فيما يشبه العبث تعيد سلسلة “حديدان” تمطيط نفسها في حلة لا تكاد تتمطط على امتداد أربعة مواسم وبنفس فكرة حديدان وايقاعها المستوحى من طرائف جحا وحيله وخدعه وأساليبه، وتعود هذه السنة بشخصيات وديكور جديد، حيث انتقل فريق العمل إلى مدينة ورزازات لتصوير معظم مشاهد هذا الموسم الذي يحمل عنوان “حديدان عند الفراعنة”. “سيسافر حديدان رفقة صديقه عبر الزمن، من كليز في قلب المدينة الحمراء إلى أرض الفراعنة مصر، هناك سيعيش قصصا جديدة، مواقف مضحكة وأحداث غير متوقعة “. حسب ملخص السلسلة.
يشارك في هذا الموسم الجديد تلة من النجوم إلى جانب كمال كاظمي وعزيز دادس من بينهم، فاطمة وشاي، صلاح الدين بنموسي، عبد الصمد الغرفي، حنان زهدي..والسلسلة من إخراج ابراهيم الشكيري. ليس هناك أي مبرر معقول لإنتاج هذه السلسلة من الأساس وأن تحظى بتمويلها من طرف القناة الثانية ومن جيوب المواطنين المغاربة سوى مبرر واحد هو بحث القناة الثانية عن زيادات خيالية في نسب المشاهدة. كما أعادت القناة الثانية بذات التقنية الجزء الثاني من سلسلة ” البهجة ثاني ” وبنفس الطريقة الجزء الرابع من “حديدان عند الفراعنة” مع الحفاظ على الوجوه القديمة وتطعيمها بوجوه جديدة ونقل المكان من مراكش/ المغرب إلى الحقبة الفرعونية بمصر. تستنسخ سلسلة “حديدان عند الفراعنة ” ذاتها وتعيد نفسها من جديد ليس الغرض بهدف الفرجة التلفزية بقدر ما يتعلق بسباق الزيادة في نسبة المشاهدة والبحث عن العروض الإشهارية. نجد نفس القصور الفرعونية والخدم.. حيث انتقل حديدان من مراكش في الجزء الثالث إلى مجال أكبر حاملا معه ذات القوالب وذات الحكي ونفس اللكنة والحركات بلباس فرعوني لا يستقيم ولا يحمل أي جديد أو أي جدة. حديدان كشخصية متخيلة في تحولاته المهنية والحياتية حسب ايقاعات الحكي وظروفه مصبغا بمجموعة من الديكورات والملابس و بنفس طريقته في الأداء والتصنع المتعمد باجترار الكلمات والتعليق الساخر عليها ومجابهة الخصوم. ونوعا من المشاحنات مع الحاكم والملكة كيلوباترا…ومع أفراد أسرته ومع رفاقه في وضعيات درامية تنحاز للتصنع وتبعد عن الانسجام والصدق. الشخصية الأكثر حضورا هو حديدان / كمال كاظيمي في عدد من التقابلات التي لا تنتهي وفي عدد من المشاحنات الكلامية الفضفاضة لا تحمل أي محتوى فكري أو ثقافي أو ايحاءات أو رمزيات حيث التقابلات اليومية الكلامية والمشاحنات والردود المفتعلة والغاضبة والمتشنجة. يعيد شخصية حديدان نفس الدور كما في النسخ الأربع بدور مهلهل غير مؤطر يتحدث في كل شيء ويتدخل في شيء ومستعد للقيام بكل شيء. بلكنته البدوية وأمثاله التي لا يتخلى عليها وحديثه مع نفسه بين الحين والأخر والقهقهات التي لا تكاد تنتهي. عوض كوميديا المواقف التي تجسدها الشخصيات بحضورها وصمتها تسعى شخصية حديدان رفقة عزيز داداس إلى إبراز الحضور بحركاته الجسدية المثيرة المبالغ فيها. نفس الحركات