المؤكد أنه سيكون من "الحماقة المعرفية" ادعاء تقديم فهم متكامل، ولا حتى أوّلي، بخصوص مفهوم في حجم "الأكاديميا" بنشأتها ومرجعايتها ونظرياتها وتياراتها... ودونما تغافل عن مواضيعها الفرعية ذات الصلة بقناة تصريف المنتوج الأكاديمي مثل اللغة الأكاديمية والخطاب الأكاديمي والترميز الأكاديمي... موازاة مع ما يصاحب التعاطي الأكاديمي، ومن ناحية "اللاعبين" هذه المرة، من تعصب أكاديمي وعنف أكاديمي واستعلاء أكاديمي... ومع ما يميِّز هؤلاء الأكاديميين من عداوات معلنة وغير معلنة ومن حروب مفتوحة ومستترة ومن بريق لوثة ال"د" (دكتور)... ودونما تغافل، أيضا، عن هويات الأكاديميين الاجتماعية وعن المجتمع الأكاديمي... وصولا إلى الموضوع الأهم، بالنظر ل"الجذر" الذي نصدر عنه، والمتمثِّل ب"دور المثقف" على نحو ما يسعى إلى الاضطلاع به أكاديميون... وعلى ما يترتب عن ذلك من متاعب تمتد من المراقبة إلى الملاحقة... ولتتجاوز كل ذلك، في أحيان، نحو التهديد بالقتل أو حتى القتل وبمعناه الحرفي. والحرص على أداء دور المثقف هو ما يسقط أكاديميين في "الشعبوية"؛ لكن دون أن يعني ذلك أن الحرص في حد ذاته، وعلى أداء الدور سالف الذكر، هو ما يلطخ الأكاديميين بلوثة الشعبوية. فالقضية، هنا، هي من خارج صلة السبب بالنتيجة أو العلة بالمعلول. واللافت، هنا، أن الشعبوية تبدو مفهومة في الصحافة وفي أشكال أخرى ذات صلة وطيدة ب"التجييش العاطفي" و"التشحين الإيديولوجي"... مقارنة مع قلعة محصَّنة في حجم "قلعة الأكاديميا" بلغتها الرصينة وبنخبها المنغلقة على ذاتها. وقبل أن نعرض لبعض "دلالات المثقف"، وعلى نحو ما يمكن استخلاصها من إنتاج أكاديميين، تجدر الإشارة إلى أنه ليس جميع الأكاديميين يسعون إلى الانتساب إلى "جوقة المثقفين" والاضطلاع بالتالي بدور المثقف وبما يضمن لهم أكثر من شكل لتقليب الشفاه بخصوص الثقافة والمثقفين. وكما قيل: "فليس كل أكاديمي مثقفا، وكما أنه ليس كل مثقف أكاديميا". وكما أنه لا بأس من التذكير، وهو أمر بديهي، أن الأكاديميين هم من علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والأنثروبولوجيا والإتنوغرافيا، وهم من المؤرخين والجغرافيين، وهم من اللسانيين والسيميائيين ودارسي الأدب... إلخ. وحتى إن كنا لا نرغب في أن نسأل حول ما يوحِّد أو ما يصل ما بين هؤلاء الأكاديميين، في توزعهم على هذه العلوم والمعارف، وعما إذا كان لدينا أكاديميون في العالم الثالث (تبعا للسؤال القديم/ الجديد)، فإن ذلك لا يحول دون التشديد، وكما يتصور أحد الدارسين، على أن الأكاديميين لا يشكِّلون، في الحقيقة، طبقة أو فئة أو شريحة اجتماعية موحدة؛ لأنهم وكما في التصور نفسه ينحدرون من مختلف الطبقات والشرائح، ومن شتى التيارات السياسية والمذاهب العقائدية الإيديولوجية؛ مما لا يحفّز، وإبستيمولوجيا، على الاستقرار بصدد لغة واحدة في التعامل معهم. والظاهر أن الأكاديميين، ورغم "الهالة المعرفية" (الانغلاقية) التي يحيطون بها ذواتهم، لا يمكنهم أن يكونوا بمعزل عمّا يحصل ويجري في الوسط الذي يتحرّكون فيه وينتجون فيه "أعمالهم الأكاديمية"... ولعل هذا ما