في مقال له تحت هذا العنوان "أخبار اليوم عدد:811 بتاريخ 20يوليوز2012 حدد السيد عبد العلي حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية ، ثلاثة تحديات أساسية وجد الحزب نفسه أمامها بعد خروجه من مؤتمره الأخير. التحدي الأول سياسي : مساندة الحكومة لكن د ون التماهي معها. التحدي الثاني : التوفيق بين مطالب الديمقراطية ومطالب الهوية. التحدي الثالث: هو الديمقراطية الداخلية وتحديدا تأهيل الأداة الحزبية مركزيا ومحليا . ولئن كانت هذه التحديات الجديدة هي بالفعل مشكلات حقيقية يتعين على الحزب تدبيرها بكل إكراهاتها، إلا أنها تبقى مجرد تحديات جزئية تم فصلها عن الأسباب والعوامل التي أنتجتها . فما هي التحديات المنهجية الكبرى التي تواجه حزب العدالة والتنمية والتي تشكل أصل وأساس التحديات الجزئية الثلاثة المنطوق بها من طرف السيد حامي الدين؟ يمكن تحديد هذه التحديات في ثلاثة عناوين أساسية : 1) تحدي الشرعية والمشروعية 2)تحدي العلاقة مع الآخر المتعدد 3) تحدي التعايش والتطبيع. 1 ) تحدي الشرعية والمشروعية: ينبغي التمييز هنا أولا بين ما هو شرعي والذي يحمل دلالة قانونية، و بين ماهو مشروع باعتباره يحمل دلالة أخلاقية ذات صلة بمفهومي الحق والواجب . وإذا تقرر هذا فإن فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات الخامس وعشرين من نونبر2011 هو فوز مستحق من وجهة نظر شرعية قانونية، إلا أنه وبالنظر للشروط والحيثيات التي تحكمت في هذه التجربة التي أعطت الصدارة للحزب المذكوريمكن القول أنه فوز يفتقر إلى المشروعية التي بدونها لايستقيم الحديث عن أي فوز انتخابي طالما أن المصداقية لاتستقيم بالشرعية القانونية وحدها، بل هي في حاجة ماسة إلى هالة الأخلاق. وآية ذلك أن الحزب المذكور مهما حاول الادعاء بكونه يمثل حكومة الشعب ، وأنه يستمد سلطته من صناديق الاقتراع ، فإن التاريخ لا يمكن أن ينكر ما تورط فيه الحزب في سياق جريه وراء هذه الشرعية التي أوصلته بالفعل إلى مواقع السلطة لكن على حساب تضحيته بالمشروعية التي تشكل الحصن الحصين لما يضمنه القانون والتي بدونها يمكن أن يتحول النجاح إلى خسارة مدوية. وهو ما تنبأ به السوسيولوجي المغربي والأكاديمي إدريس بنسعيد بعيد الإعلان عن فوز العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وذلك في استجواب مطول تحت عنوان " الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب العدالة والتنمية" جريدة: "الأحداث المغربية" ع:4526 6دجنبر2011 ،إذ من المفيد جدا للحزب المذكور إعادة قراءة هذا الاستجواب بعد استفاقته من نشوة الفوز وفرحة الوصول إلى السلطة . إذ يمكن لاستجواب من هذا القبيل أن يشكل إطارا نظريا سوسيولوجيا يمكن أن يتم ضمنه فهم حقيقة فوز الحزب "كنتيجة لعدم تقديم الدولة للضمانات السيكولوجية القادرة على إحداث الرجة،وكيف سيتحول الحزب إلى رهينة سياسية للأحزاب الأخرى لأنه لايمكن أن يحكم بمفرده، وكيف أن أزمة المجتمع المغربي دفعت الذين صوتوا أن يضعوا انتظاراتهم على ظهر حزب العدالة والتنمية، وكيف أن هذه الانتخابات جعلتنا نضيع خمس سنوات أخرى" ...وإن من شأن إعادة قراءة الاستجواب أن يقنع الحزب بأهمية علم الاجتماع وأهمية التنبؤ الوظيفي في ميدان السوسيولوجيا ، وبصفة خاصة ما يصدر عن أكاديميين مشهود لهم بالنزاهة والصرامة المنهجية ، كما يمكن لهذه السوسيولوجيا أن تساعد على فهم العديد من المواقف المتهمة للحزب ، من قبيل : نعته بالإسلام المخزني، أو استفراده بجني ثمار الحراك باشكل الذي أراد، أو كون المغرب هو البلد الوحيد من بين الدول العربية التي عرفت حراكا اجتماعيا ، وصل فيه حزب مناهض لهذا الحراك إلى الحكومة دون الحكم وما إذا كان ذلك مجرد صدفة أم نتيجة صفقة؟ 