أصدرت المحكمة الدستورية المغربية يوم 5 شتمبر 2019 قرارا رقمه 19/97 يقول بأن "القانون التنظيمي للأمازيغية" رقم 26.16 الذي صادق عليه البرلمان هو قانون متوافق مع الدستور المغربي. وهذا القرار هو طبعا صفعة ساحقة لنشطاء الحركة الأمازيغية الذين أنفقوا وقتا طويلا وهم يزعمون بأن هذا "القانون التنظيمي" (بكل نسخه ومسوداته الأولية وكذلك بنسخته النهائية) يخالف الدستور. (أما اللغة الأمازيغية نفسها فقد صُفِعَتْ عام 2011 في الفصل الدستوري الخامس). الحقيقة هي أن هذا "القانون التنظيمي" الكارثي متوافق تماما مع الدستور المغربي. لماذا؟ لأن الفصل الدستوري الخامس هو نفسه كارثي يظلم اللغة الأمازيغية. فالفصل الدستوري الخامس يرسم اللغة الأمازيغية بشكل مشوه ومقزم ومجمد ومؤجل ومقيد ب"قانون تنظيمي" ممرحل يغرق الأمازيغية في قيود ومتاهات بيروقراطية مستقبلية مشروطة لا حصر لها، ويضع اللغة الأمازيغية فعليا في مرتبة ثانوية أسفل العربية. إذن، المحكمة الدستورية في قرارها هذا منسجمة تماما مع نص الدستور المغربي في فصله الخامس الظالم للغة الأمازيغية. وهذا كله يعني أن الحركة الأمازيغية وبقية أنصار الأمازيغية قد ارتكبوا بشكل متعمد خطأ فادحا في السنوات الثمان الماضية بين 2011 وَ 2019 لأن أنصار الأمازيغية هللوا وطبلوا للترسيم المشوه المقزم المجمد المؤجل المقيد الذي تم منحه للغة الأمازيغية في دستور 2011. الحركة الأمازيغية وأنصار الأمازيغية أقنعوا أنفسهم بأن الفصل 5 من دستور المغرب يساوي بين الأمازيغية والعربية بينما هو لا يساوي بينهما. الحركة الأمازيغية وأنصار الأمازيغية تجاهلوا بشكل متعمد حقيقة أن الدستور المغربي يجعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانوية مجمدة ومقيدة وأقل شأنا وأدنى مرتبة وأسفل درجة من اللغة العربية. أنصار الأمازيغية تجنبوا وتحاشوا تماما أن يطالبوا الدولة بتعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي جذريا بحذف "القانون التنظيمي" (ذي الهدف التأجيلي) من الفصل الدستوري الخامس وأن ينص الفصل الدستوري الخامس على أن اللغة الأمازيغية واللغة العربية هما اللغتان الرسميتان المتساويتان شكلا ومضمونا وأن رسمية اللغة الأمازيغية فورية ومطلقة وغير مقيدة بأي قانون وغير قابلة للتأجيل. ومع انبطاح أنصار الأمازيغية منذ 2011 أمام مضامين الفصل الدستوري الخامس الكارثي الذي تسبب الإسلاميون في صياغته بهذه الصيغة فقد قبلوا إذن بوضع عنق الأمازيغية في فخ "القانون التنظيمي" وأنفقوا 8 سنوات (منذ 2011) يطلبون من الأحزاب السياسية المسخوط عليها شعبيا أن تصنع للأمازيغية "قانونا تنظيميا" جميلا رائعا يساوي بين الأمازيغية والعربية بينما الدستور لا يساوي بين الأمازيغية والعربية أصلا. فكان جزاء انبطاح أنصار الأمازيغية أن تلقوا صفعة تتمثل في إصدار الحكومة والبرلمان في 2019 "قانونا تنظيميا" كارثيا يحمل كل جينات أبيه الفصل الدستوري الخامس الكارثي. ثم استنكر أنصار الأمازيغية هذا "القانون التنظيمي" ووصفوه بأنه "عنصري" و"مخالف للدستور" فعاجلتهم المحكمة الدستورية بصفعة ثانية حين زكت وباركت هذا "القانون التنظيمي" وأعلنت أنه يوافق الدستور المغربي. هاتان إذن هما الصفعتان الكبيرتان اللتان تلقتهما الحركة الأمازيغية (بل اللغة