لطالما فكرت كثيرا في النقاشات التي تتثار حول تعيين مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم، وحوله راتبه وامتيازاته، وحول كيفية تعيين المدرب، حول الجامعة الملكية لكرة القدم، وكيفية تعيين أعضائها ورئيسها كيفية تقييم وأدائها ومعرفة دورها طرق تدبيرها وتسييرها للشأن الكروي بالمغرب . وغير ما مرة تساءل الكثير من الصحفيين والمتابعين والمهتمين، وغيرهم حول الإخفاقات المتكررة والمتتالية لكرة القدم المغربية خاصة المنتخب الأول في الاستحقاقات الكروية القارية والإقليمية والعالمية والهزائم التي يحصدها بشكل ثقيل أمام خصوم ضعاف الأداء والرصيد التاريخي الكروي خاصة في السنوات القليلة الأخيرة الماضية. لست هنا بصدد الإشارة إلى التفاصيل والجزئيات، ولست هنا بصدد الحديث عن النتائج، وعن أداء اللاعبين والحديث عن خطة المدرب، وإنما النقاش سينصب على عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الرياضة المغربية عموما و كرة القدم بشكل خاص. وكثيرا ما تناولت وسائل الإعلام السمعية البصرية والورقية والإلكترونية فضائح كرة القدم والرياضة المغربية بصفة عامة أثناء تمثيلهم للمغرب في الخارج، بدون تقديم أمثلة ونماذج، فهي غنية عن التعريف والتمثيل. ولطالما ما تدوالت ألسنة وأقلام وصور وفديوهات الإعلام والجمهور المغربي العام أثناء نقاشاتهم الخاصة والعامة في المقاهي أو في أماكن نوادي وجلساتهم الخاصة حول كرة القدم والرياضة، ونحن نعرف مدى تلهف وشوق وتشوف وتلهف واستلاهاب هذا الحديث للكثير من المغاربة بمجرد إثارته، بل يكاد يكون الخبز اليومي عند غالبيتهم، بل أكثر من ذلك فهم يفضلون هذا النقاش على مشاكلهم ومعانتهم اليومية، وعلى أمور هامة وذات أولوية وخطيرة تستحق منهم الاهتمام والمتابعة أكثر من غيرها، ربما محاولة منهم التناسي والتنفيس بذلك عن أنفسهم، أو محاولة للهروب من الحقيقة والواقع الذي لا يرتفع أو تفاديا لنقاشات أخرى تجرهم لأمور يخافون منها أو يتجنبون الخوض فيها أو التغاضي وغض الطرف عنها وتحييدها عن دائرة النقاش. يتحدثون عن كرة القدم وكأنها إله من الألهة الرياضية التي تعبد ، فإذا كان لابد أن تموت باقي الرياضات لتعيش كرة القدم في المغرب، فالموت لكرة القدم كما قال المفكر الإيطالي أمبرطو إيكو، فقد أضحت أفيونا ومخدارا للشعوب تنومها مغناطيسيا. و إن اختزال الرياضة في كرة القدم أمر خطير على الرياضة بصفة عامة، وكأنها هي الرياضة التي تمارس لوحدها فقط، فعلا هي الرياضة الشعبية الأولى في العالم، وفي المغرب على وجه الخصوص، ونظرا لتركيز أصحاب رؤوس الأموال، وكذا الدولة عليها في مخططاتها الرياضية، ولأن الأولوية أعطيت لها من خلال تخصيص ميزانيات ضخمة وخيالية رغم الفشل المتكرر في النتائج المحصودة، في حين تجد رياضات أخرى تحصد نتائج مهمة ولا تحصل إلا على دعم ضئيل، ولن يثنينا على هذا أن نؤكد على ضرورة إحداث التكافؤ في الفرص والدعم والتأطير والتوجيه ... بين جميع الرياضات الوطنية . يتحدثون أيضا عن تفاصيل المباريات ومتابعتهم الدقيقة لها تحليلا وانتقادا وملاحظة، وعن خطة المدرب، وعن التكتيتك الذي دخل به المدرب، وعن الرهانات قبل وأثناء وبعد المباريات، وفي ذلك يأخذك العجب في المواهب التي تتفتق في التحليل والرصد والتتبع والدقة والملاحظة اللامتناهية. يتحدثون عن ضرورة استبدال المدرب، وضرورة الاعتماد على مدرب