إن المحاماة حلمنا المشترك، من مهد البداية الى لحد النهاية، من رهبة القسم وارتجاجات التمرين، إلى لحظة الإسقاط، من الجدول وقراءة الفاتحة على مسار كفاح توارى، لنصحو حتى نرى حقيقتنا في المرآة دون مساحيق، و لا أكاذيب و لا مهادنة، و لا تبريرات. لنرى كم من جهة تخطط لتدفعنا الدفعة الأخيرة نحو الهاوية، هل هو انتقام لتاريخ مجيد مضى، من نسيه! أو لا يصدقه، أو يتعالى على الإقرار به، نحيله بأدب ليس على توصيات مؤتمرات هيئاتنا التاريخية، بكل مقاييس الإقدام والوطنية، بل ربما يكفيه أن يتحمل بعض عناء، قراءة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، صياغة واجتهادا، ومضمونا وجرأة… أو يفتش في تاريخه الشخصي، وتاريخ من يحيط به، ليجد في صكوك اتهامه وأحكامه، أسماء محامين، لم يتبدلوا ولم يتنازلوا عن قناعات في منتهى الأصالة و الرقي، هي انعكاس لأجمل ما في هذا الوطن الحزين من عمق و معاني! من وقف في وجه الاستبداد، عندما كان ثمن الكلمة الحق سجنًا، أو اختفاء الى الأبد، لننظر توا في عيون خصومنا، ونصرخ في وجههم دون نفاق ولا مزايدة: نحن عنوان أسمى ما وصلت اليه الحضارة، حضارة المساواة، وقيم العدالة، والدفاع عن الحقوق والحريات، وسيادة القانون.. و لأن حس الشرفاء والأقوياء منا، بأخلاقهم ومبادئهم و قناعاتهم الإنسية اللامشروطة، يستوعبون جيدا الإشارات والإيماءات، ولأن غيرتهم على مهنتهم، لاحدود لها، ولأن كرامتهم، لا مقابل ولا تنازل عن ذرة منها، فإنهم أكيد لن يسمحوا بالتنكيل برسالة المحاماة العصية على التدجين والتقزيم، ليس في المغرب فحسب، بل في كل الدول، بغض النظر عن مستوياتها الحضارية، وموقع الإنسان في بنائها السياسي، والقانوني والمؤسساتي! أيصل برئيس الحكومة ومندوبيته العامة في إدارة السجون، التجرؤ حد الأمر بتفتيشنا، شأننا شأن الزوار، وكأن مهمتنا في التخابر مع المعتقلين هي مجرد «صلة الرحم»، أو زيارة ود وصداقة لكل متهم ومتهمة محل اعتقال.. ألم يعد للقانون معنى في وطني؟ ألم يعد لحصانة الدفاع مكانة، عند مؤسسات الدولة ذات الصلة بتطبيق وتنفيذ القوانين؟ فالمحامي لا يستجدي عطفًا، ولا يرضى باي منة صادرة عن هوى، أو انحياز. فالمادة 59 من قانون مهنة المحاماة، تمنع صراحة أي بحث مع المحامي او تفتيش مكتبه، من أجل جنحة أوجناية، إلا من طرف النيابة العامة، أو قاضي التحقيق، بعد إشعار النقيب، إذا كان المحامي لا يخضع للتفتيش والبحث إلا من طرف القضاء وبشروط، وهو مشتبه به فكيف نفسر الامر بتفتيشه من قبل حراس السجن، وهو بصدد أدائه لمهمته الدفاعية في التخابر، وإعداد الدفاع! إنها المهانة، إنها الحكرة والتطاول على القانون و المكتسبات. كيف يمكن لمن يرد على كل من انتقد أو طالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، رغبة في ان يكون وطنه دون خدوش، ولا جراح. أن يهين آلاف المحامين والمحاميات، ويحرج مؤسساتهم المهنية، ولا يلتفت لوجودهم، وافتراضات ردود فعلهم… في خرق سافر للقانون وللمواثيق والاتفاقات الدولية، ولتوصيات ومبادئ الأممالمتحدة، ومنها أساسا مؤتمر هافانا لمنع الجريمة، ومعاملة المجرمين، الذي التأم في شتنبر 1990 حيث حدد المبادئ الاساسية، لأدوار الدفاع، وألزم الحكومات في إطار تشريعاتها وممارستها الوطنية، باحترام المهام الاساسية للدفاع، وبأن تكفل للمحامين القدرة على اداء جميع وظائفهم المهنية، بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق… إن توالي الضربات خلسة وعلانية، بالمزاج، بالدوريات وبالبلاغات، و«بكرونيات» الإساءة والاستفزاز، كلها عوامل تضعنا جميعًا أشخاصا، نساء ورجالا ومؤسسات مهنية، جمعيات واتحادات شبابية ومنظمات حقوقية، وكل من له غيرة على على حقوق الدفاع، التي بدونها يستحيل الدفاع عن حقوق الانسان. كلها عوامل تضعنا امام مسؤولياتنا التاريخية… فالسيئ يمهد للأسوء… لنصحو ولتنتفض.