هولندا تستدعي السفير الإسرائيلي وتفرض حظرا على دخول سموتريتش وبن غفير    أندونيسيا: زلزال بقوة 6,3 درجة يضرب قبالة مقاطعة آتشيه    فيلم مقتبس من سلسلة مانغا "قاتل الشياطين" يحطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر    إطلاق نار يخلف 5 قتلى في نيويورك    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    قصف روسي يقتل سجناء بأوكرانيا    هجوم مانهاتن يهز أمريكا مجددًا .. والمنفذ يضع حداً لحياته    أخنوش : المجموعات الصحية ستقلص الفوارق وتُحسّن جودة الخدمات الطبية        موانئ ومطارات الشمال تواكب جهود وزارة التعمير والإسكان لاستقبال مغاربة العالم    السيدة الأولى لجمهورية السلفادور تزور بالرباط مركز التشخيص والتأهيل السمعي التابع لمؤسسة للا أسماء        الاكتظاظ في مراكز الاستقبال يدفع إسبانيا لتوزيع القاصرين المغاربة    وصول الصحافي المغربي محمد البقالي إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد إطلاق إسرائيل سراحه    المخيم التربوي المغربي..    المحليون يجرون أول حصة في نيروبي    السيد البرلماني عبد الرحيم بوعزة يهنئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش    أمرابط ينفي تدخله في صفقة بوطيب إلى الوداد    هكذا ودع لبنان زياد الرحباني.. لم تبكِ فيروز وحدها.. بكت بيروت والحارات والمسارح التي غنى فيها    مكتب الفوسفاط يتجاوز 5 ملايين طن من إنتاج سماد ثلاثي سوبر فوسفاط    المغرب ينادي ب"صندوق غذائي" بإفريقيا        النيابة العامة بالبيضاء توضح بخصوص فيديوهات وفاة "هشام منداري"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين من القوات الملكية الجوية    غانا تسجل أول حالة وفاة بفيروس جدري القردة "إمبوكس"    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بانخفاض    تصفيات كأس العالم 2026.. فيفا يحدد تاريخ مباراة الأسود وزامبيا    دراكانوف وقاسمي يختتمان المهرجان المتوسطي بالناظور    تشابي ألونسو يحسم مستقبل إبراهيم دياز مع ريال مدريد    السفير الصيني يختتم مهامه بلقاء وداعي مع رشيد الطالبي العلمي    المال والسياسة: زواج المصلحة أو طلاق القيم    الملك محمد السادس يرحب بتعزيز التعاون مع البيرو    بالصدى .. قوافل ل «تكريس» العوز و«الهشاشة»    مسؤول في مجموعة هيونداي روتيم: المغرب يتموقع كقطب مهم لجذب الاستثمارات الصناعية الأجنبية    منظمتان عبريتان: إسرائيل ترتكب إبادة بغزة وتستنسخها في الضفة    احتفال بنهاية الموسم الدراسي بنكهة إفريقيا على شاطئ كابونيكر بمدينة المضيق.    "فانتاستك فور" يلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    المصباحي يدعو إلى التنوير الرقمي    رياض محرز يمتدح ملاعب المغرب ويؤكد: سنقاتل من أجل اللقب    تايلاند وكمبوديا توقفان إطلاق النار    ما علاقة السكري من النوع الثاني بالكبد الدهني؟        انطلاق فعاليات الدورة ال13 لمهرجان "صيف الأوداية" بسهرات جماهيرية وإشادة بتجربة حياة الإدريسي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    حقيقة احتراق غرفة كريستيانو في النمسا    انخفاض سعر الذهب إلى أدنى مستوى في نحو أسبوعين    سليم كرافاطة يكشف عن أغنيته الجديدة"مادار فيا"    هل الكاف تستهدف المغرب؟ زعامة كروية تُقلق صُنّاع القرار في القارة السمراء    أنفوغرافيك | بخصوص تكاليف المعيشة.. ماذا نعرف عن أغلى المدن المغربية؟    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الدكتور سعيد عفيف ل «الاتحاد الاشتراكي»: اليوم العالمي يجب أن يكون مناسبة للتحسيس وتعزيز الوقاية    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البارصا و أخواتها
نشر في لكم يوم 10 - 10 - 2012

خلت الشوارع من المارة و المتجولين، و امتلأت المقاهي بالمتفرجين ولم يتبقى خارج محيط التلفاز سوى من اضطر غير باغ و لا عاد من المستخدمين أو عابري السبيل من السياح أو الحمقى و المجانين أو من لا يعيرون لكرة القدم أدنى اهتمام ... و قليل ما هم ...