وطني بدل أجنبي، وعن أجر المدرب وتغيير رئيس الجامعة، ومطالبتهم بطرد مجموعة من اللاعبين واستبدالهم بآخرين، وعن جلب لاعبين من الخارج أو الاعتماد على اللاعبين المحليين، والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام والرأي العام الوطني في الغالب هي من تقود وتدير وعيا منها أو بدون وعي، غرضا منها أو مرضا، أو خوفا وصمتا، أو تفاديا وتجنبا منهم لنقاشات أعمق، أو توجيها تواطئا منهم عن النقاش الحقيقي وإثارة مواضيع ونقاشات ثانوية وفارغة، وهنا فالتعميم ليس من شيم الرجال كما يقال، والاستثناءات الشريفة والفاضلة والغيورة لا يمكن أن نغمطها حقها. ضنا منهم أن المشكلة في المدرب أو في اللاعبين أو حتى في الجامعة وفي الوزارة الوصية، دون الإحاطة الشاملة بالموضوع والإشكالية، ووضعها في سياقها ومسارها العام، ودون معرفة العوامل الذاتية والموضوعية، والبحث في ما وراء السطور، وما وراء الكواليس والظل والمخططات والبرامج من وراء الستار، ودون وضع أسس وركائز أساسية وتصورية لفهم الظاهرة الرياضية بالمغرب، وعلاقتها بالوضع القائم والسائد، مع وربطها بالمنظومة المجتمعية ككل . إن ما لا تريد أن تفهمه العقول والحويصلات الضيقة العاجزة عن التفكير والدراسة والبحث والتقصي والتحليل العميق وفهم ما وراء الستور والسطور وما وراء الأحداث، وتعتمد سياسة النعامة والهروب إلى الأمام، ويا للخيبة أن النخبة المتحكمة في زمام الأمور والمحيط الحاكم في البلاد الذي يدير الرياضة المغربية من وراء حجاب، تعلم يقينا أن الفشل العام على جميع الأصعدة هو الذي أسقط البلاد في مهاوي خطيرة، وهذه النخبة هي السبب الأول والرئيسي في الأزمة، وتعلم أيضا بأنها أزمة بنيوية شاملة عامة مست الرياضة المغربية، وضربت كل قيمها ومبادىء وأخلاقها النبيلة عرض الحائط، وشلت حركتها وأضعفتها أوصلتها للحضيض. ليس التدبير ولا التسيير أيها المغاربة الكرام هو السبب، وإنما الأزمة أعمق وأخطر وأشد توغلا وتغولا وتداخلا وترابطا كلما عمقنا البحث والتقصي. ولعل المطلع على الدراسة التي قام بها الباحث الأكاديمي في المجال الرياضي منصف اليازغي في مجلة وجهة نظر المغربية سنة 2007، المعروفة بتوجهه الأكاديمي والعلمي في الطرح والتناول حول الرياضة وكرة القدم المغربية وعلاقتها بالمخزن المغربي، وبالشخصيات النافذة والقوية في الدولة من عالم السياسة، ومن عوالم مجهولة أخرى، وبمسميات عدة وأقنعة حربائية متلونة، من خلال تدخلاتها المباشرة غير والمباشرة، ودعمها الإيجابي والسلبي للرياضة المغربية خاصة في رياضة كرة القدم، ناهيك عما غاب عن أعيننا، وصمت به أذاننا، وبكمت به أفواهنا، لهو الأدهى والأمر. الباحث منصف اليازغي قدم النموذج الألماني، وأشار إلى تجربته في كيفية تدبير الشأن الرياضي، وفي كيفية تحديد العلاقة بينما هو سياسي ورياضي، ومتى تتداخل السياسة مع الرياضة، ومتى لا يجب أن تتداخل. والعودة إلى هذه الدراسة تغني عن هذه الإشارات واللمحات العامة . إن عدم ربط الرياضة المغربية بالمنظومة المجتمعية والقيمية والحضارية، وإعادة الاعتبار للبعد التربوي والأخلاقي في الرياضة، وإن أحادية التسيير والتدبير والتأطير والإدارة والتفكير والتخطيط، وعدم اعتماد مقاربات تشاركية وتوافقية وديمقراطية بين كافة الفاعلين والمتدخلين والمهتميين في الشأن الرياضي، والتخلي عن العقلية الإستبدادية، وإن عدم الضرب على