القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية ورياح عاتية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    غارة إسرائيلية قرب دمشق ونتانياهو يقول بأنها "رسالة حازمة" لسوريا بشأن حماية الدروز    وزير العدل يدعو إلى عدم التشدد في منح العقوبات البديلة بدعوى عدم التوفر على الإمكانيات    حصيلة جولة أبريل للحوار الاجتماعي.. التزامات جديدة بتحسين الدخل ولجنة وطنية لإصلاح التقاعد    تأخيرات الرحلات الجوية.. قيوح يعزو 88% من الحالات لعوامل مرتبطة بمطارات المصدر    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    موتسيبي: "كان 2025" بالمغرب سيكون أفضل احتفال بكرة القدم الإفريقية    الدولي المغربي طارق تيسودالي ضمن المرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في الدوري الاماراتي لشهر أبريل    مأزق نظام الجزائر من الاستفتاء إلى الحكم الذاتي    شرطة القصر الكبير توقف "الروبيو"    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    هذه كتبي .. هذه اعترافاتي    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    المغرب ينخرط في تحالف استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    تجديد المكتب المحلي للحزب بمدينة عين العودة    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    انتخاب البابا الجديد ..    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    نجاح دورة جديدة لكأس الغولف للصحافيين بأكادير    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    حاجيات الأبناك من السيولة بلغت 129,8 مليار درهم    سيميوني يستفز برشلونة قبل مباراتهما في نصف النهائي    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيوسف: جائحة كورونا أعادت الاعتبار للبعد الفردي والشخصي في الحياة الدينية
نشر في لكم يوم 31 - 05 - 2020

يدعو البروفيسور خليل بنيوسف، أستاذ سابق للتعليم العالي بكلية الطب في الرباط، ل”الاستثمار في الصحة ومسبباتها أقل تكلفة من الاستثمار في محاربة المرض وأكثر مردودية كما ونوعا. فعدد المرضى سيقل والوعي الصحي سيرتفع، وهذا سينتج عنه فرملة للهدر الصحي وترشيد للنفقات”.
ويضيف بنيوسف، المهتم بفلسفة “نيتشه” في جانبها الطبي والعلاجي، في حوار مع موقع “لكم”، أن أزمة “كورونا” أبانت على أن حاجة البلاد إلى أجهزة أمنية قوية لا تقل أهمية عن حاجتها إلى مهن العناية بالمواطن:الصحة ،التعليم،المساعدة الاجتماعية…وأن الاستثمار في هذه المجالات، خاصة في العنصر البشري، كفيل بتحقيق نهضتنا المنشودة، وأن الاعتماد على الخارج، وخاصة فرنسا، مضر بمصلحتنا الوطنية، لذا يتعين تنويع علاقتنا الخارجية خاصة مع الدول التي لنا معها مصالح مشتركة وأيضا قيم مشتركة.. والابتعاد ما أمكن عن الدول التي يمكن أن تجرنا إلى الوراء”.

ويخلص بنيوسف أن هاته الأزمة، في بدايتها، أبانت عن تلاحم قوي بين السلطة والشعب لمواجهة العدو المشترك “كورونا”، والتوجه نحو تشجيع الابتكار والبحث العلمي والاكتفاء الذاتي. كما أن التضامن الشعبي خفف على الدولة عبئ تحمل الفئات الهشة. كما أبانت عن وعي سياسي كبير عند الشعب الذي التزمت أغلبيته بقواعد الحجر الصحي، وكذلك أجهزة الدولة التي تبنت مقاربة طبية علمية لمواجهة الجائحة.. وهذا ما جعل بعض الملاحظين يتفاءلون ببزوغ فجر جديد تزداد فيه الدولة حداثة ومواطنة ودمقرطة وتحررا، بحسب تعبيره.