الجسدية وتغيير لكنات الصوت وعدم الانسجام في اللغة المستعملة الدارجة المغربية مع سياق الحكي الفرعوني وفي نفس الحلقات التي تكاد تؤطر جميع الشخصيات في شبه اتفاق حرص المخرج ابراهيم الشكيري على تأكيده في مزيد من الحركات الجسدية المصطنعة والتي يغلب عليها طابع الارتجالية. الابداعية وتحلق بعيدا عن المغرب وتسافر زمنيا في حقبة موغلة تستعصي حتى على الدراما المصرية بإمكانياتها وتاريخها الطويل.. وهو اختيار غير معقول وغير صائب وغير قابل للتصديق…. تنطلق هذه الشخصيات في بنائها الدرامي بدون خلفيات اجتماعية وفكرية وسياسية مفصولة عن القضايا العامة للمجتمع وتتخبط في مجموعة من المواقف التي تعكس تقلباتها. والأكثر من هذا هو الانتقال إلى مصر وإلى عهد الفراعنة وصعوبة تصويرها حتى بالنسبة للمصريين نظرا لارتفاع تكلفة انتاجها من حيث الديكورات والملابس والاكسسورات… ومع استعمال الدارجة المغربية في عمل لا يمت للهجة المصرية بصلة… عمل لا يمت للهوية الوطنية بأي صلة وبعيد كل البعد في مضامينه عن الهوية الوطنية المغربية. يهرب هذا العمل و يتخطى الطابوهات المغربية ويقفز إلى مصر ويتجنب والمفارقات السياسية والمجتمعية في المجتمع المغربي.. ويتجه صوب المشرق العربي عوض أن ينغمس كليا في الهوية الوطنية.. هذا الجزء الرابع لا يحمل أي جديد سواء من حيث التصوير أو الكتابة الدرامية ذو مضمون ” فارغ ” لأن عملية المزج والانتقال إلى عصر الفراعنة لم تكن فكرة جيدة بالمرة ولا يستجيب هذا العمل لمتطلبات الجمهور المغربي المتعدد وتطلعاته التعبير عنه ويبقى بعيدا عن أفكاره. عمل لا يحمل أي جديد وليس له أي حمولة وعمل على تشويه حقبة الفراعنة وألبسها لباسا مغربيا مزيفا مفبركا لا يمت بالصلة . يفتقد هذا العمل للصدق والايحاء والدلالات والرمزية والتأويلية…. فقط دراما تتوغل في القهقهات و البحث عن ملئ الفراغات .. وسيناريو يتمطط حسب الأجزاء بالانتقال إلى الأمكنة عوض الشخصيات وحسب الحلقات الثلاثين المراد انتاجها وتسخير نجوم لهم شعبية كبيرة لدى الجمهور المغربي يستخدمون لهذا العمل الفني الذي يفتقد للكثير من المقومات الفنية أولها الصدق والإيحاءت والدلالات الرمزية. على مستوى اللغة تكاد تتشابه كما في النسخ الأربعة الماضية ألفاظ وجمل وتعبيرات عن حطامات اليومي وبؤسه والبحث عن الكلمات الغربية المضحكة بدارجة تحمل أكثر من ايحاءات وأكثر من تأويل جون سياقها وفي جغرافية وتاريخ مغاير باتت أكثر سخرية. دون التعمق في الكتابة وفي خلفياتها وفي نسج شخصيات متكاملة تفرز سلسلة “حديدان في بلاد الفراعنة ” بالإضافة إلى سرعة انجاز المشاهد عن عمل مرتجل غايته الرهان عن البحث عن مزيد من المشاهدات والمتابعات وتحطيم الارقام القياسية للمشاهدة على حساب الفرجة التلفزية وتربية الذوق الفني. ببساطة هو عمل فني غير قابل للهضم في أكثر من مستوياته ويزيف الحقائق في أكثر من موضع.