2 ) تحدي العلاقة مع الآخر المتعدد: وهو التحدي الذي يعتبر مجرد نتيجة للتحدي الأول إذ وجد الحزب المذكور نفسه وبالنظر لهذه الهوة بين الشرعية والمشروعية، وجد نفسه أمام سؤال معضلة : كيف يمكن التعامل مع هذا الكم الهائل من المواقف المعارضة للحزب، سواء تعلق الأمر بالآخر القريب أي كل من ليس رئيس الحكومة من قبيل خرجات بعض الأطر الحزبية المشاكسين الذين يحرجون رئيسهم و يخلون بأحد أهم الأهداف المرسومة لهذا الانتقال المفاجئ إلى الموقع الجديد وهو: المصالحة مع النظام كأفق،أومن قبيل مواقف مكونات الأغلبية المناقضة للحزب في العديد من القضايا والملفات،أو من قبيل قياديي الحركة الدعوية للحزب. أو تعلق الأمر بالآخر البعيد ويشمل كل ما ليس العدالة والتنمية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إضافة إلى المكونات الإسلامية. بل يمكن القول أنه وخلال تاريخ الحكومات المغربية لم تعرف حكومة هذا الكم من المعارضين ومن كل الأطياف، حكومة أضطر رئيسها مؤخرا لتقديم اعتذار كتابي علني منشور في الصحافة الوطنية للمحيط الملكي ، وهو ما يؤكد وجود سوء تفاهم كبير أو بالأحرى جدار سميك من حيث التواصل بين الحزب وبين كل ما ليس العدالة والتنمية، بل والأدهى والأمر وجود عقبات كأداء تنتصب أمام رهان المصالحة الذي أخذه الحزب على عاتقه كأفق لهذه التجربة . إذن فما مبرر وجود رئيس الحكومة اليوم في هذا الوضع الغير مسبوق والذي يتلقى فيه النقد بنوعيه البناء والهدام والضربات الموجعة من كل الجهات ، من الأقارب والأباعد ، هل هي مؤامرة الكل ضد العدالة والتنمية، أم أن هناك خلل بنيوي فأين الخلل ؟ وهل من إمكانية لتدبيرهذا الخلل البنيوي وما ترتب تحدي العلاقة المتوترة مع هذا "الآخر الجحيم" كما يعتبره الفيلسوف الفرنسي سارتر؟ 3 ) تحدي التعايش والتطبيع: ويشكل بدوره أحد نتائج التحديين الأول والثاني ،وذلك لأن ما يترتب حتما عن غياب المشروعية الضامنة للتفاعل والانخراط ،هو البحث عن الآليات البديلة القادرة على توفير الغطاء الضامن لتذليل العقبات الماثلة أمام أي تدخل يروم إضفاء بصمة الحزب بخصوص ما هو مسموح به على مستوى "الإصلاح" ، وفي هذا السياق لم يكن أمام الحزب إلا مخرجا وحيدا هو التراجع والتطبيع مع الفساد، حينما وجد نفسه وجها لوجه- وعلى سبيل المثال وليس الحصر- أمام موظفين أقوياء من الإعلام المرئي والمسموع خرجوا بعد صمت دام سنوات موجهين نقذهم اللاذع ورفضهم لأي إملاءات من قبل حكومة ثلاثة أرباع وزرائها تعايشوا مع الفساد إن لم يكونوا قد صنعوه،وكما يردد ذلك رئيس الحكومة نفسه كلما وجهت له تهمة التطبيع مع الفساد ،خرجوا عن صمتهم بمناسبة مغامرة وزير الاتصال بتقديم دفتر تحملات اعتقادا منه أنه أصبح يملك سلطة القرار بمجرد تعيينه كوزير، وما ترتب عن ذلك من تسليم هذه الدفاتر للجنة يرئاسة وزير آخر له دربة ومراس مع الحكومات السابقة من أجل تصحيحها، وما تلا ذلك من التعبير العلني الشهير والذي وصلت أصداؤه كل بقاع المعمور "عفا الله عما سلف" وهو ما يعني التراجع عن شعار محاربة الفساد واللجوء إلى آلية التطبيع العلني معه . يذكر هنا أن الصحافة الوطنية أعلنت مؤخرا أن السيد الخلفي بدا سعيدا بالتعديلات بعد إرجاع الدفاتر مصححة بالقلم الأحمر من قبل السيد وزير السكنى، مكتوب عليها بالأحمر البارز: (إنتبه إلى غياب التوازن والانفتاح والتعددية والحكامة) ألم تتنبأ السوسيولوجيا وقبل تعيين رئيس الحكومة بأن الحزب سيتحول إلى رهينة للأحزاب الأخرى، وقبل معرفة من هي هذه الأحزاب الأخرى. على سبيل الختم: إذا كان السيد حامي الدين على وعي بان منطق السلطة وشهوة النفوذ حينما تقترن بالثقة المفرطة في الذات تكون مدخلا للاستبداد بالرأي والاستفراد بالقرار، وكما أشار إلى ذلك في سياق مقاله المذكور، فإن الواجب الأخلاقي بالمعنى الكانطي أوواجب النصيحة بالمعنى الإسلامي يفرضان عليه ومن موقعه البعيد عن السلطة والنفوذ، أن يعيد قراءة تجربة الحزب وتفاعله مع الأحداث ومنذ 20 من فبراير 2011 على الأقل، وأن يغالب ذاته في القيام بتقييم موضوعي لهذه التجربة على ضوء سؤال أساسي هو: هل العرض والأداء المقدمان اليوم من طرف حكومة الربيع المغربي يستجيبان لانتظارات الناس الذين داوموا على الخروج للتظاهر أسبوعيا وطيلة سنة بكاملها من أجل : الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟ علما أن السيد رئيس الحكومة قد اعترف أمام مجلس المستشارين بأنه كان يتردد على مكتب السيد وزير الداخلية ثلاث مرات أسبوعيا طيلة المدة ذاتها. وللسيد حامي الدين في تجارب الآخرين الذين تواطأو بصمتهم حيث كان عليهم أن يتكلموا، أنصع مثال حول مآل من يجهر بالحقيقة بعد فوات الأوان.