لقد بدأ الإهتمام السياسي و العسكري للولايات المتحدةالأمريكية بإفريقيا يزداد منذ إنتهاء الحرب الباردة و الإعلان عن ميلاد ''نظام عالمي جديد''، فقد كانت للولايات المتحدة مبادرات و عمليات تدريب لقوات دول إفريقيا و تزويدها بالمعدات لكنها كانت لا تنطلق بهدف محاربة الإرهاب و إنما ترتبط في معظمها بعمليات حفظ السلام و الوقاية من النزعات و محاربة التمرد الداخلي و حماية منابع النفط . و نتيجة لتدمير السفارتين الأمريكيتين بكل من طانزانيا و كينيا في 1998 وسعت الولاياتالمتحدة من تعاونها لمحاربة الإرهاب مع كل من طانزانيا و كينيا و إثيوبيا و أوغندا. و هو التعاون الذي سيتسع ليشمل معظم الدول الإفريقية بعد أحداث 11 شتنبر 2001 ، حيث أقيمت عدة شراكات مع دول إفريقيا لتعزيز الأمن و محاربة الإرهاب. و إذا كان هذا الإهتمام الأمريكي قد تركز بداية في شرق إفريقيا و خاصة منطقة القرن الإفريقي فإن وجود نشاط الجماعة السلفية للدعوة و القتال الجزائرية في منطقة الصحراء الكبرى و التي اعلنت فيما بعد ولاءها لتنظيم القاعدة لتحمل اسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي و قيامها بعمليات إرهابية و عدم إقتصار نشاطها على الجزائر حيث امتد إلى كل من موريتانيا و مالي و تشاد و النيجر بل و ربطها لعلاقات مع جماعات متطرفة اصولية او ذات نزعات انفصالية في كل المنطقة ، جعل من منطقة الساحل الرقم الثاني في الحرب على الإرهاب فيما يتعلق بإفريقيا ،حيث كثفت الولاياتالمتحدة دعمها و تعاونها مع دول الساحل و دول المغرب العربي لإحتواء الجماعات المتطرفة و حرمانها من تكوين قواعد للتنظيم و التدريب و التجنيد . و تعتبر "مبادرة عبر الساحلPAN SAHEL" لسنة 2003 أول مبادرة أمريكية في المنطقة و خصص لها 6،2 مليون دولار ، و هدفها المعلن هو تدريب قوات البلدان المشاركة فيها(موريتانيا ،تشاد،مالي،النيجر)و مساعدتها على حماية ترابها الإقليمي من هجمات و تسلل الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، لكن اتساع خريطة هذه الصحراء و قاحلتها توضح أن هذا الهدف يصعب تحقيقه بأضعاف هذه القوات المدربة ، لهذا وسعت الولاياتالمتحدة منها في مبادرتها الجديدة "مكافحة الإرهاب عبر الصحراءTRANS- SAHARIAN COUNTER TERRORISME INITIATIVE " و التي أصبحت تضم المغرب و تونس و الجزائر و السينيغال و نيجريا كملاحظين ، إضافة إلى الدول الأربع المنخرطة في مبادرة عبر الساحل ، و قد تم الرفع من ميزانية المبادرة الجديدة لما بين 120 و 132 مليون دولار لسنة 2005 و ما بين 350 و 400 مليون دولار لتغطي السنوات الخمس لما بعد سنة 2005 ، و هو ما يعني إمكانية تدريب عدد أكبر من القوات و توفير وسائل و معدات المراقبة و الحراسة، و تتميز هذه المبادرة الجديدة بوضعها لإستراتجية متعددة الأبعاد و بأوجه متعددة تهدف للإنتصار على الجماعات الإرهابية بتقوية القدرات الإقليمية على محاربة الإرهاب و الرفع من التعاون بين القوات الأمريكية و قوات هذه الدول، و تهدف كذلك إلى دعم التنمية الإقتصادية و الحكامة و التعليم و المؤسسات الحرة و الديمقراطية. و قد قامت الولاياتالمتحدة بمناورات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة إبتداء من 6 يونيو 2005 و على مدار ثلاثة أسابيع و تهدف إلى التدريب على مكافحة الإرهاب، و أطلق على هذه العملية إسم فلينتلوك 2005 شملت خمس دول عربية و إفريقية هي مالي و النيجر وتشاد و موريتانيا و الجزائر، وتزامن مع مناورات أخرى شملت أربع دول هي السينيغال و