تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    المغرب والصين.. تطور مستمر لعلاقات اقتصادية وتجارية    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    ارتفاع مؤشر التضخم في شهر أكتوبر    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    الاستثمار العمومي.. بين الأرقام والواقع    أحزاب مغربية تدعو لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية ضد "نتنياهو" و"غالانت" وتطالب بوقف التطبيع مع مجرمي الحرب    معضلة الديموقراطية الأمريكية ..    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني        لمواجهة موجات البرد.. وزارة الصحة تطلق عملية "رعاية" ب31 إقليما    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    رئيس مجلس النواب…المساواة والمناصفة أبرز الإنجازات التي شهدها المغرب خلال 25 سنة    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب        دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيوسف: جائحة كورونا أعادت الاعتبار للبعد الفردي والشخصي في الحياة الدينية
نشر في لكم يوم 31 - 05 - 2020

يدعو البروفيسور خليل بنيوسف، أستاذ سابق للتعليم العالي بكلية الطب في الرباط، ل”الاستثمار في الصحة ومسبباتها أقل تكلفة من الاستثمار في محاربة المرض وأكثر مردودية كما ونوعا. فعدد المرضى سيقل والوعي الصحي سيرتفع، وهذا سينتج عنه فرملة للهدر الصحي وترشيد للنفقات”.
ويضيف بنيوسف، المهتم بفلسفة “نيتشه” في جانبها الطبي والعلاجي، في حوار مع موقع “لكم”، أن أزمة “كورونا” أبانت على أن حاجة البلاد إلى أجهزة أمنية قوية لا تقل أهمية عن حاجتها إلى مهن العناية بالمواطن:الصحة ،التعليم،المساعدة الاجتماعية…وأن الاستثمار في هذه المجالات، خاصة في العنصر البشري، كفيل بتحقيق نهضتنا المنشودة، وأن الاعتماد على الخارج، وخاصة فرنسا، مضر بمصلحتنا الوطنية، لذا يتعين تنويع علاقتنا الخارجية خاصة مع الدول التي لنا معها مصالح مشتركة وأيضا قيم مشتركة.. والابتعاد ما أمكن عن الدول التي يمكن أن تجرنا إلى الوراء”.

ويخلص بنيوسف أن هاته الأزمة، في بدايتها، أبانت عن تلاحم قوي بين السلطة والشعب لمواجهة العدو المشترك “كورونا”، والتوجه نحو تشجيع الابتكار والبحث العلمي والاكتفاء الذاتي. كما أن التضامن الشعبي خفف على الدولة عبئ تحمل الفئات الهشة. كما أبانت عن وعي سياسي كبير عند الشعب الذي التزمت أغلبيته بقواعد الحجر الصحي، وكذلك أجهزة الدولة التي تبنت مقاربة طبية علمية لمواجهة الجائحة.. وهذا ما جعل بعض الملاحظين يتفاءلون ببزوغ فجر جديد تزداد فيه الدولة حداثة ومواطنة ودمقرطة وتحررا، بحسب تعبيره.
وفي ما يلي نص الحوار:
ماذا يعني لك الحجر الصحي ؟
الحجر الصحي هو إجراء وقائي يتمثل في امتناع الناس عن التلاصق والتقارب والتنقل إلا لضرورات قصوى والتزام البيوت لمنع أو على الأقل التقليل من احتمالات الإصابة بالعدوى في ظل حالة وبائية.
وهو إجراء قديم لجأت إليه بعض الشعوب في عدة فترات من التاريخ حين لاحظت أن بعض الأمراض تنتشر بشكل كبير بين الناس المخالطين للمرضى. وقد ساد الاعتقاد ضمنيا أن هذا الإجراء تم تجاوزه تاريخيا بفضل تقدم الطب، وخاصة إمكانيات العلاج والتلقيح من جهة. ومن جهة أخرى عدم انتشار أي جائحة مثل كورونا في العالم منذ عقود.
ولكن الحجر ليس هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة كورونا، خاصة وأن كلفته الاقتصادية والسيكولوجية مرتفعة خاصة إذا طال. وهناك دول آسيوية استطاعت تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر في الأرواح والأموال والمعنويات مثل كوريا الجنوبية بفضل التشخيص المبكر على أوسع نطاق للحالات المرضية وعزلها عن الأصحاء وفرض الحجر على المرضى والمصابين فقط واتخاذ تدابير احترازية مبكرة: الكمامة، التباعد الاجتماعي، قياس الحرارة، التتبع الالكتروني للحالات المرضية، الصرامة في تطبيق القانون وتشديد العقوبات على المخالفين.
