منذ دسترته، اصبح مفهوم المناصفة مفهوما رائجا في الاوساط السياسية و الاعلامية،وهو مفهوم لم يكتب له ان يفلت من النمطية و السطحية التي ما فتئت تخترق مجالنا التداولي حيث تلاك الكثير من المفاهيم من طرف الجميع، وفي سياقات ملتبسة تجعلك تتساءل اكثر من مرة عن المعنى الذي حمله المفهوم لحظة نحته،و عن المعاني المختلفة التي يتلبسها او تتلبسه في استدعاءاته المتعددة. ان طرح السؤال عن المناصفة و علاقتها بإنصاف المرأة ،يعتبر في حد ذاته مغامرة ما دام المفهوم قد أقحم في مجال" المقدس الجديد" ،مما يجعل كل محاولة قراءة له خارج نطاق الاحتفائية و الانتشاء ،تمترسا في معسكر المناوئين لحقوق المرأة و الملتفين على مكتسباتها.و مع ذلك يتطلب الامر محاولة تفسيرية ما دمنا بصدد مقتضى دستوري جديد مفتوح على محاولة الفهم و الاجراة، خاصة و انه ورد في سياق التمكين الحقوقي للمرأة على قاعدة المساواة مع الرجل في الحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية في نطاق احكام الدستور و ثوابت المملكة و قوانينها.علما ان المناصفة في النسخة العربية للنص الدستوري اعتبرت مبدأ في حين وردت في النسخة الفرنسية مفهوما مجردا من صفة المبدأ ،و الى حين الحسم في اللغة التي كتبت بها النسخة الاصلية من الوثيقة الدستورية ،و اللغة التي ترجمت اليها لاحقا ،يحق لنا ان نتساءل ان كانت المناصفة مبدأ بالمعنى القيمي الذي يضفى على المبادئ التي تسعى في النهاية الى اقرار اعتبار ذو اساس اخلاقي ،من قبيل الانصاف و الكرامة و الحرية و المساواة؟ ان المناصفة في جوهرها ليست مبدأ و انما هي آلية كمية نحقق من خلا لها تواجدا عدديا متعادلا على اساس الجنس، ليس فقط في التمثيلية السياسية ،بل في مختلف مواقع المسؤولية و القرار في الحياة العامة.و لا شك ان الباعث على المطالبة بالسعي الى اقرارها يأتي نتيجة تشخيص واقع يشي بكثير من الحيف و الاجحاف و التمييز الذي لحق المرأة، فأفضى الى حضور لا يعبر عن تناسب حقيقي مع المجهود التنموي الكبير الذي تبذله من مختلف مواقع المسؤولية التي تتحملها.هناك اذن عقلية اجتماعية و ثقافية تنتج التمييز ضد المرأة .غير ان الاكتفاء بإجراءات كمية تضمن لها حضورا مساويا للرجل في المناصب من خلال اقرار تشريعات تفرض محاصصة معينة ،لا يمكن ان يشكل حلا وحيدا لمعاناة النساء من ممارسات اللاتقدير و اللاعتبار للكينونة الانسانية الكاملة التي تمثلها و للأهلية و النضج الانساني الذي يجعلها كائنا راشدا و مسهما فعليا في مسيرة البناء البشري. ليس المطلوب اليوم جعل المناصفة معركة متمركزة حول المرأة لكونها امرأة ،او لان جنسها الطبيعي وحده يمكن ان يشكل امتيازا يؤهلها لبلوغ مراكز معينة دون استحضار معايير اخرى من خلال اجراءات تفرض بقوة القانون.وإنما المطلوب اليوم، العمل على معاودة صياغة وعي مجتمعي انتج التمييز و التهميش و الاقصاء في حق المرأة، في اتجاه بلورة وعي بديل يفسح المجال كاملا امام مقدرات المرأة و كفاءاتها و استحقاقها مع استحضار خصوصياتها.