وفي ما يلي نص الحوار:
ماذا يعني لك الحجر الصحي ؟
الحجر الصحي هو إجراء وقائي يتمثل في امتناع الناس عن التلاصق والتقارب والتنقل إلا لضرورات قصوى والتزام البيوت لمنع أو على الأقل التقليل من احتمالات الإصابة بالعدوى في ظل حالة وبائية.
وهو إجراء قديم لجأت إليه بعض الشعوب في عدة فترات من التاريخ حين لاحظت أن بعض الأمراض تنتشر بشكل كبير بين الناس المخالطين للمرضى. وقد ساد الاعتقاد ضمنيا أن هذا الإجراء تم تجاوزه تاريخيا بفضل تقدم الطب، وخاصة إمكانيات العلاج والتلقيح من جهة. ومن جهة أخرى عدم انتشار أي جائحة مثل كورونا في العالم منذ عقود.
ولكن الحجر ليس هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة كورونا، خاصة وأن كلفته الاقتصادية والسيكولوجية مرتفعة خاصة إذا طال. وهناك دول آسيوية استطاعت تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر في الأرواح والأموال والمعنويات مثل كوريا الجنوبية بفضل التشخيص المبكر على أوسع نطاق للحالات المرضية وعزلها عن الأصحاء وفرض الحجر على المرضى والمصابين فقط واتخاذ تدابير احترازية مبكرة: الكمامة، التباعد الاجتماعي، قياس الحرارة، التتبع الالكتروني للحالات المرضية، الصرامة في تطبيق القانون وتشديد العقوبات على المخالفين.
ما الذي تنشغل به في الحجر الصحي؟
بالنسبة للأطباء لم يكن الحجر الصحي إلا نسبيا، حيث استمرت المستشفيات العمومية والمصحات والعيادات الخاصة في أداء خدماتها مع اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تفرضها الظرفية الوبائية. وبحكم تخصصي في الأمراض الجلدية والأمراض المتنقلة جنسيا فإن عدد الاستشارات الطبية سواء حضوريا أو عن بعد بتقنية الفيديو كان أقل من فترة ما قبل كورونا لتعذر تنقل المرضى، خاصة الذين يقطنون مدنا أخرى غير الرباط وسلا وتمارة.
ونظرا لأن العديد من المرضى لم تكن أمراضهم من الخطورة بحيث لا تحتمل تأجيل تشخيصها ومتابعتها وعلاجها إلى ما بعد رفع الحجر الصحي.
في فترة الحجر هاته، كنت أستغل أكثر فرصة الذهاب و الإياب إلى العيادة للتأمل في عالم مدينة قلت من البشر إلا ما نذر، وأجول ببصري في مناظر ما تبقى من الطبيعة في الطريق، وأغير مساراتي بما أنها تؤدي كلها إلى مقر العمل وبنفس المسافة لأعيد اكتشاف “هواءات” وفضاءات أخرى محيطة بالطريق لأنني أومن أن متعة الطريق لا تقل أهمية عن الهدف المقصود والمتوجه إليه…فكان هذا ترويحا عن النفس وعن الضغوطات السيكولوجية الناتجة عن الاشتغال في ظروف الوباء.
عامل تقلص ساعات العمل وعدم القيام بأي أنشطة خارج البيت وفر لي فائضا من الوقت وفرصة ثمينة للقيام بأنشطة وأعمال لم يكن لي ما يكفي من الوقت للقيام بها فيما سبق، أذكر منها:
− الاهتمام بأسرتي الكريمة وتتبع أحوالها عن كثب وخلق أجواء تخفف عنها وطأة الحجر وإعادة اكتشاف بيتي وشرفاته!
