الاختيار الثوري .. الخيار الديمقراطي .. و الآن الاختيار الحداثي انبثقت الحركة الاتحادية من الشعب المغربي و بزت كرد فعل ضد الاستعمار من لدن حركة المقاومة و جيش التحرير، و تعد هذه الحركة بصدق رسما للمسار للشعب و تطلعه نحو التقدم ، و يمكن تقسيم مراحل عملها على مستوى النضال و نشر الدعوة الوطنية في صفوف الجماهير الشعبية استجابة للتطورات التي عرفها المجتمع المغربي ، وضرورة تحمل المسؤوليات الثقيلة وسط الاضطرابات و الغموض بغية الوصول إلى الوضوح السياسي و القيمي و التي تصلح للتحقيب للفعل النضالي بالمغرب. لقد اصطدم استقلال المغرب ببروز قوى انتهازية و إقطاعية تحكمت في المغرب بفعل تسابقها على المصالح و الامتيازات الشيء شكل عائقا أمام تأسيس وطن ديمقراطي بفعل دعمها لاحتكار السلطة و قمع طموحات المجتمع المغربي في التحرر بدعوى أن النخب المغربية غير مؤهلة للتنظيم و البناء الاقتصادي. وجاء رد الفعل الاتحادي بتبني أجوبة تحدد الخط النضالي: - مرحلة الاستبداد أظهرت الاختيار الثوري للمهدي بن بركة. - مرحلة الحاجة لبناء وحدة وطنية أظهرت الخيار الديمقراطية لعمر بن جلون. - مرحلة دسترة الخيار الديمقراطي و معها بات ملحا تبني الاختيار الحداثي . 1- مرحلة الاختيار الثوري. قصد مواجهة الاستبداد، استلهم الشهيد المهدي بن بركة فكر كل من عبد الكريم الخطابي و تشي غيفارة عبر دعوته لفكرة عدم التبعية وضرورة توحيد المغرب العربي و تعزيز التضامن بين الجماهير العربية بهدف تقوية جبهة الشعوب المتحررة لمحاربة التخلف و الامبريالية و الاستعمار في أفق بناء مجتمع جديد تسوده العدالة الاجتماعية ، الديمقراطية والاشتراكية. وشاءت الظروف أن يُستشهد هذا القيادي الاتحادي بتحالف دولي، في جريمة لم تفكك خيوطها إلى حدود اليوم، و بعد أن فشل النظام المغربي في إخراس الأصوات المنادية بالديمقراطية و التحررية إدراكا بأنه لا مجال للاستمرار بدون إدخال نفحة ديمقراطية. برز للوجود القيادي الاتحادي عمر بن جلون كأحد القادة المؤسسين للحزب وصحافته، وكأحد أبرز المناضلين النقابيين الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية و كانت آلياته القطاع النقابي - الاتحاد المغربي للشغل - و الشبيبة الاتحادية. 2- مرحلة الخيار الديمقراطي : عملت الحركة الاتحادية على وضع صيغ وصل بين المكونات الثلاث للنضال: التحرير، الديمقراطية والاشتراكية. غير أن يد القوى الظلامية اغتالت في 18 دجنبر عمر بن جلون في مدينة الدارالبيضاء. تصريح الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد في الدورة العادية للجنة المركزية و التي عقدت في مدينة بني ملال، يوضح أسباب هذا الخيار "إن الديمقراطية التي نسعى إليها ليست هي الديمقراطية الرسمية، إنها تلك التي تشترط طرح مشاكل الجماهير ومناقشتها على الصعيد الوطني (...) ، المشاركة في الانتخابات لا تحركه اعتبارات انتخابية بغية الحصول على نتيجة معينة أو لانتخاب هذا الشخص أو ذاك (...) بالنسبة لنا هذا أمر ثانوي، الأكثر أهمية خلال الانتخابات هو أن يفتح أطر الحزب نقاشات واسعة مع الجماهير حول كافة القضايا المحلية والوطنية. يجب علينا أن نشرح معنى الاشتراكية ولماذا الاشتراكية". استمر نضال الحركة الاتحادية رغم لحظات القمع و السجن و الاغتيالات إلى حدود 1998 ، حيث برز