ما الذي تنشغل به في الحجر الصحي؟
بالنسبة للأطباء لم يكن الحجر الصحي إلا نسبيا، حيث استمرت المستشفيات العمومية والمصحات والعيادات الخاصة في أداء خدماتها مع اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تفرضها الظرفية الوبائية. وبحكم تخصصي في الأمراض الجلدية والأمراض المتنقلة جنسيا فإن عدد الاستشارات الطبية سواء حضوريا أو عن بعد بتقنية الفيديو كان أقل من فترة ما قبل كورونا لتعذر تنقل المرضى، خاصة الذين يقطنون مدنا أخرى غير الرباط وسلا وتمارة.
ونظرا لأن العديد من المرضى لم تكن أمراضهم من الخطورة بحيث لا تحتمل تأجيل تشخيصها ومتابعتها وعلاجها إلى ما بعد رفع الحجر الصحي.
في فترة الحجر هاته، كنت أستغل أكثر فرصة الذهاب و الإياب إلى العيادة للتأمل في عالم مدينة قلت من البشر إلا ما نذر، وأجول ببصري في مناظر ما تبقى من الطبيعة في الطريق، وأغير مساراتي بما أنها تؤدي كلها إلى مقر العمل وبنفس المسافة لأعيد اكتشاف “هواءات” وفضاءات أخرى محيطة بالطريق لأنني أومن أن متعة الطريق لا تقل أهمية عن الهدف المقصود والمتوجه إليه…فكان هذا ترويحا عن النفس وعن الضغوطات السيكولوجية الناتجة عن الاشتغال في ظروف الوباء.
عامل تقلص ساعات العمل وعدم القيام بأي أنشطة خارج البيت وفر لي فائضا من الوقت وفرصة ثمينة للقيام بأنشطة وأعمال لم يكن لي ما يكفي من الوقت للقيام بها فيما سبق، أذكر منها:
− الاهتمام بأسرتي الكريمة وتتبع أحوالها عن كثب وخلق أجواء تخفف عنها وطأة الحجر وإعادة اكتشاف بيتي وشرفاته!
− التواصل مع الأصدقاء عن بعد بالصوت والصورة وعبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي في غياب إمكانية التواصل عن قرب؛
− تنظيم مكتبتي وترتيب عشرات الكتب التي اقتنيتها مؤخرا والتي لم أجد لها مكانا لائقا في الحجرة الخاصة بالمكتبة . وهو ما تطلب مني وقتا غير يسير، بالإضافة إلى قراءة المقالات والأبحاث ذات الصلة بتخصصي، حيث كنت أتابع يوميا تطورات الوباء ومستجدات البحث العلمي في هذا المجال وأتواصل مع الزملاء للمساهمة في التكوين الطبي المستمر للأطباء؛
− المساهمة في برامج التوعية بهذا الوباء عبر الإعلام الوطني أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي؛
− متابعة الأنشطة الثقافية عبر ندوات تفاعلية وحوارات وبرامج وثائقية على الشبكة العنكبوتية. وهو ما أتاح لي فرصة اكتشاف وإعادة اكتشاف العديد من الفلاسفة والمفكرين العرب والغربيين.
– في مجال المطالعة: أكملت دراسة، ولا أقول قراءة، كتاب “هكذا تكلم زرادشت” لنيتشه” كما اطلعت على كتابات العديد ن شراح نيتشه الفرنسيين والايطاليين والألمان والإنجليز، وأوليت عناية خاصة بالكتب التي تطرقت إلى تاريخ الأوبئة في المغرب، وكذا كتابات الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” حول السلطة والوباء، خاصة كتابه “راقب وعاقب” الذي خلص فيه أن السلطة تجنح إلى مزيد من الاستبداد أثناء الوباء وبعده. وهو ما أكدته العديد من التجارب التاريخية وحذرت منه وذكرت به مؤخرا الأمم المتحدة بمناسبة جائحة كورونا. وهذا يستدعي مزيدا من اليقظة والحذر من قبل النشطاء الحقوقيين وكل الغيورين على مصلحة الوطن وحرية أبنائه.
– أجمع مادة كتاب أولحول”نيتشه” اخترت له كمشروع عنوان أولي “نيتشه في جامع الفنا”، وهي محاولة لتبسيط جزء كبير وهام من فلسفة نيتشه للقارئ غير المتعود على الفلسفة بأسلوبها ومصطلحاتها “المعقدة”، حيث سأقوم بشرح جوانب أساسية من فلسفة نيتشه، السهلة والممتنعة، عن طريق باقة منتقاة من الأمثال الشعبية المتداولة بالمغرب مثل: القط ملي ما كيوصلش للحم كيقول خانز، حن تمحن، الضربة لي ما تقصم الظهر تزيد ف العمر وغيرها. وهي محاولة إن وفقت فيها ستكون رائدة على المستوى العالمي.
