ليلتها نام نيكولا ولم تنم كارلا، كانت تسمع شخيره الآتي من الغرفة المجاورة كهدير قطار البخار وهو يغادر المحطة0 انزعجت كثيرا من الشخير، لكنها وجدت نفسها بحاجة لضجيج يبعد عنها وحشتها ويعطيها الإحساس بأنها لا زالت على قيد الإليزي ولم تمت00، بل إن السيدة الأولى اكتشفت في لحظة سهو غائمة أن لديها قدرة روحانية تلهمها فك شفرة ذبذبات الشخير0 وقفت، جمعت بيمناها شعرها إلى الوراء، فيما كانت يسراها تمسك بسيجارة "مارلبورو لايت" غير مشتعلة، ثم ذهبت حافية القدمين إلى غرفة نيكو، اسم التودد الذي كان يحبها أن تناديه به0 جلست في كرسي جنب رجلي الزوج النائم على بطنه نومة ميت0 نظرت كارلا إلى الجثة وتمتمت في سرها: "ياه00 من أين تأتي بهذا الموت المشاكس وبكل هذا الكم الهائل من الشخير الجنائزي، لو يعلمون حالتك الآن00 أووف00 ميرد (تبا) وكأننا سوف لن نغادر هذا القصر غدا تحت حراب الصناديق التي صوبت فوهاتها نحو رأسينا نحن الاثنين00"0 تزاحمت الخواطر والهواجس بالأفكار الرمادية والسوداء والأكثر سوادا في رأس المطربة الجميلة لتعزف لحن أغنية على إيقاع هجين0 وفجأة لمعت في رأسها فكرة كرصاصة طائشة زاغت عن صدر ما وثقبت رأسها خطأ، لأنها لم تتعود استقبال مثل هذا النوع من الأفكار، فهبت هبة امرأة واحدة عازمة على تنفيذ ما جال بخاطرها اللحظة، لكن قامتها المديدة تعثرت فوق بساط تركي صغير وارتطمت بركن السرير الملكي محدثة ضجة وصيحة فزع أفزعت القزم الغارق في نعش الشخير0 استيقظ نيكولا رافعا يديه إلى الأعلى: "ماذا هناك00 أنا ابنكم00 أردت قول والدكم00 زعيمكم000 لا00 لا تقتلونني"0 ولمس بيده المرتعشة رأسه فتلطخت بالدم0 وزاد هلعه وبكى لما رأى كارلا ساقطة على الأرض تتوسد بقعة دم00 رفع عينيه إلى أعلى الغرفة الواسعة فرأى المصابيح الصغيرة المدفونة في السقف النيلي صواريخ لحلف الناتو العتيد0 صاح بأعلى صوته: "توقفوا00 توقفوا00 إنكم تطلقون نيرانا صديقة00 أنا مستعد للتنازل وتنفيذ جميع شروطكم00 خذوا البترول كله، خذوا الأرض والسماء والبحر والنهر000"، وتذكر أن النهر اصطناعي فاستدرك: "إنه نهر عظيم، ممكن أن أملأه لكم بما تحبون وتشتهون من لبن جمال وويسكي أو بيرة أوخمورا من الأندرينا000 أنتم من تختارون 00 فقط اتركوا لي نياشيني وخاتمي وهذا المسدس الذهبي00 إنه مجرد تذكار ألهو به في وقتي الفارغ ، هو فارغ من الذخيرة 00توقفوا000"0 كانت الدماء تسيل منه وقد غطت وجهه وصبغت قميص بيجامته الكاكية، ولكمات الثوار وحديدهم يعبث بجسده من قبل ومن دبر، وقد توقف عن الكلام، وعاد إلى لغة الشخير والغرغرة، ولم يعد يرى0 انتهى القصف فنهضت كارلا من عثرتها لتجد نفسها في الصحراء رهينة لدى مقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي0 "أين أنا؟" سألت عارضة الأزياء الرجال المحيطين بها وهي تتأمل في سحناتهم وفي لباسهم الفلكلوري0 تبادل الملتحون النظرات بينهم، وقال أصغرهم الأشعث الرأس القليل شعر اللحية موجها لها الكلام بدارجة فصيحة00 "لم نفهم ما تقولينه يا أمة الله00 ولا بأي لغة تتكلمين، إهدئي لقد أرسلنا في طلب أميرنا ليرى ما سنفعل بك، هل سنأخذك رهينة ونطالب