عبر العديد من النشطاء الحقوقيين أمس الخميس عن تضامنهم المطلق مع الهيئة المغربة لحقوق الإنسان التي تتعرض للتضييق من طرف السلطات العمومية بحرمانها من وصل الإيداع المؤقت. وأشارت الهيئة الحقوقية في كلمتها خلال الندوة التي نظمتها تحت شعار "نعم لسيادة القانون، لا لانتهاك الحق في التنظيم"، إلى أنه وبعد ما يزيد عن عشرة أشهر من إيداع ملفها القانوني لدى ولاية الرباط لم تتوصل بعد بالوصل المؤقت، ورغم اللقاءات التي عقدتها مع الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان والبرلمانيين والرسالة المفتوحة لرئيس الحكومة إلا أن حقها في التنظيم لا يزال منتهكا.
الجامعي: السلطات تحتكم لقانون القوة لا لقوة القانون وفي معرض كلمته قال النقيب عبد الرحيم الجامعي إن الهيئة ليست وحدها التي تتعرض للمواجهة، ما يؤكد أن هناك أزمة سيادة القانون، في الوقت الذي لم تقم فيه أي جهة بمحاسبة من هم وراء انتهاك القانون، وما حصل للهيئة والعديد من الجمعيات عنوان كبير لأزمة سياسية في عمقها. وأشار الجامعي إلى أن الأزمة اليوم تعقدت وأصبحت أزمة مؤسسات وليست أزمة أشخاص، فهي ليست مرتبطة فقط بوزارة الداخلية أو وزير الداخلية، بل باتت أزمة هيكلية. وأوضح النقيب الجامعي أن ظهير 1958 المتعلق بتأسيس الجمعيات والذي جرى تعديله لصالح أطروحة السلطة، لم يتعرض سوى لعقوبتين هما البطلان والحل، وهذه هي العقوبات التي تصدر عن القضاء حصرا، دون غيره من الجهات. ولفت المتحدث في ذات السياق، أنه ليس من حق السلطات العمومية أن تتعرض للجمعية كيفما كانت الأسباب، وليس من حقها الامتناع عن تسليم الوصل المؤقت أو تعترض على انتخاب مكتب جمعية، ويبقى دورها محصورا في أن تحيل الوثائق للنيابة العامة لتبدي نظرها من ناحية النظام العام، ويمكن أن تحل الجمعية إذا رفعت النيابة العامة ما يفيد ذلك للسلطة القضائية، وليس للسلطات المحلية أن ترفع طلبا من أجل البطلان ولا من أجل الحل. لكن الواضح، حسب الجامعي، هو أن هناك موقفا معارضا للقانون من طرف السلطات التي تعارض التقيد بأحكامه، وهنا مكمن الأزمة، مشيرا إلى أن الإخلال بحقوق التنظيم، يعكس أن هذا المجتمع لا يتمتع بحرية التعبير والتفكير والرأي، ومنه لا يمكن القبول بممارسات منافية للقانون والدستور والمواثيق الدولية. وأشار النقيب إلى ما يمكن أن يشكل حلا في هذا الموضوع، وهو مراسلة رئاسة النيابة العامة التي من المفروض عليها أن تحرك الدعوى العمومية إذا كانت الحرية العامة منتهكة، كيفما كانت الجهة التي انتهكتها، فالنيابة مسؤولة عن تطبيق القانون، في الفضاء العمومي. وخلص الجامعي إلى أن السلطات العمومية اليوم تحتكم لقانون القوة ولا تحتكم قوة القانون، داعيا إلى ضرورة التصدي لأزمة انتهاك القانون. الزهاري: هناك مقاربة أمنية صرفة لحرية التنظيم يكرسها القضاء من جانبه عبر محمد الزهاري الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان عن أسفه لنقاش موضوع كنا