يجعلهم، وابتداءً، وبخاصة الصنف الذي ينتظم ضمن العلوم الاجتماعية، محط مراقبة من قبل "جهاز الدولة" المعني بهم... ولعل هذا ما يجعلهم، وهذه المرة من ناحية مقابلة، وهي ناحية الاستقطاب والتأثيث، محط اهتمام "حكام" أو من يتولّون "التسيير الحكومي" ويعون في الوقت ذاته "شرعنة الحكم" التي لا يتمّ التأشير عليها إلا من خلال خاتم الأكاديميين ومن يحظى بمكانتهم. وفي هذا الصدد أمكننا فهم الأخبار التي تشير إلى من يرافق هؤلاء الحكام، أو المسؤولين الكبار، وفي الخارج تعيينا، من وزراء ونشطاء من المجتمع المدني... ومن أكاديميين في دلالة على ما يمثله هؤلاء من "قوة مغايرة" بحكم من "المسافة" التي عادة ما يعتمدونها في النظر إلى المواضيع والقضايا والملفات. وفي هذا الصدد أيضا قرأنا عن بعض الأكاديميين من الذين يرفضون "مرافقة" بعض المسؤولين في دلالة معاكسة، هذه المرة، على حضورهم الذي يحرصون على صيانته من أي "لطخة" قد تغيّر، بعضيا أو كليا، من "صورتهم الأكاديمية". هذا وإن كانت الحالات الأخيرة نادرة، جدا، في الملعب العربي... مقارنة مع نظيره الغربي. والمؤكد أن الاضطلاع بدور المثقف، ومن قبل الأكاديميين أنفسهم، لا يخلو من أهمية بالغة بالنظر إلى ما ينطوي عليه حضور من هذا النوع من أهمية بالغة في نطاق تجاور الأنماط (أنماط المثقفين) وعلى النحو الذي لا يخلو من "تضاد" يكون قرين "التنويع" الذي يبلغ حد "الإثراء". وحتى إن كانت المجتمعات الأكاديمية قد صارت في العالم الثالث مسرحاً للتنافر أكثراً منها مصنعاً للإبداع، كما تصور البعض، فإن المشكل الآخر، أو بالأخرى الغالب والجارف، هو في "الانغلاق السكولاستيكي". وفي الحال العربي فإن الأمر يخالف "الانغلاق السكولاستيكي" (L'Enfermement Scolastique) الذي تحدّث عنه السوسيولوجي الفرنسي الراحل بيير بورديو (Pierre Bourdieu) في كتابه "تأملات باسكالية" (1997) ومن قبل كتابه "الإنسان الأكاديمي" (1984) جنبا إلى جنب مقالات ودراسات أخرى تنتظم في "علم اجتماع المعرفة" وموضوع "تسييس المعرفة" بصفة خاصة. الأمر، في الحال الأخيرة، يفيد، وسواء على مستوى التضمن أو اللزوم، "موقفا متعينا" يتم التستر عليه في الانغلاق وبالانغلاق وللانغلاق؛ ومن تم منشأ "التحليل البارد" عديم الصلة ب"المعرفة الملتزمة" التي تغذي "التمثلات السياسية" التي تجعل من "الحقل الثقافي" مجلى لها. ثمة، في الحال الأخيرة، إغماض مقصود.. أو ثمة "وقاحة الغموض"، وثمة نوع من التستتر على "البؤس الأكاديمي" من خلال هذا النوع من الانغلاق الذي يتحوّل إلى تيمة مركزية يتم التنويع عليها من خلال الأعمال المتدافعة والمتتالية في الصالونات المغلقة وفي دور النشر السخية، وعلى النحو الذي يجعل الأكاديميين ينأون عن "حقول الألغام" التي من المفروض أن "يتجرؤوا" على التعاطي لها... وكل ذلك في إطار من التشابك مع المجتمع وقبل ذلك العصر. غير أن "الرطانة"، التي تأسرهم وتشلهم معرفيا أيضا، تحول دون ذلك... بل وتحولهم إلى "كوارث ثقافية". وبخصوص هذه الرطانة يحق للإعلامي الشهير فيصل القاسم، ومن منظور المثقف الهجائي أيضا، وفي مقال له في الموضوع نفسه كما يدل عنوانه "بؤس الأكاديميا العربية" (2007) (وهو في شبكة الاتصال الدولي)، أن يتطاول على هؤلاء قائلا: "بقي أن أبارك لهؤلاء الأكاديميين و"المفكرين" و"المثقفين" الذين يستضيفونهم على شاشاتنا العربية الغراء بهذا الأداء الجنائزي المهيب، وأن أطمأنهم بأنهم خارج لعبة العصر الأولى، وليكتفوا بالتلاقي في مؤتمراتهم وردهاتهم الجامعية حيث يستمعون الى بعض ويستمتعون برطانتهم الاكاديمية البائسة". ولهذه الاعتبارات صار الأكاديميون عرضة ل"النقد العام"، كما اصطلح عليه البعض، بعد أن ظلوا، وعلى مدار فترة طويلة، في حصانة منه... مقارنة مع رجال السياسة ونجوم الغناء والسينما والرياضة والطبخ... بل ومقارنة حتى مع مثقفين نقديين ممن أخذت عليهم "الاستقالة المفضوحة" التي بلغت في نماذج منهم حد "الخيانة المكشوفة"؛ مما جعلهم عرضة للنقد اللاهب. وفي زمننا هذا، والذي تغوّلت فيه التقنية على نحو غير مسبوق، أمكن حتى ل"الخبير" أن يلعب دور المثقف فما بالك بالأكاديمي الذي يستند إلى ترسانة من المفاهيم والذي بإمكانه أن يحوّل "نصا" في حجم ذبابة إلى دبابة. ولذلك من الجلي أن المشكل ليس في الأكاديميا ذاتها، وإنما في "تصور" متعين يصدر عنه بعض المنتسبين إليها. فالأكاديميا، وعلى صعيد المعرفة والوجود، لا تنفصل عن مشكلات الإنسان، أو "الناس والمجتمع" كما لخّص صبري حافظ ذات مرة، ولا تنفصل عن مشكلات العصر ومدى الوعي ب"لعبته" أو "ألاعيبه" الكبيرة. والأكاديميا لا تنفصل عن قضايا التطور والإصلاح والتحرك نحو الديمقراطية... إنها بدورها "قضية". و"تمفصلات" الأكاديمي والسياسي والثقافي، وعلى ما يشوب ذلك من تقطّعات لا تمسّ الجذور، منصوص عليها في أعمق الدراسات التي تعنى بالموضوع؛ وإلا سنسقط في "الأكاديميا الضارة" كما ينعتها التقليد الأنكلوساكسوني الذي كان أكثر تأكيدا على الصورة السيئة التي ارتسمت بخصوص الأكاديميا والأكاديميين في الأذهان. غير أنه ثمة مشكل آخر في سياق التعاطي الأكاديمي (في حالتنا المغربية، كما ينبغي التوكيد على ذلك)؛ وهو لا يقل خطورة عن الأول إن لم نقل أفظع منه ما دام أنه بدوره موصول بطبيعة التعاطي الأكاديمي. غير أنه في هذه الحال لا يتصل الأمر بالانغلاق السكولاستيكي (كما أسلفنا) ولا حتى ب"الإيغال الأكاديمي" ولا حتى ب"اللهفة الأكاديمية" أو "العلف الأكاديمي". والمشكل، هنا، كذلك، وحتى نخفف من "الحدة القرائية"، لا صلة له، بما يسمي في الدراسات التي تعنى ب"المثاقفة" و"النظريات المسافرة" و"العلاقة مع الآخر"، ب"عمليات الانتقاء والوسم" التي عادة ما تطبع الإفادة من "معرفة الآخر" وعلى نحو ما يمكن الاطلاع عليه في اللغات المنتشرة على نطاق عالمي (من الإنجليزية إلى الفرنسية أو العكس). وكما أن المشكل لا صلة له حتى بمأزق "التلخيص المبتسر" و"الفهم المجتزئ" أو "التكييف المفتعل"... وغير ذلك من الإواليات أو الميكانيزمات التي عادة ما تلازم النقل والترجمة... وصولا إلى "عفريت التأصيل" في نطاق إلحاح السياق وتصادم المرجعيات. ف"المطلب النظري" وارد، ولا يمكن أن يتناطح بصدده كبشان... بل وحتى "الكرنفال التنظيري" وارد، لكن شريطة أن يكون مثمرا ومنتجا