أكد مجموعة من الأطباء بمدينة مراكش أن المنظومة الصحية بالمدينة هشة، وأن الجائحة عرت فقط على الواقع المأزوم الذي يتخبط فيه المواطنون والأطر الصحية بشكل يومي. وأوضح الأطباء في ندوة نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، مساء أمس الاثنين، تحت عنوان "المنظومة الصحية بمراكش، التشخيص والبدائل"، أن مجموعة من القرارات الوزارية والحكومية تسببت في تفشي الوباء، وأنه لا يمكن التعايش مع الوباء في ظل المستشفيات الموجودة حاليا، وفي ظل محاربة وصول المعلومة، وعدم إشراك المواطن والأطر الصحية.
سوسو: البنية الصحية بمراكش هشة وزيارة الوزير استعراضية وقال عماد سوسو، طبيب ونقابي بالمدينة، إن جهة مراكش ضحية للسياسة العمومية، إذ تفتقر لمستشفى جهوي، فمستشفى المامونية لم يعد صالحا لاستقبال المرضى، ولا يقدم خدمات تحترم آدمية المرضى والأطر الصحية، وفيروس كورونا عرى فقط على هذا الواقع، إضافة إلى أن مراكش ما هي إلا نموذج مصغر لما يقع بالمغرب عموما. وأشار سوسو في مداخلته إلى عدم الاستفادة من أشهر الحجر، فقد كان بالإمكان تأهيل المنظومة الصحية، لكن لم يتم فعل ذلك، وبعد وقوع الحادثة بدأت ردود الفعل عوض السبق إلى الفعل، لافتا إلى أن مدينة مراكش تعرف العديد من المشاريع المتعثرة، والتي كان بالإمكان حلها خلال أشهر الحجر. واعتبر المتحدث أن من بين أوجه الخلل في تعامل وزارة الصحة مع الوباء، التفرقة بين مستشفى متخصص في كوفيد، ومستشفى متخصص في باقي الحالات، في حين أن الجائحة تعني أن الجميع مشكوك في إصابته، وما كان لجوء الوزارة إلى هذا التقسيم إلا مسألة اقتصادية، بحيث لا يتم منح الأطر الصحية في المستشفيات الأخرى الوسائل الوقائية الضرورية، وهو التدبير الذي تسبب في تفشي العدوى بين الأطر، في الوقت الذي ينبغي أن تعمم الحماية عليهم جميعا. كما لفت سوسو إلى أن هناك أزمة يعيشها ذوو الأمراض المزمنة كالقلب وغيرها، وهي الأزمة التي ستتعمق أكثر في المستقبل. وانتقد المتحدث اعتماد العلاج والعزل في المنازل دون معرفة الوضعية الاجتماعية وظروف عيش المرضى، حيث في العديد من المناطق يعيش عدة أفراد في غرفة واحدة. وأكد الطبيب أن الوضع يتطلب نقدا ذاتيا والتصالح مع المواطن عوض تحميله المسؤولية، وهو الذي كان ضحية سنوات من منظومة تعليمية وإعلامية فاشلة. واعتبر المتحدث أن زيارة الوزير لمراكش كانت استعراضية، وأن أحدا من المسؤولين لا يزور مصالح كوفيد أو يستمع لمعاناة الأطر الصحية، مؤكدا أن الحلول ينبغي أن تكون من الأصل وليس بعد وصول المريض إلى الإنعاش، كما ينبغي التركيز على الجانب التوعوي، والصراحة مع المواطن والتواصل معه ليكون جزءا من الخطة وينخرط في العمل. أبوبيجي: بعض تدابير الوزارة تساهم في تفشي الوباء من جهته، أكد أيوب أبوبيجي، طبيب داخلي بمراكش، أن الظروف بالمستشفيات العمومية مزرية، والمواطن يأتي بغطائه وأكله، كما أن المواطن يمكن أن يموت فقط بسبب عدم وجود سرير في الإنعاش أو غياب التجهيزات أو الأطر الصحية. وأشار أبوبيجي إلى أن البنية الصحية بمراكش متهالكة، إضافة إلى ضعف الخدمات، ففي قاعات