− التواصل مع الأصدقاء عن بعد بالصوت والصورة وعبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي في غياب إمكانية التواصل عن قرب؛
− تنظيم مكتبتي وترتيب عشرات الكتب التي اقتنيتها مؤخرا والتي لم أجد لها مكانا لائقا في الحجرة الخاصة بالمكتبة . وهو ما تطلب مني وقتا غير يسير، بالإضافة إلى قراءة المقالات والأبحاث ذات الصلة بتخصصي، حيث كنت أتابع يوميا تطورات الوباء ومستجدات البحث العلمي في هذا المجال وأتواصل مع الزملاء للمساهمة في التكوين الطبي المستمر للأطباء؛
− المساهمة في برامج التوعية بهذا الوباء عبر الإعلام الوطني أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي؛
− متابعة الأنشطة الثقافية عبر ندوات تفاعلية وحوارات وبرامج وثائقية على الشبكة العنكبوتية. وهو ما أتاح لي فرصة اكتشاف وإعادة اكتشاف العديد من الفلاسفة والمفكرين العرب والغربيين.
– في مجال المطالعة: أكملت دراسة، ولا أقول قراءة، كتاب “هكذا تكلم زرادشت” لنيتشه” كما اطلعت على كتابات العديد ن شراح نيتشه الفرنسيين والايطاليين والألمان والإنجليز، وأوليت عناية خاصة بالكتب التي تطرقت إلى تاريخ الأوبئة في المغرب، وكذا كتابات الفيلسوف الفرنسي “ميشيل فوكو” حول السلطة والوباء، خاصة كتابه “راقب وعاقب” الذي خلص فيه أن السلطة تجنح إلى مزيد من الاستبداد أثناء الوباء وبعده. وهو ما أكدته العديد من التجارب التاريخية وحذرت منه وذكرت به مؤخرا الأمم المتحدة بمناسبة جائحة كورونا. وهذا يستدعي مزيدا من اليقظة والحذر من قبل النشطاء الحقوقيين وكل الغيورين على مصلحة الوطن وحرية أبنائه.
– أجمع مادة كتاب أولحول”نيتشه” اخترت له كمشروع عنوان أولي “نيتشه في جامع الفنا”، وهي محاولة لتبسيط جزء كبير وهام من فلسفة نيتشه للقارئ غير المتعود على الفلسفة بأسلوبها ومصطلحاتها “المعقدة”، حيث سأقوم بشرح جوانب أساسية من فلسفة نيتشه، السهلة والممتنعة، عن طريق باقة منتقاة من الأمثال الشعبية المتداولة بالمغرب مثل: القط ملي ما كيوصلش للحم كيقول خانز، حن تمحن، الضربة لي ما تقصم الظهر تزيد ف العمر وغيرها. وهي محاولة إن وفقت فيها ستكون رائدة على المستوى العالمي.
ما قراءتك لما يقع اليوم وما الذي كشفته هاته الأزمة؟
على المستوى الدولي كشفت هاته الأزمة عدم استعداد النظام الصحي في العديد من البلدان بما فيها بلدان جنوب أوروبا لتحمل حالة وبائية كحالة كورونا. كما سجل توتر في العلاقات الدولية واحتمال إعادة النظر فيها على ضوء التغيرات في ميزان القوى العالمي التي ستعقب الجائحة، وكذا هشاشة وارتباك منظمات المجتمع الدولي، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، فضلا عن إعادة الاعتبار للبيئة التي استعادت بعض عافيتها وحيويتها بسبب نقص مخلفات النشاط الاقتصادي الذي توقف جزئيا بسبب الوباء.
كما أن هناك احتمال تأجج الصراع الدولي الذي سينجم عن النتائج السياسية والاقتصادية التي ستخلفها هاته الجائحة وكذا من سيتحمل أو يحمل مسؤولية الفيروس.
وعلى المستوى الوطني، يجب التنويه بمجهودات السلطات العمومية ومهنيي الصحة وعمال النظافة وكل الذين اشتغلوا عن بعد أو ساهموا في الحد من انتشار الوباء بالتزامهم بيوتهم. هذه الجهود متظافرة ساهمت رغم بعض الهفوات والتأخر في اتخاذ بعض القرارات الهامة كارتداء الكمامات وتوسيع قاعدة عدد الذين أجريت لهم تحاليل الكشف عن “كوفيد-19” وتأخر تواجد وسائل الوقاية من الوباء للعاملين في القطاع الطبي الخاص.
