لعله من نافل القول التذكير بأن الدكتور حسن أوريد والأستاذ محمد الأشعري انتصرا في وقت سابق للسياسة على حساب الأدب والإبداع والفكر المشاكس والمنتقد والمتجرد من كل تبعات الأيديولوجيا التي تبعد المثقف أو المفكر عن الموضوعية والحياد النسبيين على الأقل،حينما تحمل كل منهما ، وبحماس ملحوظ ، مسؤولية إدارة الشأن العام الوطني ، حيث تقلد الأول مناصب عدة من أبرزها :الناطق الرسمي باسم القصر ، والمؤرخ للمملكة ، والوالي على جهة مكناس تافيلالت ، وشغل الثاني منصب وزير الثقافة في حكومة التناوب ، و تقلد أيضا منصب رئيس اتحاد كتاب المغرب . فالأول انشغل بالسياسة وتخلى عن اضطلاعه بمهمته في مركز طارق بن زياد ، والثاني غادر اتحاد كتاب المغرب ليلتحق بعد ذلك بحظيرة حكومة التناوب ، وبذلك يكون الرجلان انتقلا عن طواعية من عالم الفكر والإبداع ؛ عالم الصدق والمصداقية والأهداف النبيلة إلى عالم السياسة الذي عُرف منذ أمد بعيد بعالم النفاق والدسائس والكذب والافتراء على المواطنين متى ما دعت الضرورة إلى ذلك ، فخسر كل منهما رصيدا مهما من شعبيته لدى الشعب المغربي ، وهي النتيجة التي تدمر كاريزما المثقف الذي يدخل غمار السياسة الممارسة في بلد كالمغرب لم يمتلك بعدُ الأريحية والجاهزية اللازمتين لاحتضان ديمقراطية حقيقية .فيمسي هذا المثقف تماما كالذي يؤذن في مالطا على حد تعبير المسرحي القدير عبد الكريم برشيد . مناسبة هذا الكلام هو الظهور الملفت للرجلين معا ، حيث بات المواطن المغربي المهتم والمتتبع يقرأ بين الحين والآخر تصريحات للدكتور أوريد ،الذي آثر أن يحدث الناس هذه المرة وهو في جبة المثقف وليس السياسي ، منتقدا العمل السياسي بالمغرب ، وداعيا بلغة حازمة إلى ضرورة العودة إلى الديمقراطية الحقيقية ،بل إن الرجل لم يجد أي حرج من إطلاق صرخته المدوية " ما تسمحوش فينا " . أما الأستاذ الأشعري جاء ليقول للناس من خلال مسرحية "شكون أنت " أن الاستبداد والتسلط لا يزالا متجذرين في المجتمع السياسي المغربي ، وهو يدعو بشكل أو بآخر إلى ضرورة العودة إلى الديمقراطية التي يصبو إليها زميله في الأدب والإبداع الدكتور حسن أوريد . إن الرجلين خرجا منذ مدة من دائرة الضوء ، وكان لا بد من هذا الظهور المفاجئ والمكثف والقوي إعلانا عن عودة قوية لإخبار من يعنيهم الأمر ومعهم المغاربة أنهما هنا موجودان ولا زال في جعبتهما من "الذخيرة" ما يمكنهما من استرجاع مكانتهما وشعبيتهما لدى المغاربة ، فالدكتور حسن أوريد بات لا يتردد في البوح بكل ما يفكر فيه وما يخالجه بعد أن خبر دسائس السياسيين داخل القصر وخارجه ، وما لهذه الدسائس من تأثيرات سلبية على مسار الديمقراطية بالمغرب ، وكأن لسان حاله يقول للمغاربة أنني بمواقفي الحالية، وبالرغم مما قد تجره علي من ويلات ،فإنني أتبرأ مما سبق من صمت حول ما وقع وما سيقع ، ولن تنطلي علي من الآن فصاعدا حيل السياسي لتهزم في مكر ودهاء المثقف الحقيقي ،أما الأستاذ الأشعري فقد اختار الإبداع من خلال امتطاء صهوة أبي الفنون للتعبير عما تراكم لديه من تداعيات التسلط والاستبداد اللذين مورسا على المغاربة طيلة زمن بات معروفا تاريخيا بسنوات الجمر والرصاص ، وربما أيضا التسلط والاستبداد اللذين عاشهما شخصيا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي خاصة إذا علمنا أن العملية الإبداعية هي وليدة تجربة إنسانية صرفة لا يمكن إلا أن تشمل كل ما عاشه المبدع كسياسي وكمثقف بالطبع . وإشارة الأستاذ الأشعري إلى أن مسرحيته "شكون أنت " كانت إحدى بنات أفكاره منذ مدة طويلة ، لا تعني بتاتا أن الأشعري كتب المسرحية خارج سياق الراهن المغربي بكل تفاصيل رداءته على المستويات السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي . يبقى في الختام أن نتساءل هل عودة الدكتور حسن أوريد والأستاذ الأشعري إلى الأضواء هي مؤشر حقيقي على عودة قوية للمثقف المغربي إلى غمار المعركة الحاسمة لإصلاح السياسة بالمغرب، التي استطاعت ، أن تقولب البنية الذهنية لهذا الأخير ليستجيب ،طوعا لا كرها ، لكل مطالبها الكثيرة التي أساءت ، للأسف الشديد ، إلى كرامته كمثقف أولا وكإنسان ثانيا ...أم أن عودتهما إلى المشهد السياسي والثقافي هي عودة أملتها مرة أخرى الرغبة الجامحة للمثقف المغربي في احتلال مكان ما في واحة هذه السياسة الرديئة التي تغري رغم" بشاعتها " بظلالها الوارفة وعائداتها الكثيرة والمتنوعة ؟؟سؤال ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة، حينئذ سنقف مرة أخرى أمام السؤال الذي سيظل حارقا إلى أجل غير مسمى والسؤال هو: أيهما أجدر ببناء ديمقراطية حقيقية بالمغرب، المثقف أم السياسي ؟