بعد تواتر المهازل السياسية في أيامنا هذه. بعد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقا، و بعد تكاثر الصفقات المشبوهة على حساب شعب و مستقبله. لم أجد بدّا إلى العودة إلى المكوّنات الأساسية لما يتعارف عليه بالديمقراطية حتى أظهر أن آليات اللّعبة السياسية لا تكفي لبناء مجتمع حر، متماسك، مستقل و مقبل عى تطوير نفسه و حضارته. لقد قررت في يومي هذا أن أظهر ما يبعدني عن الحياة كمواطن و يفرض عليّ صفتي كأحد الرعايا. أنا لا أدّعي أنّني مثقّف كبير أو محلّل سياسي يثير اسمه الرهبة في وسط السّاسة الفاشلين، و لا صاحب إيديولوجيا عبقرية تحمل الحقيقة المطلقة. أنا لا أعدو أن أكون مواطنا مع إيقاف التنفيذ يحلم بمغرب في مستوى الحبّ الذي أكنّه له... مغرب يدار بذكاء لا مغرب الخبث و الدسائس الذي أصبحنا نعيشه في أيامنا هذه. مغرب للجميع دون "أسياد" يكرّسون ثقافة الاستبداد و الاستبلاد و اضطهاد العباد. سأكون مواطنا في وطني السعيد رغم أنفه ذات يوم... سأكون مواطنا في المغرب الذى أحمل ترابه في كل خلية من جسدي، يوم تأخذ قيمة الاحترام مكان الخوف في إدراكنا الجماعي، و حين سنفرّق بين معنى القيمة و معنى السعر في تصورنا للأشياء. سأكون مواطنا في بلدي يوم يكف إخواني عن استغلال حب الوطن مطية شفوية لأغراض أنانية استغلالية. سأكون مواطنا يوم يصبح الشعور بالانتماء لهذا البلد الرائع، لكل هذا التنوع الذي يغنيه و يميّزه في آن، بعيدا عن النظرة الفولكلورية المقزّمة التي تحملها النخبة المتفسّخة التي لا ترى ثقافتنا إلّا من خلال تصوّرات من أراد أن ينسينا إياها. سأكون مواطننا يوم تصبح الدولة، ذلك المارد المخيف، في خدمة الجميع و ليس رهن إشارة قلّة تعتقد أنّها أعلى قدرا من الناس. سأكون مواطنا يوم يكف من توظّفهم الدولة، سواء كانوا ببدل رسمية أو مدنية، عن استعمال القانون ضد الناس كأداة للقمع و السيطرة أو أداة اغتناء سريع لا يبرّره شيء على الإطلاق. سأكون مواطنا حين يكف مسؤولونا عن التصرف كالملّاك في المرافق العامة التي يؤدّي ثمن وجودها دافع الضرائب. سأكون مواطنا يوم تنأى الانتخابات في وطني عن اللّعبة التي يختلط فيها المال بالنفوذ ليخلق مزيدا من الامتيازات و مزيدا من الريع و الفساد و الإفساد. سأكون مواطنا يوم يكون في استطاعتي معرفة تفاصيل أي موضوع متعلّق بوطني و مستقبله دون الاصطدام بجدار السرّية و الصمت المريب. سأكون مواطنا يوم يكف إعلامنا عن ممارسة الدّعاية السياسية بدل الصحافة التي يفترض بها أن تنقل الواقع كما تعاينه دون مجاملة أو تواطء. سأكون مواطنا يوم يكون لي اليقين أن لعقيدتي، أفكاري، اختياراتي و آرائي السياسية الحق في الوجود و لو لم تكن تجاري ما تعارف عليه السواد الأعظم دون خوف و لا إقصاء. سأكون مواطنا يوم آخد حقّا أعطاني إياه القانون دون حاجة إلى رشوة أو زبونية و علاقات خفية، مثلي في ذلك مثل الجميع دون تمييز. و لن أكون مواطنا حتّى تكون محاكم وطني ملاذا حقيقيا إذا مسّني أحد في حقوقي. حين يصبح نظامنا القضائي عادلا، شفّافا و حاسما يعطي لكل ذي حق حقّه بعيدا عن جو الدسائس و الفساد و المؤامرات الذي تفشّى في محاكمنا. سأكون مواطنا يوم تضمن لى مرافق الصحة العمومية العلاج و الكرامة، في ظروف إنسانية حقيقية كحد أدنى و نقطع نهائيا مع الحالة الكارثية لمستشفياتنا القليلة أصلا. سأكون مواطنا يوم لن أحتاج إلى التردّد في تسجيل أبنائي في المدرسة العمومية لثقتي في نظام تعليمي متكامل و فعّال، ينتج مواطنا صالحا معتزّا بأصله منفتحا على غيره، مقبلا على البحث و التجديد و المساهمة في الحضارة البشرية. سأكون مواطنا يوم يصبح العلم و الثقافة و الإبداع في منزلة المال و السلطة في تصورنا للدولة. سأكون مواطنا يوم يصبح العمل قيمة و حقّا مضمونا لكل مواطن و ليس فرصة ينقض عليها كاللّص... و حين يكون لكل عمل مقابل عادل يضمن لصاحبه حياة كريمة مستقلّة، وليس معاشا هزيلا يكبّل الفقير في فقره. سأكون مواطنا يوم يؤمن المسؤولون بوجوب تقليص الشرخ بين الغنى الفاحش الآثم و الفقر المدقع الكافر و إعلان الحرب على اللّامبالاة و الاستهتار التي ينم عنها تصرف المترفين منّا... سأكون مواطنا حين تصبح مدننا و قرانا على حد سواء مهيئة لضمان حياة متوازنة، في متناول الجميع لا أن ينظر إليها كجملة أمتار مربّعة قابلة للتحويل إلى دراهم لفائدة أقلية طاغية لا خير يرجى منها... سأكون مواطنا يوم ألج الأسواق دون ذلك الشعور البائس لمن يخشى الاحتيال من تويجر لا يحترم قانونا و لا إلاها أو من محتكر ظالم يمارس تجارة تشبه السطو، لأنّ في دولة يحكمها الفساد، كل القوانين و الحقوق لا تعدو أن تكون عباءة طهر للنظام دون أي أثر في واقع الحياة. يوم أرى كل ذلك، سأتنفس هواء الحرّية و الكرامة الذى طالما تمنّيته لوطني. و سيكون المغاربة شعبا حقيقيا لا قطيعا مسيّرا تعاقب على إخضاعه المستعمر و من خلفوه. يومها سأقولها بفخر : " أنا مواطن مغربي ! و وطني أجمل بلاد الأرض !" و سأقولها عن اقتناع. مواطن مع إيقاف التنفيذ