على نحو ما يمكن أن نطلع على ذلك في نصوص النقد الثقافي ولا سيما في المدار الذي يشركها في تحليل الأنساق المفترسة جنبا إلى جنب تفكيك الخطاطات الجارفة. المشكل، وفي مستوى أول، في "احتشاد الرطانة" وفي "الثرثرة النظرية" كما يسميها راسل جاكوبي في كتابه "نهاية اليوتوبيا"... وفي مستوى ثان في ما يفارق الاحتشاد ذاته أو وعلى ما في كلامنا من تناقض ظاهري ما يعزز الاحتشاد نفسه من خلال ما يمكن نعته ب"bricolage" الذي يتم فيه تجاوز "التوليف" كما في حال ترجمة من الترجمات "الرحيمة" للمصطلح نحو ما يذاع من خلال تسمية "الترقيع" تبعا للترجمة المتداولة على نطاق واسع التي تبدو الأنسب لسياقنا هذا. ويمكن أن نلمس هذا المعطى الأخير في "مقالات" كثيرة، وخصوصا تلك التي تخوض في مواضيع ذات صلة بموضوع الألغام أو مواضيع توجد في الواجهة من مثل موضوع السياسة وموضوع الدين، جنبا إلى جنب المواضيع التي تصل ما بين الموضوعين الأخيرين من خلال ما يعرف ب"تديين السياسة وتسييس الدين"، موازاة مع موضوع الهوية ولا سيما من خلالها مرتكز اللغة. أجل لا يمكن ترك مواضيع بمثل هذا الحجم والأهمية للمثقف الشعبوي بمفرده (وقد سبق لنا أن خضنا في موضوعه) حتى يقرأها، ومن خلال "نتف فكرية" أو "خردة أفكار" (كما عبّر عنها فيصل دراج)، و الأخطر من اليمين أو اليسار وكيفما يشاء وبدون مقدمات... أو حتى يقرأها وعلى النحو الذي لا تحضر فيه إلا النتائج المغلقة والأجوبة الجاهزة. من المفيد أن يحضر الأكاديمي بدوره، وفي الخط الأمامي من المواجهة، وعلى النحو الذي لا يجعله يتراجع عن استراتيجا الإمساك ب"القوة المحايثة" للحقل الثقافي كما يسميها بورديو، طالما أن هذه "القوة" تقع بدورها في مناط "التشكّل الأكاديمي". وربما اتضحت لنا، أكثر، هذه الأكاديميا الشعبوية في بعض "الكتابات" حول قامات فكرية مثل العروي، وعلى النحو الذي رأينا فيها إحالات على دراسات وسواء للعروي نفسه (موضوع الدراسة) أو غيره من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين. واللافت، هنا، أن الإحالات لا تؤدي أي وظيفية في سياقها؛ وهي غير مندغمة في "اللغة المفهومية"، وغير مسكوبة في عمق التحليل؛ هي تبدو زائدة بل ومقحمة. وفي هذا الصدد أمكننا فهم كيف تتحول الاقتباسات والاستشهادات والإحالات إلى "عكازات نظرية" بل تتحوّل إلى ما يعوق "الدفق التحليلي" وكأننا هنا بإزاء ما يشبه "قطاع طرق" كما قال الناقد والفيلسوف الجمالي فالتر بنيامين في الموضوع نفسه. إنه الوجه الآخر ل"التغليف الأكاديمي" الذي لا يفارق دلالات الشعبوية التي تفارق بدورها دلالات "الاستعراض" الذي هو قرين "الرغبة" (غير المعلنة) في "إسقاط التاج" عن القامات التي هي موضوع التحليل ودونما تقدير للسياق المعرفي الذي يتحرك فيه العروي حال مثالنا والذي هو سياق "الخضوع للمنطق ونسق المفاهيم" إذا جاز أن نأخذ بلغته المفهومية ودونما تقدير لوحدة هذا الأخير المنهجية التي لا يمكن دحضها إلا بصورة منهجية فلسفية موازية أو اعتمادا على المنهج ذاته. ولا يبدو غريبا ألا يركِّز العروي على "التأخر التاريخي" فقط، بل وعلى "التأخر النقدي" أيضا. وفي