اسم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي قاد مرحلة مصالحة مع الحكم من خلال التناوب التوافقي، حيث عين وزيرا أولا في فبراير 1998، دافع عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن التناوب التوافقي في فترة حرجة من تاريخ المغرب، وصفها المرحوم الحسن الثاني بقرب السكتة القلبية، حيث ظهر اليوسفي الذي عمل على تاسيس نمط جديد في الحكم بالمغرب على أساس منهجية تشاركية تقطع مع اسلوب المعارضة السابق في خوضها مع نظام حكم استمر لمدة أربعين سنة في تدبير الشأن العام، بعد ما سبق للاتحاد رفض تسيير حكومة يضمن لها الملك أغلبية ويضمن لها سلما اجتماعيا لمدة سنة،. غير أن تعيين الملك محمد السادس لرجل تيقنقراطي" إدريس جطو" في منصب الوزير الأول، انتبه له الاتحاد من خلال إصداره بيانا عبر عنه محمد اليازغي في وثيقة تاريخية دافع فيها عن المنهجية الديمقراطية ، و التي تعني تولي الحزب الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية منصب الوزارة الأولى ، ونتج عن عدم الأخذ بعين الاعتبار للرسالة الاتحادية بروز تجليات من أبرزها نسبة المشاركة الضعيفة في المغرب بالقرى والمدن على حد سواء ، ومع ما حمل ذلك من تساؤل حول مصداقية العمل الحزبي ببلادنا نتيجة سخط المواطن المغربي على الأوضاع القائمة وحاجته إلى الثقة في المؤسسات وفي جدوائية العمل السياسي . تنبه الاتحاد لهذا الواقع و طالب بالملكية البرلمانية، و هو الشيء الذي ضمنه في البيان العام الصادر عن مؤتمره الثامن، في وقت عبر حليف الاتحاد على كونه لا يضع مطلب التعديلات الدستورية الرامي إلى تقليص سلطات الملك ضمن أولوياته في المرحلة السياسية الراهنة، معتبرا كون المطلب الاتحادي هو مجرد شعار مستوحى من ماضي الصدامات مع المؤسسة الملكية وجاء كردة فعل من قبل بعض الاتحاديين المتمردين ضد قيادتهم على خلفية النتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية . غير أن الربيع الديمقراطي الذي شهدته بعض الدول العربية بين وجاهة الرأي الاتحادي و أظهر الحاجة لضرورة خلخلة المشهد السياسي، خطاب الملك محمد السادس ل 09 مارس شكل تحولا ملحوظا و استجابة للحراك المغربي و الذي دعا فيه لمراجعة الدستور فصارت جل الأحزاب تطالب بالملكية البرلمانية ، داعية لضرورة إنهاء احتكار السلطة ، و الذي جنب المغرب اضطرابات ، حيث بات الاختيار الديمقراطي مكسبا دستوريا، و تم تنظيم انتخابات سابقة لأوانها . و التي أسفرت عن حصول الاتحاد على المرتبة الخامسة قرر الاتحاد الخروج الى المعارض من خلال تصريح ادريس لشكر " لا مكان لنا في الحكومة ، الناخبون حددوا موقع الاتحاد وعلينا أن نستجيب لرغبة الشعب. " ان هدا الخروج هو احترام للاختيار الشعبي في العودة للمعارضة من أجل الإنصات للمجتمع بالشكل الذي يمكنه من بلورة الاستراتيجيات الناجعة لمواجهة رواد الفكر الأسطوري ومناهضي مسار تقوية كل أشكال مؤسسات الدولة والمجتمع، ومن تم تحقيق التوافق المطلوب بين العقل والأخلاق كأساس لتقوية التنسيق بين أهداف الفرد والجماعة مع الدولة. ومن أجل ذلك، تقتضي مصلحة البلاد الحرص الدقيق والدائم على تنزيل روح الدستور الجديد وترسيخه في الممارسات المؤسساتية والمجتمعية. 