بعد أيام قليلة، ستخلد الثورة السورية الذكرى الأولى على انطلاقتها في 15 من مارس سنة 2011، دون أن يظهر في الأجل المنظور خروج من النفق المظلم الذي أدخلت إليه، بسبب تواطؤ دول عربية وأجنبية، تسعى إلى إجهاض الثورة، واستعادة نظام الديكتاتور الدموي لزمام الأمور. وبهذه المناسبة، يُطرح السؤال الجوهري: لماذا لم تنجح الثورة السورية بعد كل هذه الشهور الطويلة من القتل والدمار، مقارنة مع ثورات أخرى؟ لماذا لم يتحرك المنتظم الدولي بنفس القوة والحزم والسرعة التي تحرك بها في الملف الليبي؟ بقدر ما أثلجت صدور الشعوب العربية الثورات في تونس ومصر وليبيا، أدمت الثورة السورية القلوب وحولت الفرحة إلى حزن، بسبب الجرائم الوحشية التي يرتكبها "هولاكو" سوريا أمام مرأ ومسمع من العالم. مجموعة من الدول القوية والفاعلة في الساحة الدولية، كالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي، باعتبارهما أقوى كيانين يمتلكان القدرة على التدخل في يؤر التوتر، بشتى الطرق الدبلوماسية والعسكرية والمخابراتية لحل النزاعات والأزمات الدولية، لم يحركا ساكنا لوقف حرب الإبادة التي تشن ضد شعب أعزل أراد أن يعيش في ظل نظام يُقدّر كرامة الإنسان. كل ما تتناقله القنوات الإخبارية من تصريحات لمسؤولين غربيين أو عرب، والتي لا تتجاوز التنديد بما يفعله فرعون سوريا، كما أنا المبادرات التي اتخذت في هذا الشأن، بما فيها المبادرة العربية الأخيرة التي ولدت ميتة، وتصويت روسيا والصين في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين سوريا أو يسمح بالتدخل فيها... يجب التأكيد على حقيقة ، لو كانت هناك إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي لتغيير النظام الأسدي، لما تركوا عصابته تنشر الموت والدمار في كل أرض سوريا، ولا أدل على ذلك من بقاء سفراء الدول الغربية والعربية إلى حدود اليوم في سوريا، حتى بعض الدول التي قامت بسحب سفرائها مؤخرا كالولايات المتحدة ودول الخليج وبريطانيا، اتخذت القرار لأسباب أمنية بحتة...؟ هناك تواطؤ مكشوف بين مجموعة من الدول التي تمسك بخيوط الملف السوري، لكي يتم إجهاض الثورة، ومصادرة حق الشعب السوري في التخلص من هذه العصابة العلوية البربرية التي ارتكبت أبشع الجرائم، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة، لكن للأسف هناك حسابات سياسية للقو ى الكبرى الدولية، هي التي تتحكم في بقاء الملف السوري يراوح مكانه، أما الحديث عن حقوق الإنسان وعن حق الشعوب في تقرير مصيرها، فهي بالنسبة للغرب لا قيمة لها أمام مصالحه. المأساة اليوم، التي يندى لنا جبين "العالم المتحضر"، هي أن الشعب السوري يواجه لوحده عصابة مجرمة تقتل بدم بارد، ولم يتحرك ضمير العالم، ليوقف هذه العصابة الإرهابية التي تحكم سوريا، هل الإنسان السوري لا ينتمي إلى بني البشر؟ أم أن عصابة الأسد الوحشية أفضل عند الغرب والعرب من الشعب السوري المسالم؟ كيف يعقل في زمن علا فيه شأن القيم الإنسانية، أن نرى ونشاهد جرائم إبادة يومية تحصل في سوريا، وقادة الدول العربية والغربية لا زالوا ينتظرون ويتفرجون على ما يقع دون أن يهتز لهم إحساس أو ضمير؟؟ لماذا لم يتم رفع الأمر للجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم؟؟ هل الجرائم التي ترتكب في سوريا اليوم أقل بشاعة من الجرائم التي ارتكبت في ليببيا؟ القضية السورية عرّت الوجه القبيح للمجتمع الدولي، الذي يدعي أنه يرعى حقوق الإنسان في العالم ويتباكى عليها في المحافل والمؤتمرات الدولية، لكنه في الحقيقة لا يتحرّك للدفاع عنها لما يتم انتهاك حقوق وحريات المجتمعات النامية، إلا إذا كان تدخّله سيجني من ورائه مصالح وفوائد كبيرة...