في مجتمعنا هناك الكثير من العادات الاجتماعية المستفزة التي مع مرور الزمن فرغت من مضمونها وانحرفت عن مسارها و تحولت من النقيض الى النقيض و غدت مجرد شكل و اطار خارجي خالي من اي معنى او قيمة من اكثر هذه العادات الزيارات العائلية او التي من الممكن تسميتها تجاوزا غارات عائلية ليس لتشابه الكلمات و انما المعنى فهي تكون من دون سابق علم فئذا كان الشخص يقوم باي نشاط من قبيل مشاهدة التلفاز او ينعم بقيلولة او يقرا كتاب او كان في مزاج سيئ لا يسمح له باستقبال الضيوف و الدخول في حوارات اجتماعية تتستلزم طاقات جسدية و معنوية جسيمة فبفاجئ بزيارة بحجم عائلي دون مبرر او سابق انذار فرغبة الانسان في الاطمئنان على اقاربه سبب كاف يكفل له الحضور في اي وقت وعلى الرغم من اننا مجتمع مدمن على استعمال الهواتف النقالة التي اصبحت هوسا و هاجسا لدى كل فرد لكن اغلب الناس يرفضون استعماله بشكل ايجابي يطور و يحسن الحياة اليومية فنظريا الاختراعات وجدت لتسهيل ظروف الحياة لكن كثير من الناس يعزفون عن استخدام الهواتف لاخد مواعيد مسبقة او للاستذان قبل غزو الشخص المضيف بدعوى ان هذه عادات غربية دخيلة من المعيب تبنيها هذا النوع من الزيارات يكون جماعيا اي يشمل عدة اجيال الاباء و الابناء و طبعا الاطفال عندها يستحيل على المرء ان يواصل ما بداه اولا لان هذه المناسبات تتسم بعدة طقوس منها الصوت المرتفع الذي يجعل الانسان غير قادر على التركيز في اي شئ ا ضافة انها تكون طويلة الامد لا يمكن التكهن بوقت انتهائها و تتحول الى رحلة شاملة الاكل و الاقامة فلا يمكن ان تمر زيارة من هذا النوع دون مادبة او وليمة ولو كان المضيف لا يجيد الطبخ او يمر في ضائقة مالية تجعله غير قادر على القيام بواجب الضيافة كما يجب سيجد نفسه في موقف محرج يسيئ الى سمعته العائلية عليه دائما ان يكون مستعدا و مزودا بما لذ و طاب حتى يستحق القاب السخاء و الكرم و" الحداكة" من جهة اخرى تتجاوز هذه العادات هدف الاطمئنان على الاحباب و الاقارب فتتحول الى حملة تفتيشية تستهدف الاطلاع على كل صغيرة و كبيرة و ملاحظة اي تغير من اي نوع فالعائلة يجب عليها ان تكون مترابطة وتتشارك الاخبار و المستجدات في حياة افرادها برضاهم او رغما عنهم مهما كانت خاصة و حميمية والاقارب عليهم ان يكونوا على علم بكل ما يجري داخل بيوت الاخرين دون حواجز او موانع اضافة الى ان هذه الزيارات تتسم بجرعة كبيرة من المبالغة و الافراط في الترحيب بالاخر مما يحولها الى اشبه بمشهد كاريكاتيري او مسرحي يقوم به ممثل مبتدئ على التلفظ بكلمات حفظها عن ظهر قلب و ترسخت في عقله و فكره عبر اجيال حتى وصلت الى جيناته و فطرته و قد تكون هذه المبالغة و الحفاوة و الحماس المفتعل طريقة لملء الفراغ فلو تحلى الشخص بالصراحة و الشفافية قد لا يجد ما يقوله الضيف و المضيف لبعضهما كمثل الشخص الذي الذي يستمع الى موسيقى ايقاعية صاخبة للهروب من وطاة السكون و التغطية على اصوات داخلية مزعجة اما الاطفال المتسمون بالعفوية و الحقيقية غالبا ما يجدون في هذه المناسبات فرصة للترويح عن انفسهم و كسر المحظورات المفروضة من طرف اباءهم و فسحة للافلات من سلطتهم و الانطلاق بحرية و اندفاع و ربما بفوضى و شغب و جلبة دون حسيب او رقيب فمعظم الاباء يجدون في ذلك مناسبة للاستراحة من عناء تاديب و الحد من شقاوة اولادهم و القيام بواجبهم كمربين و مسؤولين عنهم بدعوى انهم اطفال و هم احباب الله مسموح لهم بكل التجاوزات مهما كانت مستفزة و بدعوى ان الفوضى ليست في منزلهم و من واجب المضيف تحمل شقاوتهم و تجاوزاتهم بصدر رحب و ابتسامة عريضة وبرغم تمضية ساعات طويلة في الثرثرة و تكرير كلام مكرر الف مرة فان ختام الزيارة لوحده يستغرق مراحل تبدا بذكر فكرة المغادرة و التي سرعان ما تقابل بالرفض من طرف المضيف بحجة ان الزيارة لم تدم سوى بضع ساعات غير كافية لاتمام الحديث و اشباع الاشتياق المتبادل مما يؤدي الى تمديد مدة الاقامة لساعات اخرى تنتهي بالوقوف امام الباب لاستدراك ما سقط من مناقشات و محادثات الساعات الطويلة من المؤسف ان كثرة البروتوكولات و الشكليات الطاغية تحول الزبارة من معناها الحقيقي كرمز للترابط و صلة الرحم و الخيط المتين الذي يوطد التماسك العائلي و بدل ان تكون الزيارة فرصة للاطمئنان على الاحباب تكون وسيلة للتجسس و الازعاج و التدخل في خصوصيات الاخرين و عوض ان تكون مصدر سعادة و لحظة تاخي و احساس بالدفئ العائلي و العزوة يتمناها الجميع لينعم بمحبة و مؤاخاة اقاربه و مؤازرتهم اصبحت مجرد ورطة و مشقة وواجب ثقيل على النفس ينفر منها الجميع