لائحة بعض المستفيدين من "الكريمات" التي كشف عنها وزير النقل والتجهيز عبد العزيز الرباح هزت الرأي العام ولاقت تجاوبا كبيرا في المواقع الإجتماعية، ذلك أنها كشفت النقاب عن شخصيات عمومية، رياضية ودينية وفنية وسياسية معروفة بعدائها للتغيير، وظلوا طيلة السنة الماضية يشوشون على السهام كي لا تصيب رؤوس الفساد الذي ينخر البلاد، ليتضح أخيرا أنهم ليسوا إلا جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة القذرة، وكانوا يتسترون وراء خطابات دينية سفسطائية وغيرها لاطلاق النار على المطالبين بالتغيير وإسقاط الفساد، ولم يخطر ببالهم يوما أن عيوبهم ستنكشف للعيان على صفحات كل الجرائد بما فيها تلك التي اتخذوها منابر للدفاع عن أولياء نعمهم. ولعل الذين يطلعون على اللائحة يستحضرون نصيحة الملك الراحل الحسن الثاني لمستشاره عبد الهادي بوطالب، والعهدة على هذا الأخير، نقل عنه قوله "لا تحفظها باسمك بل باسم زوجتك"، وكان يقصد ملكية عقارية كان الراحل بوطالب يعتزم اقتناءها. فالعديد من الأسماء على اللائحة غير معروفة، وقد تكون من بينها من هم في أمس الحاجة إلى معاش من الدولة لكسب قوت العيش، كما قد تكون أيضا أسماء تخفي وراءها صقورا أخرى. ومهما يكن فإنها من الناحية السياسية لن تكون أكثر أهمية بالنسبة للشعب من أسماء الجلادين، العشعاشي وصاكا والتونزي، ومن عائلة الهمة مستشار الملك، والشرايبي صديق الملك ! والجعيدي الحارس الخاص للملك! هل هؤلاء في حاجة إلى كريمة؟ إن حضور أسماء المقربين من الملك على لائحة الرباح يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن النافذين في دار المخزن حولوا المغرب إلى ضيعة خاصة بهم، ويعزز الشكوك التي كانت دائما تروج حول تورط مقربين من الملك في قضايا رشاوى تتعلق بإجراء منح الكريمة. وهناك جانب خفي في القائمة هو الشركات، نقرأ أسماء شركات مشهورة رغم أننا لا نعرف التفاصيل عن مالكيها، مثل "شيهاتور" و"الغزالة" و"نقل الغزاوي"، وفي المقابل هناك مقاولات أخرى حاضرة بكثافة في سوق النقل، تحت مسميات تجارية معروفة ولا أثر لها في قائمة الرباح. ربما لأنها لم تستفد من الريع، وقد يكون أيضا أنها مسمياتها التجارية مختلفة تماما عن المسمى القانونية الواردة في القائمة المذكورة. ولعل هذا الغموض يحيلنا مرة أخرى إلى طرح إشكالية الحصول على المعلومة، ذلك أنه من حق الصحفيين والمواطنين على السواء الحصول على كل المعلومات المتوفرة لدى مكاتب الضبط في المحاكم التجارية بخصوص الشركات التي وردت أسماؤها على القائمة؛ المعلومات من قبيل النظام الأساسي للشركة الذي يحمل تفاصيل انشطة المقاولة، وهوية مالكيها، والسجل التجاري، والصفقات. ومن ثم أيضا، معرفة الظروف القانونية التي حصلت فيها على لكريمة.. ناهيك عن احتمال كون هذه المقاولات مجرد فروع لمجموعات عملاقة تستفيد بشكل او بآخر من قربها من دوائر صنع القرار. كشركة "ساترام" لمالكها الرئيسي لحسن جاخوخ، وهو رجل أعمال مغربي مقيم في ليبرفيل. لم يعد سرا على أحد كونه الشريك الأول للعائلة الحاكمة في الغابون، عائلة الرئيس بانغو، مثلما لم يعد سرا على المغاربة أنه صديق مقرب من الملك محمد السادس، منذ أن بدأت التساؤلات تطرح حول تأخره في دفع مبلغ 327،6 مليون درهم لوزارة فتح الله ولعلو في صفقة خوصصة شركة "درابور" سنة 2007، أيام حكومة جطو، وقد ظل جاخوخ منذ تلك الصفقة المستثمر الوحيد في قطاع التجريف في المياه المغربية! وعلاوة على احتكارهما للتجريف، فإن جاخوخ وشريكه عبد الرحمان إيهدا في مجموعة "ساترام"، كما سبق أن أعلنا، من أبرز المستثمرين في ميدان النقل العام في المغرب، والنقل السياحي عبر شركات منها "إيهدا ترانسبور"، وفي الملاحة البحرية، وهنا مربط الفرس. ورغم أن حافلاتهم حاضرة بكثافة تحت عدة مسميات تجارية في خطوط حيوية تمثل شرايين النقل في بلادنا، بين الجنوب والشمال على وجه التحديد، فإن المطلوب من الوزير عبد العزيز الرباح والحكومة، ليس الكشف عن هذه المسميات التجارية، فهي غير ذات أهمية قياسا بحجم حضورهم وأمثالهم من قبيلة القطط السمان في "مملكة الريع"، في الملاحة البحرية، ومقالع الرمال، واستغلال المعادن غيرها، وهذا هو الجهاد الأكبر..