المغرب و تونس و نيجيريا . و بهدف تعزيز التنسيق و التعاون العسكري بين أمريكا و دول المغرب العربي و الساحل تم عقد لقاء بقيت أشغاله سرية بين رؤساء أركان الحرب لثمان دول(تشاد،المغرب،مالي،موريتانيا،نيجيريا،السنيغال،تونس،و الجزائر) و القيادة الأوربية للجيش الأمريكي(UE-EUCOM ) في شتوتغارت بمقر هذه الأخيرة و ذلك بتاريخ 23-24 مارس 2004. و شاركت الولاياتالمتحدة بطريقة غير مباشرة في شهر مارس 2004 في عملية عسكرية قامت بها أربع دول من الساحل(مالي ، النيجر،تشاد، الجزائر)ضد الجماعة السلفية للدعوة و القتال. و رغم أهمية هذه العمليات إلا أنها سيف ذو حدين ، فهي و إن كانت تعمل على تقزيم هامش المناورة و الحركة لدى هذه الجماعات الإرهابية ، إلا أنها تعتبر عاملا مساعدا على زيادة عدد المجندين و المتطوعين في صفوفها بدعوى محاربة الصليبين الذين يعيدون غزو شمال إفريقيا. و لا يمكن النظر الى هذا المجهود الامريكي بمعزل عن التنافس الدولي حول ثروات منطقة الساحل خاصة بعد المجهود الذي تبذله الصين لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة و في افريقيا عامة، حيث تعتبر هذه المنطقة و امتداداتها نحو الجنوب او الشمال من اغنى مناطق العالم بالثروات النفطية التي قد تشكل بديلا للغرب عن نفط الشرق الاوسط بحكم القرب الجغرافي و طبيعة الانظمة السياسية الحاكمة في دولها ،علاوة على مختلف الثروات المعدنية كالذهب و اليورانيوم و الحديد و غيرها...و الذي تحتكر استخراجها و استغلالها شركات غربية، مما يجعل أي تواجد لجماعات اسلامية مسلحة منظمة تهديدا للمصالح الغربية . لقد كان احتمال التدخل الامريكي في المنطقة واردا منذ مدة ليست بالقصيرة إلا ان الخوف الامريكي من تكرار تجربة افغانستان و العراق منع الساسة الامريكيين من اتخاذ أي قرار في هذا الاتجاه و النأي بجيوشهم عن التدخل المباشر في أي نزاع، لكن تطور الوضع في مالي و المكاسب السريعة التي حققتها الجماعات الاسلامية على الارض بسيطرتها على عدد مهم من المدن ، ما كان ليرضي الساسة الغربين، لتأخذ فرنسا هذه المرة زمام الامور بالتدخل المباشر في الازمة المالية و بمباركة من الدول الغربية و على رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية التي اكتفت بالدعم اللوجيستيكي و الاستخباراتي. ان التدخل الفرنسي لن يكون نزهة سريعة في صحراء مالي، بل ان الوضع سيزداد تعقيدا و قد تطول الحرب ، كما ان التحوف الكبير هو تكرار السيناريو الصومالي في مالي هذا ان استطعت دول المنطقة حصر الازمة داخل الحدود المالية، علما ان معظم الدول المحيطة بمالي يمكن ادراجها ضمن الدول الهشة التي لابد ان يكون للازمة و تطورها انعكاس على استقرارها . انه ليس في مصلحة دول المنطقة عموما ان يستمر التدخل الفرنسي على ارض مالي لما له من انعكاس خطير على استقرار الاوضاع في جل دول المنطقة، و هو ما يوجب على هذه الاخيرة توحيد جهودها في حربها على الإرهاب بعيدا عن التدخل المباشر للدول الغربية، و ذلك حتى تستطيع القضاء على هذه الجماعات الإرهابية و طبعا يجب أن يتم ذلك في إطار مقاربة شاملة و متعددة الأبعاد تأخذ بعين الاعتبار جميع أسباب الظاهرة و مسبباتها. إن المخاطر و التهديدات تتنوع في منطقة الساحل ، من إقتصادية و إجتماعية و سياسية و ثقافية و عسكرية ، مما كان يقتضي من دول المنطقة التعامل معها و الإستجابة لها بإستراتجية شاملة و متعددة الأبعاد عوض المقاربة الأمنية التقليدية التي تم تبنيها في مواجهة هذه التهديدات . استاذ باحث