ما قراءتك لما يقع اليوم وما الذي كشفته هاته الأزمة؟
على المستوى الدولي كشفت هاته الأزمة عدم استعداد النظام الصحي في العديد من البلدان بما فيها بلدان جنوب أوروبا لتحمل حالة وبائية كحالة كورونا. كما سجل توتر في العلاقات الدولية واحتمال إعادة النظر فيها على ضوء التغيرات في ميزان القوى العالمي التي ستعقب الجائحة، وكذا هشاشة وارتباك منظمات المجتمع الدولي، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، فضلا عن إعادة الاعتبار للبيئة التي استعادت بعض عافيتها وحيويتها بسبب نقص مخلفات النشاط الاقتصادي الذي توقف جزئيا بسبب الوباء.
كما أن هناك احتمال تأجج الصراع الدولي الذي سينجم عن النتائج السياسية والاقتصادية التي ستخلفها هاته الجائحة وكذا من سيتحمل أو يحمل مسؤولية الفيروس.
وعلى المستوى الوطني، يجب التنويه بمجهودات السلطات العمومية ومهنيي الصحة وعمال النظافة وكل الذين اشتغلوا عن بعد أو ساهموا في الحد من انتشار الوباء بالتزامهم بيوتهم. هذه الجهود متظافرة ساهمت رغم بعض الهفوات والتأخر في اتخاذ بعض القرارات الهامة كارتداء الكمامات وتوسيع قاعدة عدد الذين أجريت لهم تحاليل الكشف عن “كوفيد-19” وتأخر تواجد وسائل الوقاية من الوباء للعاملين في القطاع الطبي الخاص.
ضعف تحفيز وتقدير مهنيي الصحة، عكس ما قامت به دول أخرى، حيث شجعتهم ماديا ومعنويا.
ضرورة تحمل الدولة بما تملكه من إمكانيات وثروات طبيعية لمسؤوليتها لإنعاش الاقتصاد، وعدم إجبار الطبقات المتوسطة والضعيفة على أداء فاتورة الخسائر الناجمة عن الحجر الصحي، خاصة وإذا علمنا أن القطاع الخاص تضرر كثيرا من هذه الجائحة بسبب توقف نشاطه كليا أو جزئيا، وأن استئنافه لنشاطه لن يكون إلا تدريجيا وبوتيرة بطيئة.
الأزمة كشفت ضعف التأطير الحزبي للمواطنين وشبه غياب للنقاش العمومي العميق حول الأبعاد المتعددة لهذه الجائحة ومختلف المقاربات الممكنة للتصدي لها، والذي يجب أن يشارك فيه سياسيون ذوو مصداقية ومثقفون من مشارب شتى.
هناك أيضا ضعف أداء المؤسسة التشريعية واعتمادها نظام الوكالة وإصدارها قوانين هامة في غياب نقاش حقيقي، ومحاولتها تمرير قانون 20.22 المعلوم في ظل ظروف الحجر. هاته النوازل زادت من تكريس الصورة السلبية التي يرسمها قطاع وازن من المواطنين من أن الأحزاب والهيئات المنتخبة ما هي غي خضرة فوق طعام، وأن البلاد عندها ماليها الحقيقيين وتكريس هذه الصورة لا يبشر بخير ولا يجعلنا مطمئنين على مستقبل الاستقرار السياسي للوطن ومؤسساته.
