صرح الأستاذ عمر بندورو، وهو متتبع للحالية وخبير مغربي معروف في القانون الدستوري والسياسات العمومية، أن تدبير جائحة كورونا «مجال محفوظ للملك»، وأن كل ما اتُخذ من قرارات مهمة بهذا الشأن «يخرج من القصر الملكي». وأضاف ما معناه أن كل هذا أدى إلى تهميش لا دستوري لرئيس الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، «مع إعطاء سلطة خاصة للأجهزة الأمنية». وفعلا فإن السيد سعد الدين العثماني يبدو، منذ أسابيع، وكأنه فقد السيطرة بالكامل على وزارات الصحة والتعليم والمالية وهي وزارات فرضت عليها ظروف الجائحة اتخاذ عدة قرارات مستعجلة وغير مسبوقة في إطار مواجهة الوباء وتداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية الخطيرة. أما وزارة الداخلية وهي الفاعل العمومي الأول في الميدان في هاته الظروف الاستثنائية فلم تأخذ تعليماتها يوما من رئاسة الحكومة، سواء أقبل الجائحة أو بعدها. وإذا كان الجهاز الحكومي الذي خوله دستور الربيع المغربي (2011) صلاحيات واسعة لا يحكم فمن يحكم؟ يجيب الأستاذ بندورو أن «الحكومة الحقيقية التي تسير البلاد هي حكومة البلاط الملكي التي تتكون خاصة من المستشارين الملكيين» ويمكن أن نضيف أن هؤلاء الأخيرين لا وجود لهم في الهيكل الشكلي أي النصي للحكم في المغرب ماداموا غير مذكورين بالدستور وهو المرجع الاستراتيجي لبنية السلطة بكل الدول الديمقراطية. هناك ثلاث قضايا، تناولها بالتعليق وأحيانا بالنقد الرأيُ العام، تظهر أن الخرق أو الابتعاد عن الدستور لا يتجسد فقط في عراء منصب رئاسة الحكومة من كل سلطة تنفيذية حقيقية. ترتبط كل هذه القضايا الثلاث، بشكل أو بآخر، بظروف الأزمة الوبائية. ولنبدأ بخرق القانون من لدن وزارة الداخلية، فقد أقرت الأخيرة حالة الطوارئ الصحية بمجرد بلاغ نشرته بوسائل الإعلام. تُمثل هذه المبادرة خرقا واضحا للدستور واعتداء على السلطة الشرعية وعلى القيمة الاعتبارية لرئيس الحكومة، كما أنها تجسد تراميا على صلاحيات البرلمان بغرفتيه. بعد أيام سيتم تصحيح محمود للوضع بالرجوع للمسطرة الشرعية في شكل مرسوم قانوني لكن ذلك لم يغير من واقع الانفلات المستدام لوزارة الداخلية تجاه سلطة رئاسة الحكومة ناهيك عن الهيئة التشريعية. بررت بعض منابر الإعلام المقربة هذا الخرق بحالة الاستعجال التي تفرضها الجائحة وهذا تبرير واه لأن عملية التحضير لإعلان حالة الطوارئ الصحية استمرت عدة أيام كان يمكن خلالها تهييئ المرسوم المعني. القضية الثانية التي أثارت سخرية الرأي العام هي أن رئاسة مجلس النواب أصبحت تحتسب النواب المتغيبين بسبب ظروف الحجر الصحي كحاضرين بل وكمصوتين على اعتماد القوانين. وهذا خرق واضح للدستور المغربي الذي لا يعترف بالتفويض في التصويت. التبرير شبه الرسمي هنا لم يكن الاستعجال وإنما الخطر الذي يمثله تجمع مئات النواب في فضاء مغلق. طبعا، لم يطالب أحد بوضع سلامة السادة النواب في خطر ولكن كان يمكن اللجوء إلى التصويت عن بعد عبر الوسائط الافتراضية المعروفة فطريقة التعبير عن الصوت إليكترونيا تمارسها أعرق الأنظمة الديمقراطية في العالم. أما القضية الثالثة فقد قُتلت تحليلا وتعليقا لما وصلت إلى الرأي العام عبر تسريب من داخل الحكومة وهي مشروع القانون الذي دعي تهكما بقانون التكميم، والذي كان يهدف من بين ما يهدف إليه التضييق على حرية التعبير بالفضاءات الافتراضية بما في ذلك الحق في دعوة المواطنين إلى مقاطعة السلع أو الخدمات عبر الشبكات الاجتماعية. ما زاد من غرابة الموضوع أنه كان هناك نشر لبلاغ حكومي برر إقرار ذلك المشروع القانوني المثير للجدل بظروف الجائحة، وبعد تعبير الرأي العام، خلال حملة افتراضية قوية، عن قلقه ورفضه للنص تم سحب الأخير مؤقتا، وبتبرير، ويا للغرابة، أن هذا التأجيل تفرضه نفس ظروف الجائحة. هكذا أصبحت الجائحة مشجبا أدى وظيفتين متناقضتين، إذ استعمل في الأول لتمرير قرار سيئ وهو المبادرة بالمشروع ثم للتراجع الضمني عن المصادقة عليه وهو قرار إيجابي. المصدر: القدس العربي