ضعف تحفيز وتقدير مهنيي الصحة، عكس ما قامت به دول أخرى، حيث شجعتهم ماديا ومعنويا.
ضرورة تحمل الدولة بما تملكه من إمكانيات وثروات طبيعية لمسؤوليتها لإنعاش الاقتصاد، وعدم إجبار الطبقات المتوسطة والضعيفة على أداء فاتورة الخسائر الناجمة عن الحجر الصحي، خاصة وإذا علمنا أن القطاع الخاص تضرر كثيرا من هذه الجائحة بسبب توقف نشاطه كليا أو جزئيا، وأن استئنافه لنشاطه لن يكون إلا تدريجيا وبوتيرة بطيئة.
الأزمة كشفت ضعف التأطير الحزبي للمواطنين وشبه غياب للنقاش العمومي العميق حول الأبعاد المتعددة لهذه الجائحة ومختلف المقاربات الممكنة للتصدي لها، والذي يجب أن يشارك فيه سياسيون ذوو مصداقية ومثقفون من مشارب شتى.
هناك أيضا ضعف أداء المؤسسة التشريعية واعتمادها نظام الوكالة وإصدارها قوانين هامة في غياب نقاش حقيقي، ومحاولتها تمرير قانون 20.22 المعلوم في ظل ظروف الحجر. هاته النوازل زادت من تكريس الصورة السلبية التي يرسمها قطاع وازن من المواطنين من أن الأحزاب والهيئات المنتخبة ما هي غي خضرة فوق طعام، وأن البلاد عندها ماليها الحقيقيين وتكريس هذه الصورة لا يبشر بخير ولا يجعلنا مطمئنين على مستقبل الاستقرار السياسي للوطن ومؤسساته.
أنت مناصر لبعض من فلسفة “نيتشه” في الصحة. كيف يمكن استثمار تلك المقاربة من أجل توفير مداخل أفضل لصحة عمومية ذات جودة لجميع المغاربة؟
بالنسبة لمكونات فلسفة نيتشه المفيدة لمواجهة جائحة ورونا، فقد تطرقت إليها في محاضرة تفاعلية نظمتها الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بدعوة من منسقها الوطني لأستاذ عبد الكريم سفير. ورغم أن وقت المحاضرة ناهز ثلاث ساعات فإنني لم أتمكن من التطرق إلى كل النقط التي كنت أود التحدث فيها. وهذه أهم المحاور التي تشكلت منها هذه المحاضرة المعنونة : فلسفة الصحة عند نيتشه على ضوء جائحة كورونا والتي تركز على الأطروحات النيتشوية المساعدة على التصدي لهاته الجائحة من خلال:
– فكرة الصحة الكبرى؛
– مركزية وأولوية الجسد؛
– أهمية علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا)؛
– وصفات نيتشوية لتقوية الجسم؛
– حول أهمية الفرد وضروة تميزه عن جماعته؛
– مزايا الوحدة والاكتفاء الذاتي؛
– محدودية الحقيقة ونسبيتها؛
– أهمية الجينيالوجيا النيتشوية في البحث العلمي؛
– الأفكار والأمزجة معدية وليست فقط في الميكروبات؛
– ضرورة إعادة التطبيع مع الطبيعة وكائناتها الحية؛
– ضرورة الرصد المبكر للأعراض المرضية في الأجسام والثقافات؛
– أهمية الاهتمام بدوافع السلوك الإنساني وليس فقط بتعابيره الخارجية؛
– الأخلاق النبيلة؛
– براءة صيرورة الطبيعة؛
– حب القدر؛
– إرادة القوة.
