بينما يتطلع المغاربة إلى تجاوز آثار الجائحة؛ والعودة إلى الحياة من أجل بناء غد أفضل ومغرب جديد ينتصر لقيم الحرية والمسؤولية والمواطنة، ويولي الإهتمام اللازم للخدمات الإجتماعية التي تضمن كرامة المواطنين؛ يصر البعض على الإساءة إلى هذا الشعب والمضي قدما في تنفيذ أجندات الوصاية والتكميم والتحكم، وذلك في خرق واضح للمقتضيات الدستورية، واعتداء سافر على الحريات الفردية والجماعية، وعلى رأسها حرية التعبير والإحتجاج. الحديث هنا يخص مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال "شبكات التواصل الإجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة" الذي صادق عليه المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 19 مارس 2020. حينها لم يثر هذا الموضوع أي اهتمام لدى الرأي العام. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن نعود إلى سياق المصادقة على مشروع القانون المذكور، حيث تزامن توقيت المصادقة مع الأيام الأولى للحجر الصحي. أي أن كل الإهتمام كان موجها نحو أرقام كورونا والتدابير التي اتخذتها الدولة لمواجهة الجائحة. وعندما نعود إلى قراءة البلاغ الصحفي الذي أصدره الناطق الرسمي باسم الحكومة بعد اجتماع المجلس الحكومي في نفس التاريخ لا نجد تفاصيل واضحة عن مضامين مشروع القانون 22.20، بل إن صيغة البلاغ كانت مضللة، لأنها ربطت مشروع القانون ب"التدابير القانونية والمؤسساتية لمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية"، كما استغلت الإجماع الوطني على الإنخراط في الإجراءات المتخذة لمواجهة كورونا، وجعلت المصادقة على مشروع القانون تبدو متناغمة مع هذا السياق، وذلك ما تعبر عنه الفقرة الأخيرة الواردة في البلاغ، حيث نقرأ ما يلي: (( وهو بذلك يستهدف سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الإجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكات الإجرامية الماسة بشرف واعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل هذه الظرفية التي يعرفها العالم، وتعيشها بلادنا، والمرتبطة بتفشي فيروس كورونا " كوفيد 19″. )). هذا التضليل الإعلامي إذن، بالإضافة إلى عدم نشر مشروع القانون المذكور في الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة، جعل الموضوع لا يستأثر بالإهتمام اللازم طيلة الأسابيع الأخيرة، إلا أن بعض المضامين التي تم تسريبها كشفت عن الحقيقة التي كان يراد إخفاؤها وتمريرها بدون ضجيج، لذلك فإن ردود الأفعال الغاضبة التي عجت بها مواقع التواصل الإجتماعي لها ما يبررها، خصوصا وان المواد القانونية التي تم تسريبها من الوثيقة صادمة بكل المقاييس، لأنها تعبر عن ردة حقوقية صارخة، وتصادر حرية المواطنين بشكل غير مقبول. وفي هذا الصدد سنتوقف عند مضامين المادة 14 من المشروع الذي ورد بالصيغة التالية: (( يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الإجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك.)). ولا نحتاج إلى كثير من النباهة لنستنتج أن هذه المادة تحديدا هي بمثابة رد فعل واضح على حملة المقاطعة التي استهدفت قبل سنتين بعض المنتجات الإستهلاكية التابعة لعلامات تجارية وشركات محددة، وهي الحملة التي عرفت استجابة واسعة، بالرغم من انقسام الآراء بشأن طبيعتها وتوقيتها والجهة التي تقف وراءها… لذلك فإن الأحكام التي تتضمنها هذه المادة تعبق بنفس انتقامي واضح، لأنه يبدو ظاهريا أنه يسعى إلى حماية المنتوجات والبضائع والخدمات، لكنه في العمق يمنحها حصانة قانونية تمنع المواطنين من التعبير عن أي شكل من أشكال التعبئة من أجل حماية القدرة الشرائية للمواطن وفضح الجشع والإحتكار وغلاء الأسعار… من خلال التهديد بالعقوبات الزجرية. وهو ما من شأنه أن يرفع درجة الإحتقان في الشارع والإجهاز على الحقوق والحريات، لأن تمرير المادة بهذه الصيغة سيجعل المواطن محروما حتى من حقه في الإحتجاج الإفتراضي؛ في ظل كل أشكال التضييق التي تستهدف الإحتجاج المادي الذي تعبر عنه الوقفات والمظاهرات والمسيرات… لذلك كان على واضعي هذا المشروع أن يسألوا أنفسهم: ما الذي يمكن أن يفعله المواطن البسيط عندما يتم استهداف قدرته الشرائية؟ أليس من حقه أن يحتج ضد ارتفاع أسعار بضاعة ما؟ ثم ما التدابير المتخذة ضد شركات الإنتاج أو التسويق التي تلهب جيوب المواطنين؟. وأي دور سيتبقى لجمعيات حماية المستهلك إذا تم تكييف تقاريرها أو ملاحظاتها؛ التي تسجل تجاوزات هذه الشركة أو تلك مثلا؛ وفقا لمقتضيات هذه المادة العجيبة؟ وهل بمثل هذه المواد القانونية تتم أجرأة المقتضيات الدستورية التي تنص في المادة 25 مثلا على أن " حرية الرأي والفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها"؟. هذه التساؤلات وغيرها ينبغي أن تطرح بقوة في هذه المرحلة، لأن مجرد التفكير في طرح مشروع قانون بهذه المضامين السالبة للحريات؛ والتي تكررت أيضا في المادتين 15 و18؛ يعد انتكاسة أخلاقية وحقوقية ينبغي التصدي لها من طرف كل القوى الحية التي تدافع عن الحرية والعدالة والكرامة في هذا البلد، وعلى الأحزاب السياسية؛ التي عودتنا على تبادل الإتهامات والمزايدات كلما تعلق الأمر بموضوع يثير الرأي العام؛ أن تتخلى عن سلوكها المسرحي المبتذل، وتكون في مستوى انتظارات المغاربة، وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والإجتماعية للتصدي لمشروع القانون 22.20 في حالة عرضه أمام البرلمان بالصيغة المسربة؛ أيا كانت الجهة التي تسعى إلى فرضه وترسيمه.