3 - مرحلة الاختيار الحداثي: إن إدراك حساسية اللحظة التاريخية تحتم على الاتحاد الانتباه لأهم التحديات الداخلية و الخارجية التي تتربص بالمجتمع المغربي و التي تقتضي تشكيل البنية التحتية للاختيار الديمقراطي و ترتبط بمسالة التحول النوعي في الخطاب و القطع مع ممارسة العنف باسم المقدس و اختيار الحوار و التوافق و نبد الأحكام الحاسمة المتولدة في الاعتقاد بامتلاك الحقيقة. فالاختيار الحداثي يعبر عن سيرورة خاضعة لعملية اكتشاف و بناء مستمر للمجتمع المغربي، و ليس بناء منجز مستقل ومملوك لنخب بعينها، عبر تأسيس حداثة شعبية تقوم على أساس نبذ الإقصاء الذي هو شكل من أشكال التكفير و التبديع السياسي و تحرص على تقوية الحرية الفردية و تنهل من الأسس الثقافية الكونية كاحترام حقوق الإنسان و احترام حقوق الفئات الاجتماعية المختلفة و على وجه الخصوص حقوق المرأة كدافعة نحو التحديث الشامل. و الذي يقتضي ضبط إيقاع الحياة السياسية بشكل يحفظ مكتسبات التحديث و يضمن الاستقرار الداخلي و يتيح إمكانية التعاون و التكامل بين مختلف الفاعلين في أركان النظام السياسي . عبر الحرص على إبقاء خطوط التواصل مع القوى الديمقراطية و الحداثية كأمر ملح للوصول إلى إمكانية تنزيل الدستور في هيئات جديدة يعول عليها المغاربة بدون استثناء . لهذا فالاتحاديون مدعون إلى لم شمل الفرقاء المؤمنين بقيم الحداثة تحت مظلة جامعة، و العمل المشترك من اجل خلق حالة من الالتقاء السياسي المصلحي على حدود دنيا على الأقل في إطار العمل الوطني المشترك. يروم التأويل الحداثي ، و إحداث تغيير جذري على بنية السلطة و إدخالها من منوال التوزيع العمودي / الأفقي بين مختلف الفاعلين. من خلال الاختيار الحداثي يمكن مواجهة التحديات الاقتصادية التي تبدو صعبة و شائكة و معقدة نتيجة الإرث الثقيل لاقتصاد الريع و الذي ساهم في إفشال إصلاح العديد من الملفات نتيجة لاعتماد منطق المزاجية المفرط في التبسيط و السطحية من قبل جيوب المقاومة. هذا المبتغى لن يتحقق نتيجة برنامج انتخابي يعتمد على نصوص مجملة وفضفاضة يقدمها حزب العدالة و التنمية ، بل هناك حاجة ملحة لإنزال برنامج اقتصادي من خلال هيئات تفصيلية واضحة تخرج من منطق العموميات. و هنا فان المصلحة الوطنية تحتم على الاتحادين الاستعداد لتقديم أجوبة من خلال ما راكموه من تجربة ميدانية في التسيير بشأن قضايا دقيقة و مختلفة ، في ظل وجود تحديات متعاظمة تفرضها الظروف الدولية و الإقليمية. إن الاختيار الحداثي يضمن تأويل حداثي في تنزيل الدستور و إخراجه إلى ممارسة فعلية ملموسة على ارض الواقع، و هذا من شانه إن يدشن عهدا جديدا يحسب للحداثيين. إن العمل السياسي من مربع المعارضة في ظل حساسيات بعض الملفات كملف الصحراء و ملف الاتفاقيات و المعاهدات و العلاقات و ما يصاحبها من تعقيدات ، يحتم على الاتحاد التجديد ، و الذي يقتضي إدخال طاقات واسعة من الكوادر المؤهلة ذات رؤية واضحة تقوي الاتحاد على اجتياز المرحلة و تكسب المعارضة العمق الكامل و النضج المطلوب و تساهم في خلق أسس التحرر، التقدم و الحداثة. فالمرحلة الحالية هي مرحلة لنتجاوز بالمجتمع المغربي منطق العزاء الروحي، الذي يقيم الأنا عن طريق الدين و مع ما يقتدي ذلك من تقديم البديل المتمثل في العمل على إعادة توزيع الثروات ، والقوة و المداخيل و تحقيق العدالة التي حل محلها الاستقلال و ارتفاع عدد العاطلين و التفاني في استغلال العاملين ذوي الأجور المنخفضة و الدخل المحدود.