العزل مثلا، يتم خلط الأشخاص المحتمل إصابتهم بكوفيد، لمدة 24 ساعة، لتأتي النتائج سلبية للبعض وإيجابية للبعض الآخر، متسائلا عن مآل الأشخاص ذوي النتائج السلبية والذين خالطوا المصابين، يضاف إلى ذلك النقص في الأكسجين والتحاليل. وفي هذا الصدد أشار المتحدث إلى أنه ومنذ بداية الأزمة وعدد التحاليل المتوفرة محدود، وعندما تنتهي يتم تسريح المواطنين المحتمل إصابتهم إلى منازلهم، فيخالطون الناس في وسائل النقل والشارع وغيرها، والأدهى أنه في بعض المرات تتوقف التحاليل لأيام. ولفت الطبيب إلى أن زيارة الوزير لم تأت إلا بعد تسرب الفيديوهات والصور والمقاطع الصوتية، متسائلا عن مصير هؤلاء المرضى المرميين على الأرض لولا وجود الصور، والسبب في عدم التدخل قبل أن تتفاقم أوضاع المرضى وتتدهور حالتهم الصحية. وأكد المتحدث أن المسؤولين يحاربون المعلومة كي لا تصل، فاليوم يتم الحديث عن آلاف حالات الشفاء، لكن أحدا من المسؤولين لم يقل أن الإعلان عن حالات الشفاء كان يتم بعد تحليلتين على المريض، ثم بدأ الإعلان عن حالات الشفاء بعد تحليلة واحدة، ثم بعدها لم تعد تجرى التحاليل، فقط لعدم وجود الأعراض يتم تسريح المريض رغم أنه من الممكن أن يكون معديا. وشدد الطبيب على ضرورة الشفافية والوضوح مع المواطن، والاعتراف بالخطأ وإصلاحه، بدل التمادي فيه، لافتا إلى أن المقاربة الأمنية لا تحارب الفيروس، فالفيروس يحارب بالتوعية والتواصل مع المواطن وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وبخصوص أرقام الوفيات التي يتم الإعلان عنها، أوضح أبوبيجي أن المواطنين ليسوا مجرد أرقام، فلا بد من توضيح أسباب وفاة هؤلاء المرضى، هل بسبب خلل في البروتوكول، علما أن المختصين المغاربة أكدوا أن البروتوكول المعتمد فعال، فلماذا يتوفى الناس، هل بسبب أمراض مزمنة، أم لعدم وجود سرير، أم لعدم وجود أجهزة التنفس أم ما السبب؟ أولميدي: لا يمكن التعايش مع الفيروس بمستشفياتنا الحالية وفي ذات الموضوع، قال أنس أولميدي، وهو طبيب مقيم، إن مجموعة من القرارات التي تم اتخاذها عمقت من الجائحة وتسببت في معاناة الكثيرين ووفاة آخرين، وعلى رأسها قرارات عيد الأضحى. وأكد أولميدي أنه يمكن أن يتغير الواقع إذا تم اتخاذ القرارات الصائبة، وهو ما يتطلب لنجاحه التواصل مع الناس، وشرح القرارات، فحتى المشتغلون في القطاع الصحي اليوم، لا يتم التوضيح لهم ولا مدهم بالمعلومات، في الوقت الذي ينبغي شرح المعطيات والقرارات وليس فقط إصدارها، وبالتالي فمسؤولية الدولة كبيرة. وأضاف الطبيب أنه ينبغي التعايش مع الفيروس، ولا يمكن التعايش معه في ظل وجود مستشفيات صغيرة لا تتحمل حتى في الأوقات العادية. وحذر أولميدي من أن المصالح الأخرى في المستشفيات سجلت نقصا في العمليات وفي أعداد المرضى، في الوقت الذي يعاني فيه العديد من الأشخاص، وتسجل العديد من الوفيات بسبب عدم التطبيب، لكن هذه الأرقام لا يتم التصريح بها. وخلص المتحدث إلى أن الخطر في المغرب ليس هو الفيروس، وإنما المنظومة الصحية الضعيفة، التي لا تعطي إمكانية التعايش مع الفيروس، خاصة وأن عدد المرضى سيكون أكبر.