بدخول سنة 2013، يكون المغرب قد أمضى قرابة السنتين على بدء الحراك الشبابي الذي جعل النظام الملكي يختار طرقا ثانيا مغايرا لما شهدته دول الربيع العربي. وتكون السنة الأولى لتنصيب حكومة إصلاحية بقيادة فصيل لطالما ظل القصر يتوجس منه و ربما لازال. هذه المناسبة تجعلنا نحاول تقييم هذا المسار الذي سلكه المغرب و السؤال على مآلاته. بداية نؤكد على أن سلوك أي شعب مسارا سياسيا معينا لا يعني قط أنه تخلى للأبد عن الخيارات الأخرى، و بالتالي فنموذج التغيير الذي حذاه المغاربة، بعيدا عما عرفته تونس و مصر و ليبيا و اليمن و ما تعيشه سوريا، لا يعتبر صكا أبيض بيد مالكي السلطة و لا مشاركي الحكم. إذ أن هذا الخيار تم الانخراط فيه رغبة في بلوغ نفس الأهداف رغم اختلاف الوسائل، فتحقيق الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و ربط ممارسة السلطة بالمحاسبة و تكريس دولة الحق و القانون و فصل الثروة عن السلطة كانت و ستظل هدف المغاربة. هذا المعطى يفترض العمل على إنجاح هذا المسار كي لا يضطر المجتمع للبحث عن مسارات أخرى، نعتقد أنها ليست بالتعدد الذي يتيح كثيرا من هوامش المناورة. إنجاح مسار الانتقال النهائي من دولة التحكم إلى دولة التحرر و العدل في سياق مستقر سيجنب الوطن متاهات الهدم و إعادة البناء التي تعيشها إلى اليوم البلدان التي اختارت مسار الثورة. إن تقييم المشهد السياسي اليوم بالمغرب يقودنا لثلاث خلاصات مركزية: أولا : لا استقرار مع الجمود « Statu quo » يلاحظ الكثير من المتتبعين أن هناك رغبة كبيرة في الحفاظ على نفس بنية الحكم بالمغرب رغم ما يمليه دستور 2011، بما عليه من مآخدات، و ما يقتضيه السياق الوطني و الإقليمي. هذا المعطى يتأكد مع توالي الأيام من خلال العراقيل التي وضعت أمام حكومة عبد الإله بنكيران من أول أيام تعيينها إلى الآن. البداية كانت بتحميل التعيين الملكي لأمين عام حزب العدالة و التنمية حمولة تنتقص من أهمية ز محورية التنصيب البرلماني لها، تلتها ما سمي إبانها بمعركة دفاتر التحملات التلفزية، ثم منع رئيس الحكومة من الخطابة بصفته الحزبية بساحة عمومية، فالمناورات المتكررة لخلخلة التحالف الحكومي عبر أحزاب المعارضة تارة و عبر بعض مكونات الأغلبية، نهاية بما يقوم به قطاع واسع من الإعلام العمومي و الخاص، الذي يتفنن في إلصاق كل نقائص التدبير بالحكومة و نسب كل إنجازات الدولة لشخص الملك مع العلم أن المغرب يعيش بنية تتقاسم فيها الملكية السلطة التنفيذية مع الحكومة، مما يفترض اقتسام الفشل و النجاح في تدبير شؤون الوطن. إن وضع الجمود هذا، لا يضمن الاستقرار المبشر به حين إقرار التعديلات الدستورية. مما سيؤدي بشريحة عريضة من المجتمع إلى فقدان الأمل في خيار وعد بأن ممارسة الكثير من الإجراءات الديمقراطية (انتخابات، برلمان، حكومة...) سيؤدي إلى تغيير البنية السياسية للدولة، فقدان الأمل هذا سيعجل بالبحث عن نموذج آخر للتغيير. ثانيا: لا إصلاح مع الاستمرارية لا زال رئيس الحكومة يؤكد على أن نار الحراك الذي أحدثه حركة 20 فبراير كانت كافية لتدفئة قِدر السياسية بالمغرب بالقَدر الكافي لإنجاز إصلاح كفيل بإعادة التوازن للدولة و المجتمع بفاتورة أقل بكثير مما تدفعه اليوم بلدان الربيع العربي. هذه الفرضية تقتضي الدخول مباشرة إصلاح يكرس القطيعة مع السياسات التي توالت على المغرب منذ الاستقلال. غير أن حصيلة السنة الأولى لا توحي على كون قطار الإصلاح بدأ يشق طريق مسيرته على الأقل في المستوى السياسي. فبالرغم من الأوراش التي فتحتها الحكومة لإنقاذ سفينة الاقتصاد من الغرق، عبر ضبط التوازنات الماكرو-إقتصادية و إعطاء دينامية للعديد من السياسات القطاعية لإعطاء دفعة للدورة الإنتاجية، و سن عدد من القرارات و المشاريع للنهوض بالفئات الهشة حفاظا على السلم الاجتماعي. إلا أن كل هذا لم يرافق بالقرارات السياسية الكبرى التي ستطيح بالبنية العميقة لدولة المخزن، التي لا زالت تمسك كل خيوط السياسة و الاقتصاد و المجتمع و الثقافة عبر آلياتها التقليدية من تحكم و ريع و لعب على تناقضات المجتمع و تمييع للثقافة. إن استدراج الحكومة و قيادة التحالف الحكومي في الاستمرارية لإرسال المزيد من إشارات التطمين لتعزيز الثقة بين القصر و الإسلاميين، سيؤدي لتأخير الإنجاز و تعطيل سكة الإصلاح سيفقد القصر و حزب العدالة و التنمية معا ثقة الشارع في صدقية نوايا التغيير الموعود. فقدان الثقة تعني اليأس من مسلك الإصلاح من الداخل ليصبح الشارع حضن آمال التغيير. ثالثا: لا تغيير مع الفراغ الرغبة في التغيير التي عبر عنها شباب المغرب من خلال حركة 20 فبراير، قاد لفتح نافذة للأمل لزعزعة بنية المخزن و بداية طريق الدمقرطة. غير أنه عندما أخلى الشباب الشارع، لم تتم تلك الإنتقالة لمستوى بديل من الضغط يجعل الفاعلين السياسيين يستمرون في نفس الإيقاع الذي ساروا به في الفترة الممتدة من 09 مارس 2011 إلى 25 نونبر 2011. انسحاب طليعة المجتمع من شباب و مثقفين و نخبة من وضيفة المحفز للتغيير سيجعل المجتمع ينتج بدائل لا يمكن التنبؤ بشكلها و لا سقفها و لا توقيتها. و بالتالي فحالة الفراغ هاته ستدخل الوطن مرحلة غموض و غياب للبدائل قد تدفع فئات أخرى لركوب سفينة المجهول. اليوم المغرب في مفترق طرق يحتم على الملكية و الحكومة و الأحزاب و النخبة و الشباب، العمل على الدفاع عن الخيار الإصلاحي بإعطاء عملية التغيير الزخم اللازم لبلوغ أقصى مدى الانتقال لبلوغ دولة الديمقراطية و التداول.