و انقسم الناس إلى مشجع لبرشلونة أو لمدريد. فبعد لحظات ستعيش عاصمة المملكة المغربية و معها باقي عواصم دول العالم السائرة في طريق النمو و كل مدن العالم الثالث وبعض سكان النصف الشمالي من الأرض على إيقاعات "الكلاسيكو" حيث التشويق و الفرجة و الإثارة و المتعة
لست برصاويا و لا رياليا و لا حتى مشجعا للمنتخب الوطني مع أنني كنت من محبي الفريق الملكي أيام بيكهام و موريينتس و روبيرتو كارلوس و المدرب ديل بوسكي قبل أن أقطع الحبل السري الذي كان يربطني بتتبع أخبار كرة القدم مباشرة بعد نهائيات كأس افريقيا لسنة 2004 التي احتل فيها المنتخب المغربي المرتبة الثانية و استقبل بالتمر و الحليب و الورود و الأوسمة الملكية و الصراخ الهستيري لعاشقات الشماخ و الزاييري و حجي ... أغلقت هذا الباب لما كان يستنزفه من وقت و جهد و ما يصاحبه من قلق و توتر و جدال مع أن الأمر لا يغدو كونه لعبة أراد الإعلام تضخيمها و أبى الاقتصاد إلا أن يستثمرها و بالغت السياسة في استغلالها لتصبح كرة القدم ظاهرة كونية جماعية اعتبرها البعض أفيون الشعوب بينما سماها الآخرون سيمفونية الأمم
شاهدت المباراة التي تألق فيها الفريق الكاتالاني أيما تألق و لكن ما شدني فعلا خلال دقائق هذا العرض الفرجوي هو تأثيره العميق على سلوكيات و نفسية الناس و قوته بالذهاب بالعقول و الأبصار ... فالأمر تجاوز المشاهدة الحيادية الترفيهية لرياضة كرة القدم في أعلى مستوياتها إلى تخدير و هوس جماعي وحروب كلامية و الانتساب عن بعد بمدن لم و لن تطأها أرجل أغلب المشاهدين و تعلق مرضي بذوات اللاعبين تهيأت له نفوس متعبة و أرواح مفرغة و عقول قاصرة تبحث عن متنفس و انتماء وهوية و غاية
لعلي سأجرح بهاته الكلمات الكثير من أصدقائي و أقربائي و أمل أن أكون خاطئا و لكني أرى أنه علينا التمييز في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل و امتزجت فيه الرياضة بالمال و الأعمال و السلطة، بين كرة القدم "الرياضة" التي تزكي النفوس و تربي الأبدان و التي غالبا ما يزاولها الناس باكرا في الشواطئ أو مساءا في الأزقة و الشوارع بعد الفراغ من العمل و بين كرة القدم " الترويض" التي بها يروض الشعوب على تضييع الأوقات و إهدار الأموال و تبليد العقول ... إن كرة القدم كما نشاهدها في التلفاز لم تعد تحكمها القيم التي من أجلها أنشأت لتعارف الأجناس و تقارب الثقافات و حوار الحضارات بغض النظر عن النتائج و الأرقام و التحاليل الجزئية بل سارت تحكمها السوق الحرة و منطق الربح و الخسارة و أجندات سياسية و مصالح اقتصادية و صارت المباراة تسوق لأسابيع و كأنها فيلم سينيمائي أبطالها لاعبون يشهرون ماركات كبرى الشركات العالمية على صدورهم خلال العمل و يتفننون في أخد صور مع شامبو أو تسجيل إشهار لزيت محرك السيارات خلال عطل آخر الأسبوع لنفخ أرصدتهم البنكية خلال سنواتهم السمان
علينا أيضا أن نعطي لكل مجال من حياتنا القصيرة حقه الذي يستحقه لأن الهالة التي قد نعطيها لمنحى معين سيكون له بلا شك تأثير قوي و مباشر على مناحي أخرى قد تكون أكثر أهمية... و علينا في نفس الوقت أن نرجع الأمور إلى أصلها و ماهيتها و عدم الوقوع في خطأ تقبلها في مراحل تطورها الشاذة.