نظن أنه انتهى، فليس من المعقول في سنة 2020 أن يجري النقاش حول حرمان جمعيات بخلفيات متعددة من الوصل المؤقت والنهائي، مشيرا إلى أن النشطاء الحقوقيين المغاربة عندما يشيرون إلى مسألة حرمانهم من وصولات الإيداع في لقاءات دولية، يتم النظر إليهم وكأنهم يبالغون. وأكد الزهاري أن هناك اليوم مقاربة أمنية صرفة لموضوع حرية التنظيم، فالسلطات الموكول لها قانونا تدبير هذا الجانب تضع القانون جانبا وتشتغل مع الجمعيات وفق منطق التعليمات التي تمليها المقاربة الأمنية. وعرج الناشط الحقوقي على ما تعيشه العديد من الجمعيات من حرمان من حقها في التنظيم، مبرزا في ذات الصدد حرمانه هو نفسه من الوصل المؤقت السابع للعصبة، رغم أن القانون يلزم المسؤول بتسليمه فورا. وأضاف الزهاري في ذات الصدد أن المسؤول أخبره حين رفض تسليمه الوصل بأنه لا يعمل وفق القانون وإنما يشتغل بالتعليمات، والمسؤولون أخبروه بألا يسلم الوصل إلى حين انتهاء البحث الأمني على الأعضاء والمسؤولين بالجمعية. وأبرز الزهاري أن هذا الوضع الذي نعيشه اليوم والذي يعبر عن مستوى الدولة في المجال الديمقراطي، يعكس تصور السلطات العمومية لتدبير حق المواطن في التنظيم والتنوع، وهو ما يترجم أيضا حقيقة الدولة في هذا المجال. وأضاف الرئيس السابق للعصبة "عندما كنا ننتقد ونشخص الوضع ونصدر البيانات وندلي بالمواقف، كانوا يتهموننا بالإساءة لصورة المغرب، في حين نحن ننقل حقيقة ما يجري، حقيقة أن السلطة في هذا البلد، تستقوي بالقانون وتمارس علينا قانون القوة، وليس قوة القانون". وبخصوص اللجوء للقضاء، أبرز الزهاري أن المسؤول على الجمعيات بولاية الرباط يقول للمسؤول عن الجمعية "سير للقضاء"، لأنه اطمأن اليوم هو وآخرون ممن يملكون سلطة القرار السياسي الحقيقي في البلد، بأن القضاء المغربي اليوم يخدم هاته الممارسة والمقاربة الأمنية، كما حصل مع حكم القضائي بخصوص جمعية الحرية الآن للمعطي منجب. وأضاف المتحدث "اليوم أصبحنا نعيش قضاء إداريا استثنائيا يكرس سلطة المخزن وسلطة الاستبداد، ويشرعن المقاربة الأمنية في التعامل مع الحق في التنظيم"، فالقضاء الإداري في المغرب غير مستقل ويشتغل وفق التعليمات، ولهذا اطمأن مسؤولو وزارة الداخلية وأصبحوا يصرحون لمسؤولي الجمعيات "سير للقضاء"، فذلك لم يعد يزعجهم. وأشار الزهاري إلى أن الحق في التنظيم مرتبط بالوضع العام الذي تعيشه البلاد في إطار موازين القوى، حيث جرى إنهاك الأحزاب وإضعافها وإضعاف النقابات والمناضلين والصحفيين، وما يقع للجمعيات جزء من هذه الحملة العامة، لذلك ينبغي التصدي لهذا الوضع، وأن يتم الضغط المدني وإحراج للسلطات العمومية، لأن ما نطالب به حقنا الذي يضمنه الدستور والمواثيق الدولية. وتأسف الزهاري من الوضع المتردي الذي يعرفه الحق في التنظيم، حيث تخرق السلطات القانون في وضح النهار، دون متابعة أو محاسبة للمسؤولين عن هذه الخروقات، فضلا عن حماية هؤلاء وترقيتهم والزيادة في أجورهم.