منذ أن ظهرت ببلادنا أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد أو داء "كوفيد -19″، الوباء الفتاك الذي بعثر جميع الأوراق وأنهك اقتصاديات العالم ولم ينفك يحصد آلاف الأرواح بلا أدنى رحمة، والمغاربة قاطبة كبارا وصغارا ، إناثا وذكورا، بمن فيهم المتشككون أيضا في وجوده، يعيشون حالة من القلق والتوجس، رافعين أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يرفع عنهم والإنسانية جمعاء هذا البلاء، يحذوهم الأمل في أن يعجل الباحثون والعلماء بإنتاج لقاح مضاد للجائحة، يكون بمقدوره إعادة البسمة المفقودة إلى الشفاه، والسكينة والطمأنينة إلى النفوس الحزينة. وكان كلما ارتفع المنحنى الوبائي في البلاد من حيث تزايد أعداد الإصابات الإيجابية والحالات الحرجة التي تستدعي التنفس الاصطناعي داخل غرف الإنعاش وتنامي عدد الوفيات، وكلما تواترت الأخبار عن امتلاء المستشفيات بالكوفيديين وتضاعفت كلفة العلاج في المصحات الخاصة، إلا وتعاظمت معها مخاوف الناس، ولاسيما في صفوف الأطفال وكبار السن بعد فقدان أحد الأقارب أو الجيران… بيد أنه بمجرد ما زفت لهم وسائل الإعلام بشرى إعطاء ملك البلاد محمد السادس تعليماته بإطلاق عملية تلقيح واسعة ضد كورونا في غضون الأسابيع القليلة القادمة، من خلال ترؤسه لجلسة عمل يوم الإثنين 9 نونبر 2020 خصصت لاستراتيجية التطعيم، باعتبارها العملية الوحيدة التي من شأنها بث الأمل في النفوس ورفع الهواجس والوساوس المؤرقة، حتى تنفس المغاربة الصعداء وباتوا يترقبون بشوق كبير ساعة الحسم، لانطلاق هذه العملية الطموحة والفريدة من نوعها، التي تهدف إلى تأمين تغطية الملايين بلقاح ثبتت نجاعته كوسيلة مناسبة للتحصين ضد "كوفيد -19" والتحكم في انتشاره، شريطة أن يستعمل في حقنتين تفصل بينهما ثلاثة أسابيع. ومن المتوقع أن تشمل الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد الفيروس التاجي حوالي ثمانين في المائة من الساكنة في جميع جهات المملكة، وأن تتم عملية التطعيم التي وضع لها جدول زمني مضبوط وفي فترة لا تتجاوز 12 أسبوعا على أبعد تقدير. وحسب ما ورد في البلاغ الملكي الصادر في 9 نونبر 2020 سيستفيد منها الأشخاص البالغون من العمر أزيد من 18 سنة، مع إعطاء الأولوية للعاملين في الخطوط الأمامية من مهنيي قطاع الصحة والسلطات العمومية وقوات الأمن ونساء ورجال التربية والتعليم وكبار السن والفئات الهشة للفيروس من حاملي الأمراض المزمنة، قبل توسيعها على باقي السكان. وجدير بالذكر أن عملية التلقيح جندت لها عدة لجن وموارد مالية وبشرية هامة، من بينها لجن مركزية تعنى بإعداد اللازم من الوثائق والخطط والمستلزمات، وأخرى تقنية عهد إليها بوضع دلائل تقنية حول اللقاح وتكوين فرق التلقيح قبل انطلاق العملية، فضلا عن اللجنة الدولية المكلفة بالترخيص لتعميم اللقاح على التراب الوطني، واللجنة اللوجستيكية المسند إليها مهام تقييم الموارد المتوفرة والواجب اقتناؤها والحفاظ على جودة اللقاح منذ وصوله إلى مرحلة الاستعمال الميداني… وعملا على تبديد المخاوف من اللقاح الصيني المتفق على استعماله والحد من درجات التشكيك في مدى نجاعته وأهدافه، أبى كثير من أبناء الوطن الأوفياء بمختلف القطاعات الحيوية إلا أن يسارعوا إلى إطلاق حملات توعوية وتحسيسية لطمأنة المواطنات والمواطنين وإقناعهم بجدوائية التلقيح، للخروج من هذه الأزمة الصحية الخانقة التي أرخت بظلالها على جميع الميادين وخلفت تداعيات اجتماعية واقتصادية قاسية، وفي مقدمتهم الأطباء والممرضون الذين لم يحد من عزيمتهم الفولاذية إخلال وزير الصحة خالد آيت الطالب بما تعهد لهم به من التزامات، وعدم القيام بتنفيذ وعوده فيما يتعلق بإحداث مكافأة عن المردودية والزيادة السنوية في التعويضات عن الحراسة والخدمة الإلزامية والمناطق النائية، وتحفيز موظفي الصحة المشاركين في التظاهرات الصحية… فهؤلاء الأطباء وغيرهم من الشرفاء في كافة الميادين الإعلامية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها تعاهدوا على التصدي إلى موجة التشكيك التي لا يخلو منها أي بلد في العالم، معتمدين في ذلك على تبسيط الشروحات العلمية، والرد على مجمل الاستفسارات التي تقض مضاجع المتوجسين من اللقاح. إذ بالرغم من تكتم السلطات العمومية والصحية بوجه خاص عن موعد انطلاق عملية التلقيح، فإن بعض الأطباء بادروا إلى عرض معارفهم على صفحات التواصل الاجتماعي ومحاولة تقريب المواطنين من أدق تفاصيل اللقاحات المعتمدة من قبل اللجنة العلمية والسلطات الصحية، مؤكدين على أن اللقاح الذي وقعت بشأنه اتفاقيتا شراكة مع المختبر الصيني "سينوفارم" لا يقل فعالية عن غيره من اللقاحات المنتجة حديثا، وأنه بإمكانه هو أيضا المساهمة في منح الجسد القدرة على مقاومة مرض "كوفيد -19″، وتمكينه من الدفاع عن نفسه، خاصة أن الصين الشعبية مشهود لها منذ القدم بالكفاءة العلمية والدقة في مجال إنتاج اللقاحات الفعالة. إن المغاربة بكل أطيافهم ومكوناتهم مدعوون اليوم إلى استبعاد منطق التشكيك وعقلية المؤامرة، واستحضار قيم التضامن التي جبلوا عليها منذ عقود، وأبانوا عنها فرادى وجماعات في أحلك الظروف والأزمات. وأن ينخرطوا بروح المواطنة السامية في عملية التلقيح المرتقبة، ولاسيما أن الملك أمر باعتماد مجانية "تلقيح كورونا" لفائدة الجميع بدون استثناء، وأن يضعوا نصب أعينهم أن المغرب الذي يعد رائدا في عمليات التلقيح، لما يتوفر عليه من لوجستيك وخطط متميزة، وما راكمه من تجارب ناجحة، لا يمكنه تطعيم مواطنيه وعلى رأسهم أطر الصحة والأمن والجيش والتعليم بلقاح مشكوك في سلامته ونجاعته.