رغم الظلم المجحف وسياسة الإقصاء العلني الذي طال ولا يزال كافة مدن الجنوب الشرقي عامة ومدينة تنغير خاصة، إلا أن ما تعيشه هذه المدينة اليوم يؤكد وبالملموس أن الماضي المظلم قد يكون رحيماً بالمقارنة مع الحاضر والواقع المعاش. فلطالما استبشرنا خيراً بحصول تنغير على العمالة وقدوم عامل صاحب الجلالة كأبرز شخصية يمكنها أن تغير موازين القوى وانتشال تنغير من السياسية العفنة التي يتخبط فيها المسؤولين، وأنها ستحظى باهتمام كبير سينير الطريق أمام التقدم المنشود وعاملاً سيساعد على العمل بتوجيهات وتوصيات الملك الذي ينجز ويدشن المشاريع التنموية أينما حل وارتحل مشاريع تنموية وإن لم تكن في نظر البعض كافية بالمقارنة مع حجم الثروات التي تنعم بها البلاد في البر والبحر كما التي يراكمها المسؤولين، إلا أنها على الأقل تحفظ ماء وجه هذه المناطق وسكانها وتبعدهم عن طي النسيان وتحيي فيهم الأمل في غد يرفع فيه التهميش والإقصاء ولو بشكل تدريجي أو نسبي. ولا جدال اليوم أن لسان حال مدينة تنغير يؤكد أن المدينة ليست كباقي المدن لا شكلاً ولا مضموناً، وما هي إلا مرتع لللامبالاة والاستهتار بحقوق المواطنين وتعبير صارخ عن الاحتقار العلني الذي يكنه المسؤولين لساكنة هذه المنطقة المظلومة شيباً وشباباً. فمنذ متى وساكنة تنغير تحلم أن تنعم ببنيات تحتية أساسية كسائر المدن من طرق مهيئة وقنوات صرف صحي تنجيهم من اختناق الطرق القليلة والروائح المنبعثة المسببة للأمراض؟ ومنذ متى يحلم أطفال تنغير باللعب في الحدائق والقاعات والصالات الرياضية التي تبني عقولهم وأجسادهم وتقيهم شر الانحرافات والتغلغل في المحظورات؟ منذ متى والأخت والأم وكل النساء يحلمن بتوفير مصحات عمومية ومستشفيات مجهزة بالأطر وتقدم كل الخدمات، لتقيهن من شر السفريات إلى الراشيدية وورزازات وربما إلى أبعد من ذلك؟ منذ متى والتلميذ وطالب العلم يرفع الشعارات تارة أم مقر البلدية وتارة أمام مقر العمالة طالبًا الحصول على دريهمات رمزية للنقل لا تكفيه إلا لسد رمقه أثناء السفر أما نقود الحافلات فيقدمها من ماله الخاص، يقينا منه أن البلدية تحتار وتتعمد التعنت والتحجج بالمساطر القانونية أمام أبسط المواطنين وما يحتاج القانون والمساطر هم مسؤولي الفساد والملفات الشائكة والمشاريع التي لم تر النور. ومنذ متى والساكنة تحلم أن يغير فندق عمالة تنغير واقع المؤسسات العمومية التي تعمل بشكل عشوائي وبدون احترام للمواقيت وتسلط المسؤولين، فهم يتناوبون على شغر مناصبهم، بعضهم صباحاً وبعضهم مساءاً، وما على المواطن الذي يريد الحصول على خدمة معينة إلا أن يأتي بالوثائق صباحاً، ويتركها ليأتي موظف آخر في المساء ليوقعها أو يرفضها بالبث، وهذا طبعاً إن كان سعيد الحظ ولم يكن هنالك إضراب عن العمل المعتاد بسبب "قلة الشغل". منذ متى والأمهات يحلمن بأن تعمل وزارة التجهيز والنقل بتعاون مع وزارة الداخلية على وضع علامات المرور الخاصة، ووضع تجهيزات الإنارة العمومية في المدينة المظلمة وتكليف رجال الشرطة المرورية بالسهر على راحة الأطفال الذين يعبرون طرقات غير آمنة غالبا ما يذهب ضحيتها أبرياء يطلبون العلم صباح مساء ومعها معانات الأمهات اللواتي لا يهنأ لهن البال إلا بالعودة إلى المنزل دار الأمان الوحيد. منذ متى ... وإلى متى ؟؟ سيظل المواطن المسكين يطالب بهذه الحقوق البسيطة التي تكفلها كلها التشريعات السماوية والآدمية، أشياء بسيطة بإمكان أية جمعية تنموية تحترم نفسها تحقيقها بدعم من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخارجية، وما التجهيزات والقوافل الطبية الأجنبية وسيارات الإسعاف والتجهيزات الرياضية إلا أمثلة بسيطة لجمعيات ناجحة اختارت خدمة الصالح العام بتفان وإخلاص. جمعيات لا تستفيد من عائدات منجم الفضة ولا تتوفر على الفنادق ولا على مقالع الرمال ولا تغتني من ضرائب المواطنين، بل فتحت أرصدتها من دعم المنخرطين والمساعدات الخارجية لتعمل على تأهيل المناطق الهامشية المنكوبة وجلب المصلحة العامة في تحد لكل الظروف التي قد تعيق عملها لأن الإرادة والعزيمة وصدق النوايا أقوى سلاح تمتلكه الجمعيات على خلاف المؤسسات العمومية ومسؤوليها. ومن هنا تحية تقدير خالصة لكل فرد يسعى لخدمة الصالح العام وخاصة الجمعيات الأبية. مهما يكن من أمر فإني أخشى على مدينة تنغير وساكنيها أن تغرق أكثر مما هي عليه الآن، لأنه في مثل هذه المدن التي تحكمها العشوائية واللامبالاة ما أن تطلب الزيادة إلا وعليك أن تتوقع النقصان، فإلى وقت بالأمس القريب تعايش السكان مع الطرق رغم قلتها وحالتها المزرية، إلا أنه ومع بدأ الأشغال مؤخراً وفي السنوات الفارطة عمت الفوضى الشوارع وآثار الأشغال في كل مكان والحفر بالمئات ما أثار حفيظة مستعملي الطرق وأصحاب المحالات التجارية والساكنة عموماً. يمكن القول إذن أن الطرقات تلاشت "وتفَتتْ" عوض أن تكون قد أصلحت "وتزفتتْ". وبذل تأهيل المدينة تم إفلاسها وما زاد الطين بلٌة والكارثة العظمى أن حفر قنوات الصرف الصحي في مرحلة الأشغال لم تكن بالمستوى المطلوب ما نجم عنه إتلاف هذه القنوات وتسبب في غرق الشوارع والطرقات بمياه الواد الحار العفنة، وإلى يومنا هذا لا تزال ساكنة تنغير عموماً و"الْقصْر الْجْدِيدْ" و"تِيحِيتْ" خصوصا تشتكي المسؤولين إلى العلي القدير الذي يمهل ولا يهمل بعد أن سدت في وجوههم جميع الأبواب وتمت مصادرة حقهم بالوعود الزائفة، وللإشارة أيضاً فهناك من ساكنة هذه المناطق أي "تِيحِيتْ" و"القصْر الْجَدِيدْ" من لا حيلة لهم إلا التعايش مع المياه العادمة والروائح الكريهة التي تجرى أمام منازلهم أو بالمحادات منها على بعد أمتار فقط. وكأنها مياه طبيعية لا تهم المسؤولين في شيء ولا تشكل هذه الكارثة خطراً على صحة العموم والأطفال خاصة. هنا تحولت النعمة إلى نقمة لا ناقة للساكنة فيها ولا جمل اللهم الأمراض ومرارة العيش مع استمرار هذا النزيف المشؤوم، لكن السؤال المطروح ماذا لو حدث الأمر بالقرب من محل سكنى سيدنا المسؤول؟ وما عساه أن يفعل؟ الأكيد أنه سيقيم الدنيا ولن يقعدها حتى يتم وقف هذه المهزلة وإلى غير رجعة. والأكيد أيضاً أن حرصكم على حياة عائلاتكم أكبر من أي شيء في هذه الدنيا، والأكيد أنكم بوعودكم الكاذبة تحتقروننا "تستحمروننا" وتغتالون في وجوهنا الفرحة ونعمة الحياة وما علينا نحن المواطنين العزل إلا الشكوى لرب العالمين. ليس هذا فقط، فمن استبشر خيراً بحصول تنغير على العمالة دون مناطق أخرى والذي اعتبر انجازاً رحب به الكثيرين لم يكن سوى خيال نظري، وتبين