لا شك أن استدعاء عوفير برانشتاين المساعد السابق للسفاك إسحاق رابين لحضور فعاليات مؤتمر العدالة والتنمية السابع ، الذي كان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس هو نجمه بامتياز ، كان فضيحة ب"جلاجل " كما يقول إخواننا المصريون ، فضيحة اتسعت رقعة دويها حينما لم يتحمل المسؤولية أي من مكونات الحزب حيال ما حدث أمام أصوات كثيرة انبرت لتندد بحضور برانشتاين ، فصمت كل البيجديون المؤتمرون إلا من رحم الله ، وحينما بلغت القلوب الحناجر خرج باها الرجل الحكيم ، الذي غيب برانشتاين حكمته إلى حين، خرج الرجل وربما بعد حرج كبير، واعتذر للمغاربة ولم يعتذر لخالد مشعل كما طالب بذلك المقرئ أبو زيد ، ولا للجمعية المغربية المساندة للكفاح الفلسطيني كما كنا نتمنى ونرجو، ولا للجنة الوطنية لمقاومة التطبيع بالمغرب ، ولا لجمعيات مغربية أخرى تعنى بالشأن الفلسطيني عموما ، ثم فجأة توالت الاعتذارات كسيل جارف ، وكأن أحدا ما في الظل أعطى بالرايموت كونترول الإذن لمكونات الحزب ليعتذروا للشعب المغربي . إن استدعاء حزب العدالة والتنمية لمسؤول إسرائيلي كان مساعدا لقاتل الفلسطينيين في مجازر كثيرة ، تقشعرالأبدان لمجرد ذكرها بأسمائها ، لهو سابقة لا مثيل لها في تاريخ الأحزاب المغربية ، سابقة لأن الخطاب السياسي الرسمي والحزبي المغربي يعتبر دائما أن القضية الفلسطينية هي قضيته الأولى ، وأن التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم هو من سابع المستحيلات ، سابقة لأن حزب العدالة والتنمية مرر رسالة واضحة لا تحتمل أي تأويل مفادها أن الصهاينة الأندال ليسوا بقتلة ولا بسفاكي دماء الفلسطينيين ، وأن المقاومة الفلسطينية الباسلة تكن كل "الود والمودة" للمحتل الفلسطيني الغاصب بدليل حضور برانشتاين أحد مساعدي رابين القاتل "الجلاد " إلى جانب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس قائدة المقاومة والممانعة الفلسطينية "الضحية " ، سابقة لأنه لو لم تظهر أصوات منددة بحضور هذا الرجل " برانشتاين " أبرزها حركة التوحيد والإصلاح شكر الله سعيها وغيرتها ، لما تشجع البيجيديون وقاموا بتقديم اعتذار للمغاربة . حضر الرجل والتقطت له صور، وهو يبتسم ، مع الأمين العام للحزب السيد بنكيران ، ومع السيد باها ، ومع مكونات أخرى للحزب أبرزها السيد العثماني وزير الخارجية ؛ الوزير الذي يفترض فيه أن يكون مُلما بما يجري ويدور خارج كواليس وزارته ، ويعرف صديق وعدو الفلسطينيين ، وعدو المغاربة كتحصيل حاصل ... في هذا المشهد المسرحي المفضوح والذي غابت عنه "الحبكة"المطلوبة ، كان الضحية الأكبر هو السيد خالد مشعل الذي يبدو أنه غادر المغرب مكسورالوجدان ومهزوما وخائبا ومعاتبا لنفسه على الثقة التي وضعها في غير أهلها ، وحضر مؤتمرا ، وخطب في الناس ، وعبر عن سعادته العارمة بوجوده في المغرب لأول مرة ، ولم يكن يدرك أن مساعد جلاده كان حاضرا هو الآخر، وربما صفق له، وبكى كما بكى الآخرون ، لكن ليس حبا في خالد مشعل ، بل فرحا في تحقيق نصر آخر تمثل في الصفعة القوية التي وجهها لحماس من خلال خالد مشعل و لحزب العدالة والتنمية الذي له مرجعية تشبه إلى حد ما مرجعية حماس ، والذي أظهر غيرما مرة وقوفه إلى جانب الإخوة الفلسطينيين ،إضافة إلى كونه حزب يقود الحكومة المغربية الحالية التي لا يشبه رئيسها رئيس الحكومة التركية السيد أردوغان الذي سبق وأن عنف شيمون بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي أمام العالم، ثم غادر القاعة أمام ذهول وارتباك السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق ،الذي لم يعرف ما إذا كان عليه أن يتبع أوردوغان ، أو يظل متسمرا في مكانه حتى لا يُغضب العرب الذي هو أمين جامعتهم المهترئة . لا شك أن حزب العدالة والتنمية ورط السيد خالد مشعل ، وورط نفسه وأعطى للمغاربة الانطباع بأنه ، من جهة أولى ، مع وليس ضد أن يجتمع الجلاد والضحية في مؤتمره السابع ، وأكد ، من جهة ثانية ، أنه حزب وليد بالكاد اكتملت مؤتمراته السبعة ، فهو احتفل خلال يومين بمناسبة "عقيقته" ، وبالتالي لا يمكن أن نحاسبه ، ولا حرج عليه ، بل يمكن أن نلتمس له مليون عذر ... مع تمنياتنا الصادقة أن ينضج أكثر، وألا يتم ، مثلا ، استدعاء نتنياهو في المؤتمر الثامن للحزب ، ويقال للمغاربة أنه استُدعي تحت يافطة " كاتب ومبدع إسرائيلي صاحب كتاب "مكان تحت الشمس " " فيكون مرة أخرى العذر أقبح من الزلة ...