الأمازيغية) منذ 2011. وكل هذا "التكرفيس والتبرزيط والتشرميل" الذي تم إنزاله باللغة الأمازيغية ما كان له أن يحدث لو وضعت الحركة الأمازيغية باكرا في 2011 أصبعها على موطن الداء الذي هو الفصل الدستوري الخامس الظالم فتطالب الدولة بتعديله جذريا قبل كل شيء آخر، وتقاطع مهزلة "القانون التنظيمي" منذ اليوم الأول، بدل أن تطلب الحركة الأمازيغية من الحكومة والبرلمان والأحزاب أن يصنعوا للأمازيغية "قانونا تنظيميا" مبنيا على أساس دستوري ظالم للأمازيغية. ما بني على باطل فهو باطل. للمزيد من شرح الفكرة راجع مقالي السابق: "بودهان وعصيد يعترفان بإفلاس ترسيم اللغة الأمازيغية". وعسى أن تكون هذه الانتكاسات والهزائم والخيبات والصفعات صدمة توقظ أنصار الأمازيغية وتدفعهم إلى أن يعيدوا النظر في مواقفهم وأساليبهم واستراتيجياتهم لترسيم الأمازيغية ترسيما دستوريا حقيقيا. يجب تعديل ديباجة الدستور المغربي لكي تنص على أن المغرب (واسمه الأمازيغي Murakuc) هو دولة أمازيغية وبلد أمازيغي تنبع هويته من الأرض الأمازيغية المغربية (وليس من روافد أجنبية وبلدان أجنبية). ويجب تعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي جذريا بحذف "القانون التنظيمي" منه والتنصيص بعبارة واضحة قاطعة على أن اللغة الأمازيغية واللغة العربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية وأنهما لغتان متساويتا الرسمية شكلا ومضمونا ومفعولا وأن طابعهما الرسمي فوري وكامل وشامل ومطلق وغير قابل للتأجيل. وترسيم اللغتين في كل المؤسسات يجب أن يكون نابعا من الدستور مباشرة بدون أية قوانين مقيدة وبدون أية أفخاخ بيروقراطية. ويجب أن تلغي الحكومة هذا "القانون التنظيمي" الكارثي المسمى 26.16. فهذا "القانون التنظيمي للأمازيغية" فخ دستوري بيروقراطي وظيفته استنزاف ثم إعدام اللغة الأمازيغية. ويجب على الحركة الأمازيغية وأنصار اللغة الأمازيغية أن يعيدوا فتح ملف الحرف اللاتيني. فاللغة الأمازيغية لن يتيسر وينجح ترسيمها بشكل وظيفي عملي نافع فعال إلا بالحرف اللاتيني، ولن يتيسر تدريسها وتدريس المواد العلمية المدرسية بها في المدى القصير المنظور إلا بالحرف اللاتيني. ويجب أن تتخلى الحركة الأمازيغية عن خزعبلة "الأمازيغية لغة غير جاهزة تحتاج إلى المعيرة والتأهيل". فهذه الخزعبلة الماكرة ليست سوى مبرر إضافي يركب عليه أعداء اللغة الأمازيغية لتبرير تأجيل تدريسها وتأجيل ترسيمها ولإرسال موضوع تدريس المواد العلمية المدرسية بالأمازيغية إلى غياهب اللامفكر فيه. اللغة الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt جاهزة وقادرة على التعبير عن كل شيء الآن، وقواميسها الضخمة المتنوعة التي تم تأليفها طيلة القرن 20 قبل تأسيس الإيركام هي قواميس غنية تغطي كل شيء. لا يوجد أي سبب علمي ولا تقني مقبول لتأجيل تدريس اللغة الأمازيغية وتأجيل إعداد كتب المواد المدرسية بها وتأجيل ترسيمها وظيفيا. وإنما الضغط السياسي الإسلامي هو الذي عرقل ويعرقل اللغة الأمازيغية. فالضغط السياسي الإسلامي هو الذي منع وحرم على الأمازيغية استعمال الحرف اللاتيني عام 2003. والضغط السياسي الإسلامي هو الذي شوه وطعن اللغة الأمازيغية في دستور 2011 وفخخها بالفخ الدستوري البيروقراطي المدعو "القانون التنظيمي".