عرفت أراء المفكر الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم في الآونة الأخيرة ، انتشارا كبيرا ، وقبولا واسعا ، خاصة لدى الشباب، بل أكثر من دلك دهب البعض الى حد نعته بكونه "أول مفكر ومجدد للإسلام ومن دون منازع". وبقدر ما نالت أفكاره قبولا مهما ، بقدر ما نال صاحبها نقدا لاذعا ومثيرا في نفس الآن على بعض طروحاته وتصوراته المنتقدة لعدد من الأحداث التي عرفها تاريخ المسلمين، و كذلك لنوع المقاربة التي نهجها في تطرقه لكثير من المواضيع، والمختلفة عن المقاربات التقليدانية المعتادة في معالجة مثل هكذا أفكار، وقد برزت أقوى الانتقادات عبر وسائل الإعلام من قنوات تلفزية، ومواقع الكترونية، وبصورة أكثر وضوح على مواقع التواصل الاجتماعي(تويتر – الفيس بوك – يوتيوب)، وان كانت اغلب هده الانتقادات تنتمي فكريا لعائلة البترودولار. لكن المثير في جملة الانتقادات الحادة الموجهة للمفكر الإسلامي عدنان إبراهيم ،أنها ترتكز على قشور أفكاره و اجتهاداته، عوض الخوض في مناقشة لبّها وجوهرها ،أو الأمور التي أبدع في الاجتهاد حيالها. أو تلك التي أحي النقاش حولها، في مرحلة تعيش فيها الأمة الإسلامية لحظة مفصلية وحاسمة في تاريخها. و دلك على عكس ما يفعله أصحاب الأفكار الجاهزة بمنطق التبعية العمياء . وتتركز أهم الانتقادات الموجهة إليه في نقطتين هما : - نعته بالتشيّع: كان كافيا أن يستدل المفكر عدنان إبراهيم في محاضراته بأفكار لإمام شيعي -موسى الكاظم- وغيره ، ثم يجهر بحبه الذي لاحدود له لآل البيت ، ليجد نفسه مصنفا من قبل بعضهم خارج المذهب السني ، بل دهب البعض إلى وصف تسننه مجرد مظهر من مظاهر التقية. فكيف يعتبر الاستدلال بفكرة أو طرح معيّن ،أو حب آل البيت بمثابة تشهير لمذهب أو اتجاه ديني على أخر ،حتى ولو كانت الفكرة أو الطرح صحيح وسوي ؟ أم أن أصحاب الرقابة و الحراسة الدينية ، لا يقبلون من يمتلك تفكيرا يختلف و لو شكليا عن طرحهم. -اتهامه بالتهجم على بعض الصحابة رضوان الله عليهم: الصحابة الكرام لا يقبل التهجم عليهم أو المس بهم ، و رغم اختلافنا مع ما قاله عدنان إبراهيم ووصفه الصحابة "بأنهم ليسوا طبقة واحدة وتختلف مستوياتهم وأرائهم" ، فان نقده لبعض الصحابة كان من خلال حديثه عن كونهم بشر غير مقدسين، ناهيك أن موقفه من الصحابي معاوية يندرج ضمن تحليل تاريخي طابق تولي معاوية فيه الحكم ، وزاد في معاوية رضي الله عنه انه "صحابي ولكنه ليس صحابيا مستقيما" ، وفسر رأيه هدا بكون معاوية "غيّر الخلافة القائمة على الشورى إلى ملك عضوض واخلفه ابنه ". وهو بدلك يناقش اجتهاد صحابي جليل في أمور دنيوية و لا نرى في دلك أمرا يستحق كل هدا التحامل على شخصه. و هدا الرأي لا يمنحنا ولا يخولنا سلطة تخوين هدا الرجل المجتهد، وإصدار الأحكام الجاهزة في حقه ، بل وجب الإشادة بما جاء به من أفكار متنورة . لكن هل كل ما قام به عدنان إبراهيم هو حديثه عن معاوية ، واستدلاله بأفكار إمام شيعي ؟ الم تصبح محاضراته الدعوية وخطبه في شرح كثير من أمور الفقه السياسي جالبة لجمهور محترم في العالم بأسره وخاصة لدى فئة الشباب؟ لعل من الأمور الحميدة و المحمودة التي اجتهد فيها عدنان إبراهيم هو مخاطبة الشباب واستنهاض هممهم في أمور ظلت بعيدة عن النقاش ، كما انه تميز بوقوفه مع الثورات العربية مند قيامها، ونقده اللاذع لموقف تحريم الخروج عن الحاكم، كما قدّم خطبة في مفجر الثورات -البوعزيزي- لطرح قضية استشهاده من انتحاره، واجتهد في مناقشة شكل الدولة في الإسلام بطريقة تخاطب العقل و تقدره أكثر مما تحجره وتمنعه من الاجتهاد المشروع . وكنموذج لدلك ما تركه نقاشه العميق والرزين لموضوع "الإسلام والدولة المدنية " من إعجاب وتقدير عند جمهور مهم من الناس، وتوضيحه فكرة أن نموذج الدولة في الإسلام هو الدولة المدنية بمرجعية إسلامية ، ومناقشته هكذا موضوع بطريقة علمية و سلسة مليئة بالبراهين والأدلة الموجودة في تاريخ الإسلام. فقط تحتاج لمن ينفض الغبار عنها. كما بيّن أن مقومات الدولة المدنية متوفرة ومستوفية في الإسلام عكس ما يروجه أعداء هدا الدين من أن الإسلام راعي الدولة الدينية – الثيوقراطية-، كما أكد بأنه واهم من يروج لمثل هده الأفكار، وان أصحاب هده النوايا يقومون بدلك فقط من اجل تخويف العالم من الحركات الإسلامية التي بدأت تصل تباعا لمراكز السلطة في العديد من الأقطار الإسلامية. مهما اختلفنا أو اتفقنا مع المفكر عدنان إبراهيم في طرحه لأفكاره – على اختلاف طبيعتها – فان احترام آراءه و أفكاره و اجتهاداته يبقى أمرا مطلوبا ، كما أن الاختلاف في بعض الأمور و التصورات لا يفرض بالضرورة مهاجمته على كل ما يقول وكل ما يؤمن به ،بل يستوجب الحوار بالحسنى، و خلق آليات للنقاش بمستوى متقدم ومحترم، لإعطاء صورة مشرقة ومتنورة عن الفكر الإسلامي ،غير تلك التي يحاول أن يلصقها الغرب به.