أنت مناصر لبعض من فلسفة “نيتشه” في الصحة. كيف يمكن استثمار تلك المقاربة من أجل توفير مداخل أفضل لصحة عمومية ذات جودة لجميع المغاربة؟
بالنسبة لمكونات فلسفة نيتشه المفيدة لمواجهة جائحة ورونا، فقد تطرقت إليها في محاضرة تفاعلية نظمتها الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بدعوة من منسقها الوطني لأستاذ عبد الكريم سفير. ورغم أن وقت المحاضرة ناهز ثلاث ساعات فإنني لم أتمكن من التطرق إلى كل النقط التي كنت أود التحدث فيها. وهذه أهم المحاور التي تشكلت منها هذه المحاضرة المعنونة : فلسفة الصحة عند نيتشه على ضوء جائحة كورونا والتي تركز على الأطروحات النيتشوية المساعدة على التصدي لهاته الجائحة من خلال:
– فكرة الصحة الكبرى؛
– مركزية وأولوية الجسد؛
– أهمية علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا)؛
– وصفات نيتشوية لتقوية الجسم؛
– حول أهمية الفرد وضروة تميزه عن جماعته؛
– مزايا الوحدة والاكتفاء الذاتي؛
– محدودية الحقيقة ونسبيتها؛
– أهمية الجينيالوجيا النيتشوية في البحث العلمي؛
– الأفكار والأمزجة معدية وليست فقط في الميكروبات؛
– ضرورة إعادة التطبيع مع الطبيعة وكائناتها الحية؛
– ضرورة الرصد المبكر للأعراض المرضية في الأجسام والثقافات؛
– أهمية الاهتمام بدوافع السلوك الإنساني وليس فقط بتعابيره الخارجية؛
– الأخلاق النبيلة؛
– براءة صيرورة الطبيعة؛
– حب القدر؛
– إرادة القوة.
والعمود الفقري التي ارتكزت عليه هذه المحاضرة، هو أن دعوة نيتشه المتكررة للإعلاء من قيم الحياة وتقوية الجسم بمكوناته المادية والروحية والعقلية والنفسية لينخرط في تراجيديا الوجود وتقلبات الدهر بعزيمة ونشاط وبهجة وإقبال…إن كانت، في الحياة اليومية ، نافعة ومفيدة وعند البعض مسلية ومواسية..فإن استدعاءها، كأحد الأسلحة الإستراتيجية المضادة لإرادة الموت والخراب الناجم عن الجائحة ، يصبح ضرورة حياتية مدعمة ومكملة للطرق الطبية المنتهجة للتصدي للعدوى .
ومن أراد،من القراء، الإنصات لهذه المحاضرة، فتسجيلها موجود في وسائط التواصل الاجتماعي: فيسبوك، يوتوب.
بالنسبة لأهمية فلسفة نيتشه في مقاربة سياسة صحية عمومية. أود أن أنبه إلى أن قوة القطاع الصحي تكمن في نجاعة وتكامل قطاعيه العام والخاص. وأركز هنا على أن جزءا كبيرا من المتن النيتشوني اهتم بالصحة والمرض والجسم بمختلف مكوناته، ومقاربته تكمن بإيجاز في أن الأولوية يجب أن تعطى لتقوية الجسم لا لمحاربة الأمراض، فالجسم المتمتع بصحة كبرى من خلال نظام غذائي ذكي ولذيذ وهواء طلق نقي ونشاط رياضي وفني يومي وتعبير غريزي طبيعي واستمتاع بالطبيعة ونوم مريح وتحرر من العقد النفسية واعتناء بالمظهر وتشبع بثقافة بهيجة وعلاقات اجتماعية بريئة. هذا الجسم لن تتسلط عليه الكثير من الأمراض النفسية والعضوية، وأن أصيب بها سيقاومها ، وإذا انتصر ازداد قوة. والأهم من ذلك، في نظر هذا الفيسلوف الألماني، هو أن صاحب هذا الجسم ستغمره الفرحة والشعور بالامتلاء والقوة والبهجة. وهذه لا تقل أهمية عن الخلو من المرض وطول العمر. بمعنى أن الهدف في نهاية المطاف هو بلوغ نوع من السعادة من خلال تقوية الجسم. هذا الهدف، أي السعادة، هو ما اعتبرته الولايات المتحدة ،على سبيل المثال،هدفا للشعب الأمريكي وسطرت ذلك في دستورها.
أهمية هذه المقاربة في الصحة العمومية تكمن في أن الاستثمار في الصحة ومسبباتها أقل تكلفة من الاستثمار في محاربة المرض وأكثر مردودية كما ونوعا. فعدد المرضى سيقل والوعي الصحي سيرتفع، وهذا سينتج عنه فرملة للهدر الصحي وترشيد للنفقات.
حتى نخرج من الأزمة ويصير بلدنا أكثر قوة وصلابة في قطاع الصحة. ما المطلوب في نظرك؟
وجهة نظري ألخصها في النقاط الآتية:
● ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري، كما وكيفا، وتحفيزه ماديا ومعنويا. فقد أبانت هذه الأزمة مدى الحاجة لمهنيي الصحة، خاصة وأن كل المؤشرات تدل أن الطلب على هذه الفئة سيزداد في الخارج بمحفزات تصعب مجاراتها في الداخل مما سيزيد من الخصاص الذي نعاني منه حاليا. وسينطبق علينا المثل المغربي القائل: اللحية قليلة ونتفها الحجام.
