر) وفي شأن المجلس الأعلى للسلطة للقضائية : تم التنصيص ، إضافة لوظيفته التدبيرية الكلاسيكية، على وظيفة فكرية تقييمية من تلقاء ذاته ووظيفة استشارية بناء على طلب ( مائة وثلاثة عشر) وتم تعزيز تشكيلته بعناصر جديدة( الفصل مائة وخمسة عشر) مع مراعاة المقاربة الجندرية لكن بطريقة غير كوطوية، وفي تجديد جوهري تم إخضاع مقرراته للطعن( مائة وأربعة عشر)، والنص على صدور قانون تنظيمي بشأنه ( مائة وستة عشر) ضمان حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ( الفصول من مائة وسبعة عشر إلى مائة وثمانية وعشرون) مع تحريم المحاكم الاستثنائية في الفصل الأخير من الباب التاسع ثالثا: بعض الوقائع ذات الدلالة تقود عملية استكناه أبعاد ودلالات هذه الوقائع للخلاصات الإجمالية التالية: - تكريس دور المجتمع المدني وتعزيز ثقته بنفسه ( الفصل الثاني عشر:نقلة معيارية نوعية في اتجاه الديموقراطية التشاركية الفعلية وليس فقط التشاورية الشكلية) - أهمية البيئة المؤسساتية والسياسية والثقافية: نحن أمام سيرورة انتقالية من التحدي والاستجابة وسط حراك في أوساط الدولة والمجتمع، وتحت أنظار الجهات والمؤسسات الأجنبية - أواوية المصداقية والنزاهة والأهمية المنهجية والعملية للمزاوجة بين المقاربة الحقوقية والقانونية من جهة والمقاربة التدبيرية والفنية والتي تستند إلى الحكامة الرشيدة ذات الأفق المتفاعل والمفتوح على باقي أعمدة النظام الوطني للنزاهة ولا سيما التفاعل المستمر وبحسن نية بين السلطة التنفيذية والمجتمع المدني - انطلاق أشغال الحوار الوطني حول العدالة: جيد أن يكون المنظور شاملا لكن سؤالا التمثيلية والشفافية ظلا مطروحين - مشكلة استقلال النيابة العامة : عالقة في النص الدستوري، لكن الاستقلال عن من وعن ماذا وماهي ضوابط النزوع الانعزالي أو المغرض لاستقلال شعاراتي لن يكون له معنى في الواقع( كوابح الحكامة الداخلية وتقديم الحساب) - التصريحات الرسمية بخصوص قضية تسريب معلومات حول تعويضات مزوار و بنسودة والاسئلة المعلقة بشأن استقلال وفعالية النيابة العامة والعلاقة التسلسلية والوظيفية بين النيابة العامة وقضاء التحقيق ممارسة واسعة لحرية التعبير من طرف القضاة: تجاوز عملي لترخيص وزير العدل الذي نسخه الدستور، لكن سؤال النطاق والضمانات والحدود: قضية الأستاذ عادل فتحي حركية نادي القضاة : تصريحه اللافت بخصوص الإشراف القضائي على الانتخابات، شكاوى من المضايقات واتهامات حول عوار النزاهة في تشكيلته ( تصريح وزارة العدل الشهير على إثر الوقفة أمام محكمة النقض ) وحول الطابع المغرق في فئويته فيما يخص تضامنه التلقائي وغير المشروط مع بعض الحالات القضائية التي قيل أنها ضبطت في وضع متلبس المجلس الأعلى للسلطة القضائية : وظيفته الجديدة هل تلامس السياسة القضائية ؟ ما أوجه التضارب والتكامل مع وزارة العدل المسؤولة على وضع وتنفيذ السياسة القضائية ، ومن يقدم الحساب بشأن هذه السياسة ؟ قضية الأعضاء من خارج السلك القضائي: عين خارجية نعم لكن بشروط صارمة تتعلق بالجدية والنزاهة وعلى الخصوص الكفاءة والعناية المهنية الفائقة القضاء وبيئته المؤسساتية والسياسية والثقافية: - كتاب الضبط ، العلاقة مع المحامين، وضعية الشرطة القضائية، وتحرشات بعض النافذين من ذوي اللسان الطويل المضرة بهيبة القضاء وكرامة القضاة - العلاقة غير المفهومة مع أجهزة الرقابة على المال العام ومكافحة الفساد( قضية الإحالة من مجلس الحسابات على القضاء والعلاقة الملتبسة بين القضاء والهيئة المرتقبة للنزاهة ومحاربة الرشوة)، وراهنية قانون الحق في المعلومة على ضوء قضية تعويضات وزارة المالية، إضافة لقانون الصحافة مربط الفرس : بالموازاة مع الاستقلال، ماذا عن الشفافية والنزاهة والمحاسبة في القطاع القضائي: سلطة نعم لكن ليست سلطة طاغية لا رقيب عليها ولا حسيب: مثلا ،من يراقب ماليتها على ضوء الاستقلال المالي المنصوص عليه بالنسبة للمجلس المرتقب، من يراقب إدارة المحاكم مراقبة تدبيرية خارجية مستقلة على ضوء الاستقلال الإداري والمالي واللاتمركز المنتظر ، والسؤال الأهم من يقيم أداء القضاء على مستوى التخطيط والإدارة ، والأخلاقيات أي على مستوى الحكامة لضمان نزاهته وفعاليته ونجاعة تدبيره دون الاخلال بضمانات استقلاله وهيبته ؟ وبرأيي المتواضع إن قواعد وآليات مراقبة القضاء على مستوى الحكامة الإدارية والتدبيرية يعطينا مؤشرا قويا على مدى استقلاله في الواقع والمظهر ومدى فعالية استثماره لموارده ولا سيما البشرية وفي المقدمة قضاتنا الأجلاء ، والله أعلم رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد عضو شرفي بنادي القضاة