"اللي بغيتو ديرُوه ديرُوه". بهذه العبارة رد باشا مدينة العرائش على الوقفة الاحتجاجية التي نظمها أعضاء مكتبي جمعيتي" أشبال العرائش" و" تواصل للإعلام والتوعية" ببهو الباشوية ، للتنديد بقرار الباشا الرافض لتسليمهما وصلي الإيداع . وبرر الأخير رفضه هذا بكون ملف جمعية " تواصل للإعلام والتوعية" قد تم إمساكه من طرف المصالح الأمنية، أما فيما يخص جمعية " أشبال العرائش" فمبرر الرفض هو كون رئيسها ينتمي لجماعة العدل والإحسان. العذر أفدح من الزلة... "لقد أصبح الامتناع عن تسليم وصل إيداع ملف تأسيس الجمعيات موضة لدى باشا المدينة.. وهذا أمر غير مقبول.. لقد اكتشفنا اليوم بالملموس أن العقلية المخزنية لازالت تحكم المغرب، فباشا العرائش يعتبر نفسه فوق القانون". بهذه العبارات الدالة عقب رئيس جمعية "أشبال العرائش"، عبد الصمد بنزكرية، على قرار السلطة . أما سعيد الغازي، المستشار في مكتب جمعية" تواصل للإعلام والتوعية" فقد قال ، " أجد أن الباشا يخرق القانون عن سبق إصرار وترصد، ومما أثار انتباهي بشدة هو لجوءه إلى الهاتف لتلقي التعليمات بعد أن طلب منا مغادرة القاعة لمدة خمسة دقائق، مما يبين بوضوح وبالممارسة الفعلية أن القانون في المغرب مجرد حبر على ورق". نحن هنا أمام خرق بين لمقتضيات ظهير15 نونبر1958 الذي ينص في فصله الثاني على مايلي : "يجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط أن تراعى في ذلك مقتضيات الفصل5 ". وينص هذا الأخير على ما يلي: "يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء. وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة اللاحقة يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها. (....) " أما دستور 2011 فيؤكد أن : "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.(...)"( الفصل29) كما أن الحكومة في تصريحها أمام البرلمان أعلنت عن التزامها بإرساء دعائم دولة الحق والمؤسسات على أساس الفصل بين السلط والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وبالإضافة إلى ذلك، صرحت أيضا أنها ستعمل على فتح ورش الديمقراطية التشاركية من خلال تنزيل مقتضيات الدستور، وتطوير العلاقات مع المجتمع المدني من اجل تنمية الحقوق والحريات وترسيخها. نحن هنا حقيقة أمام ترسانة من المقتضيات الدستورية و القانونية وأمام التزامات حكومية، بل وأمام مؤسسات حكومية جديدة من قبيل وزارة العدل والحريات (المنقولة من فرنسا) ووزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني التي لا نظير لها سواء في دول الجوار العربي أوفي دول الجوار الأوربي. لكن المشكل عندنا للأسف، في المغرب هو مشكل تطبيق وممارسة ومشكل عقليات، أكثر مما هو مشكل قانوني أو مؤسساتي. وهذا مظهر من مظاهر استمرار اشتغال بنيات واليات السلطة المخزنية، وعرقلتها لعمليات إرساء دولة الحق و القانون . إذن عن أي مجتمع مدني نتحدث الآن في المغرب؟ هل نريد عملا جمعويا يشارك في بلورة السياسات العمومية من خلال نقاش عمومي مفتوح (الفصل 169 من الدستور) من شانه أن ينمي القوة الاقتراحية لهيئات المجتمع المدني ؟هل نريد فعلا النهوض بتطوير الحياة الجمعوية (الفصل 170 ) ؟ وإلى أي حد يمكن أن نتصور أن بإمكان المواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، من أجل مطالبة مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى بإدراج نقطة تدخل في اختصاصها ضمن جدول أعمالها (الفصل 139 من الدستور) ؟ لعل الطابع الا نكاري هو الذي يطغى أكثر على هذه التساؤلات لان السلطة عندنا غالبا ما تنهج نهجا مخا لفا للدستور والقوانين والمؤسسات . فماذا عسى أن تكون الديمقراطية إن لم تكن أسلوبا من الأساليب التي ابتكرتها البشرية من اجل التدبير المدني والعقلاني للاختلاف والتباين في الآراء والتصورات. وبالتالي فان المجتمع المدني الحقيقي هو الذي يقبل بالتعدد والاختلاف في الأفكار والآراء و التصورات والمشاريع، و هنا تكمن قوته التي لا محالة، تنعكس بكيفية إيجابية على الدولة ومؤسساتها. فلا يمكن إذن أن نتصور دولة قوية بدون مجتمع مدني قوي، كما لايمكن أيضا أن نتصور مجتمعا مدنيا قويا بدون دولة قوية . إن التحولات الجارية في أعماق مجتمعنا وتلك الجارية حوالينا، تفرض على الدولة أن تنفتح أكثر على جميع الفعاليات السياسية والجمعوية المختلفة بدون استثناء ، وان تحتكم إلى المجتمع في كليته وتضع الآليات الديمقراطية التي من شأنها أن تنعش نقاشا عموميا حقيقيا حول كل السياسات العمومية وخاصة ذات الطابع الاجتماعي . هذا إذا كنا فعلا نريد أن نقطع مع الأساليب البالية في التسيير و التدبير، ونتبنى الأساليب العقلانية البديلة. إن المسألة الاجتماعية(مشكلة البطالة والفقر وكل أنواع التهميش والأمية والتعليم والصحة والسكن اللائق الخ...) بلغت حدا من التأزم أصبح معه من الضروري جدا البحث عن بدائل تنموية حقيقية نابعة أساسا من صلب واقعنا المجتمعي. انه فعلا لشيء جميل أن تكون لدينا وزارة خاصة بالمجتمع المدني ، وأخرى بالحريات وثالثة "بالحكامة الجيدة ". ولكن الأجمل أن تكون لدينا بالأحرى حريات فردية وجماعية ومجتمع مدني وحكامة (بدون جيدة). نريد من السادة الوزراء أن يحموا تلك الجمعيات التي تعاني من الشطط في استعمال السلطة و أن يعملوا جادين على إنصافها و تمكين أعضائها من حقوقهم كمواطنين، كما هو الشأن بالنسبة لجمعيتي العرائش وجمعيات أخرى غيرها تعاني من نفس الممارسات اللا ديمقراطية. إنها تمثل صنفا من جمعيات ا لمجتمع ا لمدني التي ليس من الضروري ، ولا من أعراف الديمقراطية في شيء، أن تتطابق أفكارها وأهدافها ومشاريعها مع مثيلاتها على مستوى الدولة. في هذا الإطار نتساءل مثلا ، ماذا بإمكان" وزير المجتمع المدني" أن يفعل اتجاه الائتلاف الجمعوي(أكثر من 50 جمعية والعدد قابل للزيادة) الذي أطلق مؤخرا حملة إعلامية من أجل إيقاف مشروع القطار فائق السرعة (STOP TGV) ؟ كما نتساءل أيضا إلى أي حد بإمكان نفس الوزير أن يعمل على تفعيل تصريحه الصحافي الأخير، والذي يذهب فيه إلى ضرورة إلغاء مهرجان موازين (بدعوى فقدانه للحكامة بمعنييها الإعلامي والتربوي وانه بنهاية حزب الدولة ينبغي لمهرجان الدولة أن ينتهي) ؟ وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع المدني بمختلف مكوناته، سبق له أن قاد حملات كثيرة لمحاربة هدر المال العام من خلال هذا النوع من المهرجانات. ختاما يمكن أن نخلص إلى أن مفهوم المجتمع المدني مفهوم متعدد المعاني وبالتالي فان اللبس و الغموض كثيرا ما يلفانه. دعونا أولا نكرر القول بان المجتمع المدني في المغرب هو في حاجة ملحة إلى توسيع هوامش الحرية المخصصة له أكثر مما هو في حاجة إلى وزارة، خلفيات إنشائها غير خفية على المهتمين والدارسين لتطورات المجتمع المدني بالمغرب. إن الدراسات المعاصرة لمفهوم المجتمع المدني تؤكد حقيقة تعدديته كمجموعة من القوى الحية التي تسعى باستمرار إلى اخذ المسافة اللازمة ، من أجل تحقيق استقلاليتها النسبية في علاقاتها مع قوتين أخريين أساسيتين في كل مجتمع الا وهما الدولة والسوق . كما أن الحركات الاجتماعية أصبحت بمثابة العنصر الرئيسي لأي مجتمع مدني معاصر، وشكلا مهما للمشاركة في حياة المدينة.