كرة القدم رياضة كباقي الرياضات، و تتبعها والاستمتاع بمشاهدة مراوغات الأسطورة "ميسي" و قناطر المغرور "رونالدو" قد يكون له الأثر الإيجابي في الترويح عن النفس آخر عشية كل أحد بعد أسبوع مضن من مزاولة العمل و طلب العلم ، لكن أن نبكي فرحا لهدف اينييستا و تنتفخ أوداجنا غضبا بعد الخسارة و أن نحب المرء لا نحبه إلا في البارصا و نكرهه لذلك وأن تلون حيطاننا و مكاتبنا و أكسسوارات حياتنا اليومية بالأحمر الغامق و الأزرق لهو وجه اخر من التطرف والتشدد والغلو، إذا لا زال تعريف التطرف هو تجاوز حد الإعتدال والغلو هو المبالغة في الأمر والتشدد هو التعصب وأخد الأمر بشدة وعنف وعاطفة
هذه التصرفات لا يجب أن تؤخد معزولة عن السياقات اليومية للفرد، لأنها و إن بدت بسيطة في طبيعتها و محدودة في زمانها فإنها تخلق في الخريطة الذهنية للإنسان عادة جديدة تأخد حيزا جديدا من تفكيره و هامشا من وقته و انشغلاته ... هذه العادة تغذى بساعات المشاهدة الطوال أمام القنوات المختصة حتى تصبح رغبة في الفرجة لا تقاوم تتطور إلى حاجة أساسية لا تستوي الحياة إلا بها، ثم إلى إدمان حقيقي، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن الإدمان لا ينحصر في المخدرات والكحول فقط، بل يتجاوزهما إلا أنواع لا تعد ولا تحصى كالإدمان على التسوق أو العمل أو الطعام أو ألعاب الفيديو أو الإنترنت أو الأفلام الجنسية ... أو إدمان متابعة مباريات كرة القدم الذي نتكلم عنه
يشترك هذا النوع من الإدمان مع الأنواع الأخرى في المبدأ، بحيث يؤدي إفراز المخ للموصلات العصبية خلال لحظات الإثارة و التشويق و الهياج العاطفي و الفرح بالفوز إلى الشعور بالاسترخاء و النشوة تتبعها بعد أيام الرغبة الجامحة في الشعور بهذا الإحساس مرة ثم أخرى فيتدرج المتتبع في جرعة ما هو مدمن عليه حتى نراه يبالغ في تعاطيه لا من ناحية العدد و لا من ناحية الشكل، لأنه لم تعد جرعاته الأولى البريئة تشبع حاجاته المتطورة... وهذا ما يحدث للملايين من المهووسين بفريق ما، يتابعون حركاته و سكناته و يتبعونه أينما حل أو ارتحل وينصرونه في المنتديات و الجلسات و خلال المباريات ، و منهم من يقامر بالمال الوفير من أجله و يشد الرحال لآلاف من الكيلومترات ليرى عن كثب لاعبه المفضل و هو يتحرك أمام عينيه إلى غير ذلك من الشذوذ الكروي الذي حول نشاط وقت فراغ ومتعة ساعة راحة إلا أهم محاور الشباب
أنا لا أعمم لأن هناك بالفعل من يعشق كرة القدم كرياضة امتلأ بها قلبه فهو يمارسها و يلم بجوانبها بشكل كبير لأنه أراد لنفسه الاحتراف في هذا الميدان كلاعب أو مدرب أو إطار أو صحفي أو لأنه يزاولها كرياضته المفضلة عدة مرات في الأسبوع فلا بد له من مصادر مرئية لكي يستلهم و يتعلم و يقتدي
بل أتحدث عن الذي لا يمت للرياضة بصلة، فهو أصلا لا يدري كم سجارة دخنها منذ بداية الكلاسيكو لشدة قلقه، تدلت بطنه بين فخديه منذ اخر مرة لمست رجلاه كرة أيام حصص الرياضة في الثانوية ... و لكنه يشاهد المباراة ليعيش 90 دقيقة كأنه أحد النجوم الاثنين و العشرين، شاب ،أوروبي، وسيم، مشهور، قوي، ذكي، غني و محبوب... فهو يدخل في حالة تقمصية للنجوم، إفتتانية بهم و هو لا يدري بأنه يعبر بذلك عن فشله الدفين في تحقيق ما نجح فيه من يشاهدهم
أتحدث عن من إتخد الدوري الإسباني و الإيطالي و الفرنسي و الإنجليزي و الألماني كدورة تكوينية ينسى بها همومه الشديدة وواقعه المرير و مشاكله المستعصية ... من اتخد كأس أوروبا و إفريقيا و العالم و كأس عصبة الأبطال و كأس الكؤوس كأسا من خمر يسكن به وقع الظروف و المشاكل ... فيلبي بذلك مراد من أرادوا إبعاده بطريقة فنية كروية تخديرية عن كيفية تغيير الواقع و الظروف وحل المشاكل
أتحدث عن الذي " ألولو" بأن هناك شيء إسمه البطولة الإسبانية و أن عليه أن يختار بين "مدريد" و "البارصا" لأنها أحسن وسيلة لكي يشق مكانه في المقهى و يكون له رأي في النقاشات اليومية ، ففكر هنية ثم "مشى مع الرابحة" فاختار أن يكون بارصاويا و لو كانت "مدريد" "محيحة" لتبناها شعارا لحياته كي يفك عزلته فيمشي مع السائرين و يخوض مع الخائضين ... ينطبق عليه قول الشاعر
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري
وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟
أأنا السائر في الدرب؟ أم الدرب يسير؟
أم كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري
أتحدث عن كرة القدم الشاذة التي ينتقل فيها مراهق من نادي أوروبي إلى أخر بميزانية دولة افريقية
أتحدث عن كرة القدم التي تفجرت بسبها أزمة دبلوماسية بين أعرق بلدين عربيين افريقيين
أتحدث عن كرة القدم التي تستخدم لتحقيق قفزات اقتصادية للبلدان المنظمة طبقا لقواعد سياسية محضة
أتحدث عن كرة القدم الرأسمالية التي ملأت حياتنا إعلانات و دعاية و إعلاما و نجوما و مشاهيار
أتحدث عن كل ما يحدث خارج المستطيل الأخضر خلال ال90 دقيقة من المبارة
_____________________________________________
طبيب إختصاصي في الجراحة الباطنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.