لم يكن أحد من المتتبعين للشأن السياسي في المغرب أن يتوقع تلك المتناقضات السياسية ، عقب مؤتمر حزب العدالة و التنمية الذي عقد بالرباط صبيحة اليوم السبت 14 يوليوز 2012 تحث شعار "شراكة فعالة من أجل البناء الديمقراطي" حيث عرف حضور مكثف لشخصيات إسلامية و قيادات حزبية من جلّ الأطياف، شكلت مشهدا دراميا تخلّلته مجاملات سياسية ورسائل تبخيسية موجهة بالخصوص إلى مشاكسي المعارضة ، كما تفاجأ الجميع باحتضان المؤتمر لأحد المتورطين في قضية مالية أجّجت الرأي العام ، و يتعلق الأمر بالأمين العام لحزب الحمامة مزوار الذي استقبله رئيس الحكومة بعينه في افتتاحية المؤتمر . وقد استهل الأمين العام لحزب المصباح كلمته الافتتاحية " لدينا في المغرب أسرة ملكية تحب الشعب" إيذانا منه بتشبته بتصوراته و مواقف حزبه المسبقة إزاء النظام السياسي القائم . في ظل هذه المشاهد السريالية تحتار الأذهان و تختلط الأفهام في فهم مبادئ الممارسة السياسية العميقة الأصلية ، بعيدا عن إجراءات المشاركة السياسوية العقيمة الوصولية ، كما تختلف الرؤى و القراءات حول التعددية و مزاياها و الديمقراطية و ثناياها لأن أول ما يشكل الجوهر الفكري للفاضل الديمقراطي هو قبوله بالاختلاف ، و تسامحه المبدئي تجاه جميع الآراء و الاجتهادات لأن الحقيقة نسبية في اعتقاده و السياسة شرطية باجتهاده ، يرتفع سقفها و ينخفض وفق شروط و معايير زمانية و مكانية تحدد معالم الإجراء السياسي. لكن محور الاتفاق بين الفضلاء السياسيين يتجسد في رفض الظلم و الاستبداد و نبذ الحيف و الاستعباد ، لأنه لا عزة إلا مع الكرامة و لا حرية إلا مع الشهامة. لهذا ثارت الشعوب العربية في وجه الأنظمة الظالمة الجاثمة على صدور المستضعفين، فإذا نظرنا إلى أقطارنا العربية الإسلامية، نجد أن حاكميها قد استأنسوا بكراسيهم و اطمأنوا لسياسييهم ، فهم يحاصرون المعارضة الجادة و يقتاتون من الشعارات الانتهازية الجوفاء. كما أنهم يرفضون تطورات الديمقراطية المرتكزة على مبدأ فصل السلط و تكريس تعددية سياسية لا تقصي أيّ حساسية مجتمعية، بالمقابل يحرصون على فبركة تعددية حزبية سياسية تعمل على تمديد عمر الفساد و الاستبداد . وقد تضطر عقول الأنظمة الاستبدادية إلى استدراج بعض المكونات السياسية لتقويضهم و إقحامهم في مستنقع الرذيلة السياسية ثم إقناعهم بالتغيير من داخل مؤسساتهم الملغومة. هكذا نجد بعض من طالهم هذا الجرم الاستدراجي يبررون مواقفهم بأن الحكمة تقتضي..... و الواقعية تقتضي.....لكن عوض أن يُغيّروا تَغيَّروا وأصبحوا بوقا دعائيا يروج لبضاعة كاسدة مزجاة، قد تسر الناظرين بفعل تحسينها و تزيينها لكن سرعان ما سيظهر المستور و يتضح الشرعي من المحظور . جل السياسيين و المثقفين يعلمون أن التغيير لا يكون بالشعارات الرنّانة ولن يتحقق بالالتفاف على مطالب الشعوب المقهورة، بل يستوجب إرادة سياسية و صدقا نضاليا أمينا بعيدا عن الميكيافلية الانتهازية التي نخرت جسد الأمة و استباحت عرضها بثمن بخس زهيد.