عاد مشهد الإعتصامات والإحتجاجات إلى ميدان التحرير وغيره من ساحات وشوارع المدن المصرية مرة أخرى في ظل انقسام حاد بين أنصار الإخوان ومعارضيهم، وذلك على إثر الإعلان الدستوري الجديد الذي أعاد إثارة المخاوف من المستقبل إلى الواجهة. حيث باتت سياسات الرئيس المصري ( الذي وصل إلى السلطة بشرعية انتخابية ) بمثابة انتكاسة حقيقية تهدد منجزات الثورة وأهدافها. قرار الرئيس المصري جاء ليؤكد أن الديموقراطية في عرف الإخوان المسلمين وفي برامج كل تيارات الإسلام السياسي على العموم لا تعدو أن تكون مجرد واجهة يتم استغلالها للوصول إلى السلطة، فالرئيس الإخواني الذي وصل إلى الحكم بموجب قاعدة ديموقراطية تم خلالها الإحتكام لإرادة الشعب عبر صناديق الإقتراع، أصبح اليوم راعيا للديكتاتورية بامتياز، عندما اختار بموجب إعلانه الدستوري العجيب أن يكون حاكما مطلقا. هكذا تعيد السلطة في مصر إنتاج نفسها، وهكذا يرسي مرسي قواعد الإستبداد عبر انقلاب "ناعم" يؤسس لمصر الجديدة كما يريدها المرشد: مصر الإخوانية. وهكذا يثبت قرار الرئيس أن كل من يظن بأن النظام قد سقط فعلا في أرض الكنانة هو مخطئ حتما، فصيغة:" النظام السابق" التي تعودت الألسنة على ترديدها منذ رحيل مبارك، لا تدل أبدا على تغير في النظام، بل تشير إلى تغير في الأشخاص فحسب، وتلك سنة حياتية قبل أن تكون إنجازا ثوريا، لأن مبارك كان سيرحل بثورة أو بدونها. فالمهم أن النظام مازال قائما، وإن كان يشتغل هذه المرة بإيديولوجية مختلفة. مرسي ومبارك إذن وجهان لعملة واحدة، فهما متخرجان معا من مدرسة الإستبداد والتسلط، لذلك كان أحد المصريين المحتجين في ميدان التحرير صادقا ومعبرا جدا عن هذا التشابه بين الرئيسين عندما رفع صورة مركبة لوجه تدخل "الفوتوشوب" في صنع ملامحه، حيث نصفه الأول لمبارك ونصفه الآخر لمرسي، وتحت الصورة عبارة شارحة تحدد هوية صاحب الوجه: " محمد مرسي مبارك". وبالرغم من أن الإعلان الدستوري الجديد يراد له أن يبدو بوصفه آلية للقطع مع العهد السابق، وذلك عبر قرار إعادة فتح ملفات الفساد وتقديم المتورطين فيها وفي قتل المتظاهرين خلال أيام الثورة إلى القصاء، فإن ذلك ليس سوى ذر للرماد في العيون، لأن تفاصيل الإعلان الدستوري الجديد تمنح للرئيس مرسي صلاحيات واسعة وتضرب مبدأ الفصل بين السلط كشرط للممارسة الديموقراطية عرض الحائط، وتعيين النائب الجديد المحسوب على الإخوان هو مجرد خطوة تهدف إلى مراقبة السلطة القضائية وتحجيم دورها، وجعلها في خدمة أجندة المشروع الإخواني الذي يهدف إلى التحكم المطلق بالسلطة، والإنفراد بصنع القرار في أفق التهييء للحلم الإخواني الذي ينتهي بتحويل البلد إلى دولة دينية تحت يافطة: " الشعب عايز كده.". مصر الآن تعيش لحظة فارقة، والطريق إلى التحرر والكرامة والمواطنة الحقة مازال بعيد المنال، مادامت مقدمات التغيير غير مكتملة، فالقطع مع الماضي لا يتوقف على ديموقراطية الواجهة ( المصطنعة )، لأن الفعل الديموقراطي ليس آلية للعمل السياسي فحسب، بل هو تعبير عن ثقافة وسلوك اجتماعيين. والحال أن أسس الاستبداد في العالم الإسلامي بشكل عام متينة إلى حد يجعل كل حديث عن الديموقراطية في ظل تنامي نفوذ أوصياء الدين ضرب من الخيال. كيف لا والديموقراطية كفر ومروق في أعراف هؤلاء...