والعمود الفقري التي ارتكزت عليه هذه المحاضرة، هو أن دعوة نيتشه المتكررة للإعلاء من قيم الحياة وتقوية الجسم بمكوناته المادية والروحية والعقلية والنفسية لينخرط في تراجيديا الوجود وتقلبات الدهر بعزيمة ونشاط وبهجة وإقبال…إن كانت، في الحياة اليومية ، نافعة ومفيدة وعند البعض مسلية ومواسية..فإن استدعاءها، كأحد الأسلحة الإستراتيجية المضادة لإرادة الموت والخراب الناجم عن الجائحة ، يصبح ضرورة حياتية مدعمة ومكملة للطرق الطبية المنتهجة للتصدي للعدوى .
ومن أراد،من القراء، الإنصات لهذه المحاضرة، فتسجيلها موجود في وسائط التواصل الاجتماعي: فيسبوك، يوتوب.
بالنسبة لأهمية فلسفة نيتشه في مقاربة سياسة صحية عمومية. أود أن أنبه إلى أن قوة القطاع الصحي تكمن في نجاعة وتكامل قطاعيه العام والخاص. وأركز هنا على أن جزءا كبيرا من المتن النيتشوني اهتم بالصحة والمرض والجسم بمختلف مكوناته، ومقاربته تكمن بإيجاز في أن الأولوية يجب أن تعطى لتقوية الجسم لا لمحاربة الأمراض، فالجسم المتمتع بصحة كبرى من خلال نظام غذائي ذكي ولذيذ وهواء طلق نقي ونشاط رياضي وفني يومي وتعبير غريزي طبيعي واستمتاع بالطبيعة ونوم مريح وتحرر من العقد النفسية واعتناء بالمظهر وتشبع بثقافة بهيجة وعلاقات اجتماعية بريئة. هذا الجسم لن تتسلط عليه الكثير من الأمراض النفسية والعضوية، وأن أصيب بها سيقاومها ، وإذا انتصر ازداد قوة. والأهم من ذلك، في نظر هذا الفيسلوف الألماني، هو أن صاحب هذا الجسم ستغمره الفرحة والشعور بالامتلاء والقوة والبهجة. وهذه لا تقل أهمية عن الخلو من المرض وطول العمر. بمعنى أن الهدف في نهاية المطاف هو بلوغ نوع من السعادة من خلال تقوية الجسم. هذا الهدف، أي السعادة، هو ما اعتبرته الولايات المتحدة ،على سبيل المثال،هدفا للشعب الأمريكي وسطرت ذلك في دستورها.
أهمية هذه المقاربة في الصحة العمومية تكمن في أن الاستثمار في الصحة ومسبباتها أقل تكلفة من الاستثمار في محاربة المرض وأكثر مردودية كما ونوعا. فعدد المرضى سيقل والوعي الصحي سيرتفع، وهذا سينتج عنه فرملة للهدر الصحي وترشيد للنفقات.
حتى نخرج من الأزمة ويصير بلدنا أكثر قوة وصلابة في قطاع الصحة. ما المطلوب في نظرك؟
وجهة نظري ألخصها في النقاط الآتية:
● ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري، كما وكيفا، وتحفيزه ماديا ومعنويا. فقد أبانت هذه الأزمة مدى الحاجة لمهنيي الصحة، خاصة وأن كل المؤشرات تدل أن الطلب على هذه الفئة سيزداد في الخارج بمحفزات تصعب مجاراتها في الداخل مما سيزيد من الخصاص الذي نعاني منه حاليا. وسينطبق علينا المثل المغربي القائل: اللحية قليلة ونتفها الحجام.
● ترشيد الإنفاق ووقف الهدر: المنظومة الصحية متكاملة فلا معنى لصرف ميزانيات على مراكز صحية إن لم توفر لها ، وبشكل متزامن، الموارد البشرية والتجهيزات الطبية اللازمة لتشغيلها بأقصى قدراتها.
● تشجيع البحث العلمي الطبي ذو العلاقة بأجهزة الكشف والعلاج. وقد أظهرت الجائحة أن بلادنا تتوفر على كفاءات إذا أحسن توظيفها سترفع من مستوى بلادنا الصحي وستقلل تكلفة المواد الطبية المستوردة.