عندها ستتمتع بحقوقها كاملة في تنافس شريف مع من يترشح معها لبلوغ مراكز القرار من جنسها او من جنس شريكها الرجل. لقد اعتمد المغرب قبلا اجراءات للتمييز الايجابي لتشجيع بلوغ المرأة مواقع القرار السياسي مراعاة لاكراهات الوضع القائم الذي حال تاريخيا دون هذا البلوغ، وتمكنت هذه الاجراءات الانتقالية في جوهرها من تحقيق تقدم ملحوظ على هذا المستوى، و هو امر ايجابي لا ينازع فيه احد. غير ان قراءة نقدية متفحصة للواقع، تفضي الى خلاصة واضحة مفادها ان التطور الحاصل في التمثيلية السياسية للمرأة في بعض المؤسسات نتيجة الكوطا المعتمدة،لا يوازيه عمل جدي على مستوى تغيير بنية الوعي المنتج للإقصاء و التهميش.فبمجرد ما تغيب الكوطا كإجراء قانوني قهري، تغيب معها تمثيلية المرأة الطوعية التي يمكن ان تنم عن حدوث تقدم ثقافي و اجتماعي، و امثلة ذلك تكمن في الحضور الباهت للمرأة في مجلس المستشارين و في مجالس الجهات و العمالات و الاقاليم و الغرف المهنية،بل و في الحكومة نفسها مما يدل على ان البنية الحزبية المغربية لا تزال ثابتة في مجملها على مستوى تمثلها للكفاءة النسائية، مما ينعكس ايضا على نسبة ترشيح النساء في اللوائح المحلية. وبذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو:ماذا لو اوقفنا اعتماد نظام الكوطا ؟ما قدر الاختراق الذي سنرصد تحقيقه على مستوى الوعي الاجتماعي و الحزبي على الخصوص؟من المشروع ان نتخوف من امكانية العودة الى الصفر بمستويات مختلفة .لذا لابد من اعتبار ان النضال المنتج ،لابد وان يركز على تراكمات سلبية انتجت وضعا مختلا غير منصف للمرأة .في حين ،لاتنتج الاجراءات المجتزأة إلا وضعا مفارقاتيا ينبئ بوجود هوة في حاجة الى مجهود مضاعف لردمها، بين الانضباط للقانون لطابعه القهري الزجري و بين التصرف وفقا للقناعة و المبدئية المناصرة لقضية المرأة العادلة بخصوص المناصفة اذن ،لن يشرفنا كنساء ان يكون منتهى نضالنا انتزاع مناصب بمقاربة كمية عددية لكوننا نساء و لا شيء غير ذلك، اي ان نحظى بمنصبين من اصل اربعة مناصب ،لا لشيء إلا لأننا ولدنا نساء. معركتنا انبل من ذلك بكثير،انها التصدي لمنابع التمييز التي تجعل الاب يضحي بتعليم الفتاة لان مصيرها الزواج، ليتمكن من تعليم الصبي لأنه مسؤول الغد .معركتنا تكمن في توفير الظروف للفتاة لتتم دراستها حيث تضطر للانقطاع مخافة تعرضها للاعتداء في المسالك الصعبة التي تسلكها صوب المدرسة،معركتنا تكمن في انهاء مظاهر الجهل و التخلف السائدة داخل احزاب عتيقة يلجها الاعيان بأميتهم، لكن بمحافظهم المليئة بأموال سرعان ما تتهاوى امامها شعارات التقدمية و مناصرة المرأة التي تستحيل امام جهل هؤلاء، مجرد امرأة لا يغامرون بتقديمها في حساباتهم السياسية الصغيرة. لقد اورد الدستور في الفصل 92 مبادئ و معايير التعيين في الوظائف و المناصب العليا التي حددها في تكافؤ الفرص و الاستحقاق و الكفاءة و الشفافية، ولم يورد المناصفة ضمنها ،غير ان القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في هذه الوظائف جعل من المناصفة معيارا اضافيا .و هو ما ينم عن ارادة في التقدم صوب حضور نسائي اكبر في مختلف المواقع .غير ان المناصفة بهذا المعنى ستظل مجرد الية كمية لا ترقى الى مستوى المبدأ الانساني الاسمى و هو الانصاف على قاعدة الحقوق و الواجبات .و يبقى النضال مستمرا للانتصار للمبادئ ،التي من خلالها يبنى الوعي الجديد الذي نريد. --- نائبة برلمانية