● ترشيد الإنفاق ووقف الهدر: المنظومة الصحية متكاملة فلا معنى لصرف ميزانيات على مراكز صحية إن لم توفر لها ، وبشكل متزامن، الموارد البشرية والتجهيزات الطبية اللازمة لتشغيلها بأقصى قدراتها.
● تشجيع البحث العلمي الطبي ذو العلاقة بأجهزة الكشف والعلاج. وقد أظهرت الجائحة أن بلادنا تتوفر على كفاءات إذا أحسن توظيفها سترفع من مستوى بلادنا الصحي وستقلل تكلفة المواد الطبية المستوردة.
● إطار قانوني منظم لهيئة الأطباء يجعلها أكثر فعالية ومشاركة في المجهود الصحي الوطني وأكثر دمقرطة.
● إيجاد معادلة عادلة للتكوين الطبي الخاص والعام تجعلهما متكاملين لا متصارعين بحيث لا ينمو أحدهما على حساب الآخر.
● وقف الحملات الإعلامية على العاملين في قطاع الصحة والأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المالية التي يعاني منها معظمهم وتحفيزهم بما يتناسب وطول مدتهم الدراسية وصعوبتها، وكذا المخاطر والمسؤوليات التي يتحملونها.
● مراجعة التغطية الصحية من خلال حوار حقيقي وديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة كل الأطراف.
كيف يمكن أن ننتج قيما جديدة ومثلا جديدة لدخول مرحلة جديدة وعدم تكرار ما جرى من أخطاء واستجلاء دروس مما يقع اليوم؟
بالإضافة لما ذكرت آنفا، يمكن أن أَضيف أن هذه الأزمة أبانت على أن حاجة البلاد إلى أجهزة أمنية قوية لا تقل أهمية عن حاجتها إلى مهن العناية بالمواطن:الصحة ،التعليم،المساعدة الاجتماعية.. وأن الاستثمار في هذه المجالات، خاصة في العنصر البشري، كفيل بتحقيق نهضتنا المنشودة. وأن الاعتماد على الخارج، وخاصة فرنسا، مضر بمصلحتنا الوطنية، لذلك وجب تنويع علاقتنا الخارجية خاصة مع الدول التي لنا معها مصالح مشتركة وأيضا قيم مشتركة، خاصة الإيمان بالحريات وحقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية وفصل السلط والابتعاد ما أمكن عن الدول التي يمكن أن تجرنا إلى الوراء.
في ظل هاته الأزمة، كيف تنظر لمستقبل عيشنا المشترك؟
لقد أبانت هاته الأزمة، في بدايتها، عن تلاحم قوي بين السلطة والشعب لمواجهة العدو المشترك “كورونا”، والتوجه نحو تشجيع الابتكار والبحث العلمي والاكتفاء الذاتي. كما أن التضامن الشعبي خفف على الدولة عبئ تحمل الفئات الهشة. وما يمكن أن ينتج عن حجرها القابل للتمديد، لأجل غير مسمى، من اضطرابات اجتماعية. كما أبانت عن وعي سياسي كبير عند الشعب الذي التزمت أغلبيته بقواعد الحجر الصحي، وكذلك أجهزة الدولة التي تبنت مقاربة طبية علمية لمواجهة الجائحة وتصدت للتيارات الدينية المتطرفة التي حاولت خرق الحجر والإلقاء بالبلاد إلى التهلكة. هذا ما جعل بعض الملاحظين يتفاءلون ببزوغ فجر جديد تزداد فيه الدولة حداثة ومواطنة ودمقرطة وتحررا.
لكن بعض التراجعات التي سجلها بعض الحقوقيين، في مجال الحريات، وأداء المؤسسات المنتخبة جعلت الكثير من هؤلاء المتفائلين حذرين وغير متيقنين من انتصار إرادة الانعتاق على إرادة النكوص.
مسألة أخيرة في هذا الصدد، أبانت هذه الجائحة عن بعد ديني وروحي هام هو استمرار الحياة الدينية بشكل فردي وشخصي وهذا البعد تمت الاستهانة به تاريخيا وأعادت له الجائحة الاعتبار وحضور هذا البعد عنصر مقو لنشر روح التسامح الديني في المجتمع.
فالذوبان والانخراط اللامشروط في الروح الدينية الجماعية وإقصاء ما هو ذاتي وشخصي في نظرة المتدين إلى ذاته وإلى غيره من شأنها أن تقوي عدوانيته اتجاه المخالف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.