● إطار قانوني منظم لهيئة الأطباء يجعلها أكثر فعالية ومشاركة في المجهود الصحي الوطني وأكثر دمقرطة.
● إيجاد معادلة عادلة للتكوين الطبي الخاص والعام تجعلهما متكاملين لا متصارعين بحيث لا ينمو أحدهما على حساب الآخر.
● وقف الحملات الإعلامية على العاملين في قطاع الصحة والأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المالية التي يعاني منها معظمهم وتحفيزهم بما يتناسب وطول مدتهم الدراسية وصعوبتها، وكذا المخاطر والمسؤوليات التي يتحملونها.
● مراجعة التغطية الصحية من خلال حوار حقيقي وديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة كل الأطراف.
كيف يمكن أن ننتج قيما جديدة ومثلا جديدة لدخول مرحلة جديدة وعدم تكرار ما جرى من أخطاء واستجلاء دروس مما يقع اليوم؟
بالإضافة لما ذكرت آنفا، يمكن أن أَضيف أن هذه الأزمة أبانت على أن حاجة البلاد إلى أجهزة أمنية قوية لا تقل أهمية عن حاجتها إلى مهن العناية بالمواطن:الصحة ،التعليم،المساعدة الاجتماعية.. وأن الاستثمار في هذه المجالات، خاصة في العنصر البشري، كفيل بتحقيق نهضتنا المنشودة. وأن الاعتماد على الخارج، وخاصة فرنسا، مضر بمصلحتنا الوطنية، لذلك وجب تنويع علاقتنا الخارجية خاصة مع الدول التي لنا معها مصالح مشتركة وأيضا قيم مشتركة، خاصة الإيمان بالحريات وحقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية وفصل السلط والابتعاد ما أمكن عن الدول التي يمكن أن تجرنا إلى الوراء.
في ظل هاته الأزمة، كيف تنظر لمستقبل عيشنا المشترك؟
لقد أبانت هاته الأزمة، في بدايتها، عن تلاحم قوي بين السلطة والشعب لمواجهة العدو المشترك “كورونا”، والتوجه نحو تشجيع الابتكار والبحث العلمي والاكتفاء الذاتي. كما أن التضامن الشعبي خفف على الدولة عبئ تحمل الفئات الهشة. وما يمكن أن ينتج عن حجرها القابل للتمديد، لأجل غير مسمى، من اضطرابات اجتماعية. كما أبانت عن وعي سياسي كبير عند الشعب الذي التزمت أغلبيته بقواعد الحجر الصحي، وكذلك أجهزة الدولة التي تبنت مقاربة طبية علمية لمواجهة الجائحة وتصدت للتيارات الدينية المتطرفة التي حاولت خرق الحجر والإلقاء بالبلاد إلى التهلكة. هذا ما جعل بعض الملاحظين يتفاءلون ببزوغ فجر جديد تزداد فيه الدولة حداثة ومواطنة ودمقرطة وتحررا.
لكن بعض التراجعات التي سجلها بعض الحقوقيين، في مجال الحريات، وأداء المؤسسات المنتخبة جعلت الكثير من هؤلاء المتفائلين حذرين وغير متيقنين من انتصار إرادة الانعتاق على إرادة النكوص.
مسألة أخيرة في هذا الصدد، أبانت هذه الجائحة عن بعد ديني وروحي هام هو استمرار الحياة الدينية بشكل فردي وشخصي وهذا البعد تمت الاستهانة به تاريخيا وأعادت له الجائحة الاعتبار وحضور هذا البعد عنصر مقو لنشر روح التسامح الديني في المجتمع.
فالذوبان والانخراط اللامشروط في الروح الدينية الجماعية وإقصاء ما هو ذاتي وشخصي في نظرة المتدين إلى ذاته وإلى غيره من شأنها أن تقوي عدوانيته اتجاه المخالف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.