أيادي العابثين بالمال العام الرياضي، ومحاربة المفسدين والدخلاء والمتطفلين والمتطاولين على الرياضة الذين يمارسون البلطجة الرياضية، إن صحت النسبة وصح التعبير، وقد جعلوا من الرياضة المغربية بقع وحفر وبؤر وأوكار نتنة يعشش فيه الفساد ، وإن عدم معاقبتهم وتركهم يصولون ويجولون دون حسيب ولا رقيب على جميع الأصعدة والمستويات، والتعامل معهم بإنتقائية وبحصانة وحماية ورعاية ودعم والتغاضي عنهم ليكشف التواطىء الخسيس معهم. لقد أن الأوان أن تعتمد سياسة القرب الرياضي التي تعني اللامركزية واللاتمركز في اختيار وانتقاء الكفاءات والمواهب والأطر ورجال الرياضة المغربية، وإشراك جميع المغاربة من جميع المناطق بدون استثناء وإقصاء ولا انتقائية لكي ندفع بعجلة الرياضة نحو الأمام، وسياسة القرب تعني سياسة الحوار والتأطير والتواصل الفعال والمثمر،المستمر بتقريب الإدارة الرياضية من المواطنين في جميع مناطق المغرب التي تسهر على تنفيذ السياسات الرياضية العامة وتشركها في عملها عبر إشراكها أيضا كافة المتدخلين المحليين في الشأن الرياضي لمناطقهم وتأهيل أطرها وعناصرها البشرية الرياضية في جميع الرياضات. وآن الأوان أن تختار وتنتخب الاتحادات الرياضية بشكل ديمقراطي وسليم ونزيه. إن عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة والمتابعة اللصيقة لكل متدخل في الشأن الرياضي تصورا و تخطيطا وتنسيقا وتنفيذا وإدارة.. لن يفيد في معالجة وحل مشاكل ومعضلات الرياضة المغربية، فلن تنفع الأماني المعسولة، ولا الأحلام الخادعة، ولا الشعارات البالونية البراقة، ولا التصريحات المطمئنة المهدئة المخدرة، ولا بعض التشييدات الرياضية من هنا وهناك، ولن تنفع الرتوشات والترقعيات، ولا تعيين الأطر والكفاءات الوطنية ومغربتها - مع تأييدنا لهذا الخيار ودعمه- في الإجابة الحتمية عن الأزمة العميقة التي تستوجب حلا جذريا وشاملا عميقا يقتلع الجذور الخبيثة للداء العضال، وإعادة البناء في إطار مشروع مجتمعي متكامل ومنسجم يجيب عن الإنتظارات من بوابة إعادة بناء جسور الثقة بين كافة المتدخلين والفاعلين والمهتمين والأطر والكفاءات بدون تمييز ولا إقصاء ولا تهميش ولا تحييد، بعيدا عن المقاربات الأحادية الجانب الاستبدادية الفاشلة، واعتماد مقاربة تشاركية في جميع مراحلها، وعلى جميع الأصعدة والمستويات. الأمر الذي يمكننا من الإجابة عن الأزمة البنيوية العميقة للرياضة المغربية، ويمكننا أن نحدد العلاقة بين الرياضة والسياسة بتحديد للعلاقة بين أليات التداخل وأليات الفصل بينهما ، مع الحذر من مزلق تكرار استنساخ التجارب.، ثم إنه لابد من إبعاد الشخصيات النافذة والمستفيدة "العفاريت" و"التماسيح"... من الشأن الرياضي. ولابد لأصحاب الظل الطويل أن يأخذ مسافة بعيدة عن الرياضة، فقد زكموا الأنوف برائحتهم الكريهة، فما عادت تحتمل الأنفاس الرياضية الطيبة التي تريد أن تستنشق هواء رياضيا نقيا تستطيع أن تقطع به مسافات طويلة تربحنا ميداليات وكؤوس، وتهدي لنا انتصارات وأمجاد، وتمثل و تشرف أحسن تمثيل وتشريف، فكافكم خبطا عشواء ميمنة ميسرة،وكفاكم فضاعة وخزيا وعارا يا أصحاب الظل الطويل. تعابير لن تستطيع أن تصور وتصف مدى الخراب والدمار الذي أصاب منذ عقود الرياضة المغربية، وإن إعادة الإصلاح والترميم والبناء، وتغيير واقع الرياضة المغربية ليتطلب جهود كافة الغيورين على الرياضة المغربية .