الحال الأخيرة تنتفي، كذلك، "اللغة الأكاديمية النقية" لفائدة "اللغة الأكاديمية المكسَّرة" و"المهجنة" والقائمة على "الأخطاء". والمؤكد أننا لا نقصد، هنا، إلى "الخطأ المقصود" كما نعته بْرونو أو وتبعا للمفهوم الشائع "الحق في الخطأ" الذي يحظى بمكانة ضمن توجهات الفلسفة المعاصرة، نحن نقصد إلى "الأخطاء المبتذلة" التي لا يغتفر لها عادة. ويتضاعف حجم مثل هذه الأخطاء في ظل الإصرار على نهج كتابي لا يولي أهمية للفاصلة والنقطة. ونحن، هنا، لا نطالب، أكاديميينا الأجلاء، بما يطالب به دارسو "بنيات اللغة الشعرية" و"الاقتصاد السياسي للكتابة"، غير أن ذلك لا يحول دون التذكير بمقولة "من فاته درس في اللغة فاته درس في الفكر". ولا بأس من التذكير، هنا، واستطرادا، بالدور الذي تلعبه البلاغة على مستوى الاستدلال أو على مستوى وظيفة الخطاب البرهانية. وفي حال من غير الحال الأخيرة تزاح عن الأكاديميا هالتها المعرفية، بل ويتم إرجاعها إلى ما قبل المعرفة لفائدة الشعبوية بمطامحها القريبة. وحتى نعود إلى موضوعنا السابق فإن ما يغيب عن الأذهان أن الأكاديميا لا يمكنها الانسلاخ عن الألغام كما أسلفنا، وأن الأكاديميا بإمكانها أن تنخرط في معارك العصر الكبرى والصغرى، وأن ذلك يتوقف على المنتسبين إليها. وألم يكن الأكاديمي الأمريكي والمفكر الفلسطيني الأبرز والأشهر إدوارد سعيد علامة دالة على الجمع وفي تجانس تام ما بين الأداء الأكاديمي في صرامته ورصانته وبين النضال الأكاديمي ذاته في جموحه و الأهم في صلاته بالمثقف في أبهى "تمظهراته"، أو "تمثلاته" (Représentations) (بالتعبير السعيدي ذاته)، ولا سيما تجاه "السلطة" وكيفما كان نوعها وعلى النحو الذي يجعل النقد يتجاوز المهادنة نحو "التجريح الموجب"؟ وألم يكن إدوارد سعيد أحد المثقفين الكبار في العالم، وهذا قبل التنظير للمثقف في حضوره الذاتي والنقدي المستقل وبخاصة عن السلطة كما أسلفنا. السلطة غير المنتجة، تبعا للتصنيف الفوكوي، كما يمكن أن نضيف هنا. والمؤكد أنه لا ينبغي التوقف عند إدوارد سعيد فقط، فالنماذج العالمية، ومن التي يمكن الإفادة منها، ومن ناحية "جذر الأداء"، كثيرة... وذلك مثل ماكس فيبر ونوام تشومسكي وبرتنارد راسل... إلخ. وفي الحق إن الجمع بين الأدائين (أداء الأكاديمي وأداء المثقف من ناحية وحتى أداء الناشط السياسي من ناحية موازية)، ودونما سقوط في "الشعبوية"، نادر في العطاء الفكري العربي بصفة عامة... مع أنه ثمة فائض من الأسباب التي تستدعي ذلك، وذلك على نحو ما يمكن أن نقرأ في أشكال الاستبداد والظلم وانحطاط الرأي العام ومصادرة الحريات... وعلى نحو ما يمكن أن نقرأ في مخططات المحو والاستئصال والاجتثاث... إلخ. إن حال "الأبد المغربي"، والعربي بعامة، يرتد في جانب منه إلى "الإفلاس" الذي يحيط بالفكر العربي. وهي حالة لا يمكن التصدي لها إلا بالنظر في الفكر ذاته وفي المدار الذي يفضي إلى التأكيد على أهمية "المعرفة الملتزمة" التي هي قرينة "الفكر النقدي المركَّب" الذي لا مجال فيه ل"الأكاديميا الشعبوية" القائمة على "لفكر التوليفي" و"التسمين المنهجي" و"التكديس المفاهيمي".. إلخ.