اليوم أن قرار منح العمالة والإقليم انتقام تطبيقي لم يكن حباً في سواد أعين أبناء المدينة ولا رغبة في إصلاح ما بها من شوائب ومشاكل. لكن اتضح جليا أنها عمالة تهدف بالأساس تكريس ما هو كائن بل الحفاظ عليه وذلك بتسخير جميع القوى الممكنة، ومما لا شك فيه أن الوزارة الوحيدة التي تعمل ليل نهار وبشكل جدي في تنغير هي وزارة الداخلية حفاظا على مصالحها ومؤسساتها ولذلك تم خلق مراكز جديدة للدرك وقيادات مركزية وثكنات عسكرية ثابتة ومتنقلة بهدف تربية المواطنين على المواطنة الحقة والمسؤولة!! بل ذهب البعض إلى التشكيك في أصول النزاعات الأخيرة التي نشبت حول أراضي الجموع بين مختلف القبائل والتي لم يسبق لمثل هذه الإشكاليات أن تطورت إلى الحد الذي وصلت إليه آنذاك متهمين بعض شيوخ القبائل وبعض ذوي النفوذ في المنطقة بالسعي لبث التفرقة وإثارة النزعات القبلية ونشر الرعب بين الساكنة لكي يفتح المجال على مصراعيه لتدخل السلطة وتوسيع دائرة نفوذها، بذل تقديم إجابات واضحة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي يشتكي منها المواطنون. يبدو إذن أن تنغير وبسبب تعدد المشاكل والأزمات التي لا تنتهي مدينة ليست فقط على الهامش وإنما خارج الزمن، مدينة خارج الحسابات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وو... للمملكة المغربية، مدينة توجد فقط على الخريطة الرسمية للبلاد كأكبر مركز لاستخراج الفضة وما عدا ذلك فهي غير مرغوب في تواجدها. وللأسف أذكر في العمل وفي الدراسة أن أبناء تنغير يحسون بالظلم بالغربة والاغتراب ألقسري في هذا الوطن عندما يسألون عن المنطقة التي قدموا منها أو عن مكان سكناهم يردون بصوت متفائل من مدينة تنغير ولكنهم سرعان ما يفاجئون بعلامات الحيرة والأسف لعدم وجود المدينة ولو في مخيلة المغاربة وهو أضعف الإيمان وأنهم لم يسمعوا سوى عن ورزازات والرشيدية وما بينهما إلا خلاء وصحراء لا حياة فيها لا شجر ولا حجر ولا بشر. فعلا لم نطلب يوما بالمستحيل ولم نطلب تزويد تنغير بقطار TRAM WAY ولا بملعب كرة قدم بعشب اصطناعي ولا بإنشاء مركز Morocco Maal ولا بتنظيم مهرجان موازين تنغير ولم ولا ولا ولم... لكن من حقنا كمواطنين نتشارك حمل نفس البطاقة الوطنية سواسية أمام القانون ندفع ضرائب يدفع مثيلاتها سكان الفيلات في حي الرياض وسلا ويتمتعون بجميع الخدمات الأساسية كما مختلف المدن المغربية أن نطالب بحقنا في التنمية ورفع التهميش والاحتقار. ولا يمكن القبول بالعيش في مغرب التناقضات يدعي الوحدة ويكرس التفرقة، يدعي التنمية ويرسخ التجويع والتفقير، ولا يعقل بناء مغرب الحداثة والتقدم على أنقاض فقر وتهميش مدن مغرب قيل عنه غير نافع وأثبت الواقع أنه غير نافع لأهله طبعاً وثري لغربائه. كما لا يمكن الصمت أمام تعنت السلطات والمسؤولين بالمنطقة في الاستجابة للمطالب الملحة والمشروعة للساكنة، ومنها وقف نزيف الواد الحار الذي يتهدد حياة الساكنة وتجهيز "مستوصف تنغير" أو ما يمكن تسميته بمحطة قطع تذاكر ورزازات والرشيدية، في أمل تدشين المستشفى الإقليمي، ووقف سياسة اللامبالاة والاحتقار التي يقوم بها زعماء الأحزاب السياسية بالمنطقة وذوي السلطة والنفوذ. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.