بفدية ثمنا لتحريرك، أم سنهديك جارية للأمير00"0 ردت الحسناء مذعورة : "لم أفهمكم00 لا أفهم لغتكم00 ألا تتكلمون اللغة الفرنسية"00 عندها انبسطت أسارير وجه الشاب ونادى على أصحابه أن يقتربوا قائلا: "وإنها لفرنسية00 وإنه لصيد ثمين00 ألم نقل إن الله معنا00" فهمت كارلا قولهم وأكدت لهم "نعم أنا الفرنسية الأولى سيدة الإيليزي"،، وصل الأمير ومعه مترجم لا يفهم إلا القليل من الكلمات الفرنسية، طلب منه الأمير مباشرة مهمته، فرد بصوت رخيم: أيها الأمير بعد البسملة والحوقلة متبوعة بحمدلة خالصة لله تعالى فإن الجارية الماثلة بين إرادتكم المستمدة من إرادة ربنا خالق الكون، هي من جنس الفرنسيس الكلب الذين يأتمرون بالكافر ساركوزي لعنه الله0 لما سمعت كارلا اسم زوجها تفاءلت خيرا ووقفت تطالب بالاتصال بزوجها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، "أريد أن أطمئنه وأطمئن عليه" قالت بغنج والتواء مثير أفصح عن فتنتها بشكل مبين، وكأنها تغني على خشبة مسرح الأولمبيا القديم، مما رفع من حرارة أجسام الملتحين وزادهم حرارة على حرارة الجو الصحراوي الخانق، جحظت العيون وغرقت مبللة بريق الشفاه بين ناهدي المحتجزة، فصاح فيهم الأمير موجها نحوهم فوهة رشاشه التشيكي الصنع: "لولا العشرة الطويلة لقتلتكم واكتسبت فيكم أجرا ومغفرة عظمى0 طأطأ الرجال رؤوسهم من الخوف فأمرهم بالانصراف، ثم عاد وطلب من أكبرهم سنا وأقصرهم وهو المترجم أن يلقن الحسناء عبارة الشهادتين، وإن رفضت فليكتف بتعليمها كلمتي "زوجتك نفسي"، وبعدها ليقدها إلى الخيمة الأميرية0 رد المترجم: "أمرك مطاع سيدنا" ، وخرج الأمير يتبعه القصير يجر وراءه كارلا بروني من شعرها جرا0 في هذه الأثناء كانت ساحة الباستيل لا تزال تغص بأنصار المرشح الاشتراكي الفائز فرنسوا هولاند، وهم يغنون ويرقصون ويشربون كانيطات البيرة ويدخنون ويتبادلون العناق والقبلات على أنغام فرح وردي أحمر0 وكانت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية قد أصدرت طبعة أولى من عددها ليوم الاثنين السابع من ماي، تتصدره صورة كبيرة لفرنسوا الثاني وريث فرنسوا الأول (ميتيران) وبالبنط العريض: (وخلق الفوز في 6 ماي ثم استوى على عرش الأيام) 0 وفي الصفحات الداخلية نشرت الصحيفة ملفا عن حصيلة الرئيس المنهزم ووثيقة مصورة تؤكد فضيحة تمويل معمر القدافي للحملة الانتخابية السابقة لساركوزي المخلوع000 أما كارلا بروني فقد خرجت من غرفة الممدد في نعش الشخير تبحث عن موبايل ماري لوبين زعيمة اليمين المتطرف لتقترح عليها أن تتزوج بها حتي تضمن في الانتخابات القادمة بعد خمسة أعوام العودة المظفرة لمنصب السيدة الأولى0 عندما وصلت كارلا إلى منتصف بهو القصر الرئاسي سمعت ساركو يغني أغنية جاك بريل: "لا تتركيني"، فعادت إلى غرفته، لما رآها قال لها كان عليك أن تتأكدي أولا من هل ماري لوبين مثلية قبل أن تعرضي عليها تلحين أغنيتك يا مجنونة0 وفي الضفة الأخرى من الجنوب نقلت وكالات الأنباء قصاصة تفيد زواج زعيم تنظيم جهادي من فرنسية مشهورة كانت مغنية وعارضة أزياء قبل اعتناقها الإسلام0 الدارالبيضاء (المعاريف) 7 ماي 2012 * كاتب وإعلامي مغربي