شكرا السيد أحمد بن الصديق، فلقد أجملت وكفيت وجمعت كل هذه المآسي التي تعيشها بلادنا بقلمك الصادق وبمقالك الساطع حول ديمقراطية الركوع، شكرا السيد أحمد بن الصديق، فقد يكون بعضهم همز ولمز وسب وشتم وخون وتهكم لمقالك واعتبره غوصا في "الشكليات"، لكن لا يعلم هذا البعض أو لا يريد أن يعلم أن في بلادنا الحبيبة وفي دولتنا المستبدة، الشكليات تتماهى مع الجوهريات فيضحي الجوهر هو الشكل والشكل هو الجوهر، وهل ثمة أكبر من أن الشكل يفضح استبداد استعباديا في المضمون؟ نعم لقد قالها من قبل أحدهم حينما اعتبر انتقاد ما وقع في واقعة ما سمي بخلية بليرج أثناء الاعتقال وحين الإعلان عنها برواية رسمية متهافته، اعتبر كل ذلك خوضا في "شكليات" لا تهم - ولو ذهب ضحية هذه الشكليات أناس ظلما وعدوانا-... شكرا السيد أحمد بن الصديق فخوضك في هذه الشكليات العتيقة أيقظ ضمير من له ضمير لينتبه لحالنا الدستوري والسياسي انه لم يتغير شكلا ومضمونا، وليعلم هذا الذي لازال ضميره حيا أن نظام التعيينات لا يستقيم مع البناء الديمقراطي ذلك أن الديمقراطية تتناغم مع نظام الاختيار الحر المبني على الأهلية والكفاءة، فإما أن نقبلها بمناطاتها التي تفضي إلى إشاعة مبدأ الاختيار، وإما أن نقيم زواجا غير شرعي لها مع نظام التعيينات، وعلامة سيادة نظام التعيينات هو هذه الشكليات، فهي تدور معه وجوبا وعدما ولا تنفصل عنه البتة إلا بإقامة صرح ديمقراطي يقيم نظام اختيار حر يدور مع شكلياته التي تصون كرامة الإنسان في الشكل كما في المضمون وجودا وعدما، شكر السيد أحمد بن الصديق، فلقد فتحت الشهية لأقلام صادقة وأصوات شريفة كي تقول قولها الواضح في "نازلة الركوع"، كما أنك فتحت شهية المتربصين بكل مبادرة للإصلاح ولو كانت "شكلية" كي يهجموا ويقلبوا الأوراق و"معاجم المصطلحات"، لا هم لهم من ذلك سوى دحض أطروحتك في هذه النازلة أنت ومن ساندك في قولك وأجابك بصدق عن استفتاءك في نازلتك، ولا ننسى الصامتين من "أهل العلم" الذين يتصدون لكل من أفتى خارج دائرتهم ولم تكن فتواه مؤشر عليها بطابعهم الفريد، لكنهم في نازلتك اختاروا طريق "كم من أمور قضيناها بتركها"، أما "الحداثيون" الذين يدافعون بشراسة عن تلك الحداثة المزعومة فإن المرء يستغرب حين يرى منهم من يأخذ من هذه "الحداثة" سوى الجانب المتعلق بنوع بئيس من الفن والغناء والمهرجانات والسينما واللباس، وكل ما له علاقة بفصل القيم الحضارية والدين عن هذا النوع من مظاهر الحداثة المغشوشة، لكن حين يتعلق الأمر بالطقوس المخزنية العتيقة يكون التشبث أكثر بها ضدا على ما تقتضيه الحداثة حقا من قطيعة جذرية مع العتاقة والتقليد واللاعقل والتقديس، إن الحداثة كما أنها تجلي فني واجتماعي وإنساني فلها تجلي بدءا سياسي مرتبط بتحرير العلاقة بين الحاكم والمحكوم من علاقة إكراه وإجبار إلى علاقة تعاقد حر وديمقراطي، ومن علاقة لا محاسبة إلى علاقة محاسبة عن أفعال الحاكم وأقواله وقراراته، ومن علاقة تقديس إلى علاقة تنسيب وتناصح وتقويم، فأين هي دولتنا المغربية من هذه الحداثة في البنى السياسية والدستورية والمؤسساتية؟ الغريب أنه يتم ربط هذه المشاهد بتبريرات ذات مسوحات دينية بينما الدين براء منها لأن الدين جاء ليحرر الناس من الاستبداد لا ليبرره... شكرا السيد أحمد بن الصديق، فبقولك الصادع، تسهم في تصحيح الفرز السياسي السليم الذي تميع بالبهرجات الخطابية واللفظية وبمعارك ثانوية يشعلها بعض من المشاركين في السمفونية المخزنية، وبجعله عند بعض المتطرفين من آل اليسار فرزا على أساس الهوية الإيديولوجية، وبتحريف ممنهج للتناقض الرئيسي الذي ينبغي أن يظل مع الاستبداد المخزني وفساده العام المترتب عنه، شكرا لك لأنك بنقاشك "الشكلي" على الأقل تساعد على تسريع هذا الفرز السليم الذي يتبين من خلاله المحافظ من الإصلاحي،... كن إسلاميا، كن يساريا، كن بورجوازيا، كن قوميا، كن سلفيا، كن اشتراكيا، كن علمانيا، لكن ليكن الاصطفاف السياسي واضحا من حيث الموقف من الاستبداد المخزني الذي يتأسس على دستور ينتصر لنظام الملكية التنفيذية بامتياز شكلا ومضمونا، وأول الاصطفاف أن تتبين المواقف من هذه "الشكليات" التي أثارها صديقنا السيد أحمد بن الصديق في نازلته حول "ديمقراطية الركوع"، شكرا لك بصدق...